صدمة كبيرة نزلت علي رأس الاعلام المصري بعدما هنأ الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أحمد الشرع، بتوليه منصب الرئاسة السورية في المرحلة الانتقالية، وقد شن الإعلام حملة رفض وهجوم علي الشرع كان أقلها وصفه بالارهاب.
وقال الرئيس المصري في تدوينة على حسابه الرسمي في منصة “إكس”: “تمنياتي له بالنجاح في تحقيق تطلعات الشعب السوري نحو مزيد من التقدم والازدهار”.
وتأتي تهنئة السيسي في ظل موقف مصري متردد إزاء تطبيع العلاقات بالكامل مع النظام السوري الجديد، إذ لا تزال القاهرة توازن بين مصالحها الإقليمية وموقفها الداعم للحل السياسي في سورية.
وفي تحول لافت أثار جدلًا واسعًا، غيَّر الإعلامي المصري أحمد موسى موقفه من زعيم هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني، بشكل دراماتيكي، ففي 8 ديسمبر 2024، شن موسى هجومًا لاذعًا على الجولاني، واصفًا إياه بالإرهابي ومتهمًا إياه بخدمة المصالح الإسرائيلية في سوريا.
وأكد موسى، خلال برنامجه على مسؤوليتي، أن الجولاني صناعة أمريكية، معتبرًا أن تحركاته في سوريا تصب في مصلحة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي تصريح آخر، دعا موسى الجولاني إلى توحيد الفصائل العسكرية في سوريا والتوجه نحو الجولان لتحريره من الاحتلال الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن الطريق مفتوح.
وقال موسي أن الوضع الحالي في سوريا أصبح مأساوياً إلى درجة أن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، لو أراد الذهاب إلى دمشق، يستطيع ذلك بسهولة، قائلاً: “من جبل الشيخ إلى دمشق، مفيش عسكري واقف، مفيش جيش يعني مفيش بلد”، وحذر المصرييين من خطورة الفرحة بما يحدث في سوريا”.
إلا أنه في تحول مفاجئ، نشر أحمد موسى مؤخرًا تغريدة يهنئ فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على تهنئته للجولاني بتوليه رئاسة سوريا، مما أثار تساؤلات حول هذا التغير في الموقف.
هذا التحول أثار جدلاً واسعًا في الأوساط الإعلامية والشعبية، حيث اعتبر البعض أن موسى قد تراجع عن موقفه السابق تجاه الجولاني.
التناقض بين تصريحات موسى السابقة والحالية فتح باب التأويلات، حيث رأى البعض أن هذا التحول يعكس تغيرًا في السياسة المصرية تجاه الجولاني وهيئة تحرير الشام.
بينما اعتبر آخرون أن موسى مجرد ناقل للموقف الرسمي دون استقلالية في آرائه، فيما ذهب فريق ثالث إلى أن الأمر قد يكون مرتبطًا بتطورات إقليمية فرضت إعادة النظر في الخطاب الإعلامي تجاه الجولاني.
وليس أحمد موسي وحده، بل هناك آخرون منهم الإعلامي عمرو أديب، الذي زعم أن هناك من يشعر بالغضب في مصر مما حدث في سوريا بعد سقوط نظام الأسد، وأضاف -خلال برنامجه «الحكاية» المذاع عبر شاشة «mbc مصر»- بتاريخ 8 ديسمبر 2024، أن كثيرا من المصريين يعتبرون أن الشعب السوري وضع نفسه في موقف صعب.
وشدد على أن ما يحدث بسوريا لابد التعامل معه بحذر شديد، متجاهلا مظاهر الفرح التي اجتاحت الشارع المصري بعد سقوط بشار، ومتعاميا عن تدوينات المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي المرحبة بما حققته الثورة السورية.
بدوره، زعم نشأت الديهي – خلال برنامجه بالورقة والقلم ، المذاع على قناة “تن” ، بتاريخ 8 ديسمبر 2024- أن سقوط سوريا يهدد المنطقة بكارثة وأن تركيا تحل محل إيران هناك، و أن “الجولاني أداة مشروع دولي وإقليمي يهدد الدولة الوطنية ويشعل المنطقة بحروب لا تنتهي”.
وفي السياق نفسه، هاجم إبراهيم عيسى ما يجري في سوريا، وقال: إن ما يحدث هو سيطرة “فصائل إرهابية وحشية” على دولة عربية ، وأضاف أن الجميع “يصفق ويهلل للجولاني والفصائل التي سيطرت، وما يروجه الاحتلال لما يجري لا صلة له بالحقيقة، وهؤلاء لو غيروا أسماءهم فسيبقون جماعات إرهابية” وذلك في برنامجه “صوت القاهرة” المذاع على قناة القاهرة والناس، بتاريخ 10 ديسمبر 2024.
كما طالب الجهات الأمنية بترحيل كل السوريين من مصر بدعوى أنهم “أصبحوا يهددون الأمن والاستقرار بمصر”.
وبرأي مراقبين لا يجوز لدولة كبري بحجم مصر أن تكون خارج الكادر في المشهد السوري، وتترك الأمر لرعونة الأبواق الإعلامية للسلطة!
ورغم إعادة فتح قنوات تواصل دبلوماسية خلال الفترة الأخيرة، لم يصل الموقف المصري إلى حد الاعتراف الكامل بالنظام الجديد أو تعزيز العلاقات الثنائية بوضوح.
وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد أجرى اتصالًا هاتفيًا مع نظيره السوري أسعد الشيباني، بحثا خلاله تطورات الأوضاع في سورية والعلاقات الثنائية بين البلدين.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لاستكشاف مواقف النظام الجديد قبل اتخاذ أي قرارات استراتيجية بشأن العلاقات المستقبلية.
ويثير التعاطي المصري مع التطورات في المشهد السوري منذ سقوط نظام الأسد حالة من الجدل لدى الشارعين، المصري والعربي، على حد سواء، صمت غير مُقنع، وتأخر غير مُبرر، ومبالغة واضحة في المخاوف، ففي الوقت الذي تسابق فيه الجميع لفتح قنوات اتصال مع الإدارة السورية الجديدة بقيادة أحمد الشرع، التزمت القاهرة الحياد، مكتفية باتصالات مع دول الطوق لبحث ما حدث وتداعياته على الإقليم.
حتى حين قرر النظام المصري الانخراط ولو متأخرًا من بعيد، عبر الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع نظيره في الحكومة الانتقالية السورية، أسعد حسن الشيباني، بعد 23 يومًا من سقوط النظام، جاءت الرسائل التي تضمنها الاتصال هي الأخرى مثيرة للجدل.
فبعيدًا عن التأكيد على وقوف مصر مع الشعب السوري ودعم تطلعاته المشروعة، تضمن البيان الصادر عن وزارة الخارجية المصرية ما أسماه البعض “وصاية” على الإدارة الجديدة، متمثلة في مناشدتها “أهمية أن تتبنى العملية السياسية مقاربة شاملة وجامعة لكافة القوى الوطنية السورية تعكس التنوع المجتمعي والديني والطائفي والعرقي داخل سوريا.
وأن تكون سوريا مصدر استقرار بالمنطقة، مع إفساح المجال للقوى السياسية الوطنية المختلفة لأن يكون لها دور في إدارة المرحلة الانتقالية وإعادة بناء سوريا ومؤسساتها الوطنية لكي تستعيد مكانتها الإقليمية والدولية التي تستحقها. وتم الاتفاق في نهاية الاتصال على استمرار التواصل خلال الفترة القادمة”.
يُذكر أن القاهرة تتبنى موقفًا حذرًا تجاه الملف السوري، إذ تضع في اعتبارها توازناتها الإقليمية وعلاقاتها مع القوى الدولية الفاعلة في الأزمة السورية، لا سيما في ظل استمرار التغيرات السياسية في دمشق.
وتعد مصر واحدة من أكبر الحواضن للجاليات السورية في العالم، فرغم عدم وجود إحصاء رسمي لعدد السوريين في مصر، تشير تقديرات إلى أن الدولة المصرية تحتضن ما يقارب مليون ونصف المليون سوري، بحسب بيانات المنظمة الدولية للهجرة، في حين يصل عدد السوريين المسجلين لدى “مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين” في القاهرة إلى نحو 153 ألف لاجئ فقط.
المخاوف المصرية مما حدث في سوريا وتداعياته الإقليمية قد تكون مفهومة، لكن إزالة تلك المخاوف لا يكون بالعزلة والحياد السلبي وتبني خطاب إعلامي وسياسي مشيطن ومعادٍ، إنما عبر البرغماتية السياسية المدروسة، وبالانخراط أكثر في المشهد والتعاطي مع الإدارة الجديدة – كما فعل الآخرون بما فيهم المعادون – والتعاون معها لضبط المشهد وفق بوصلة الاستقرار والأمن الإقليمي وبما يضمن وحدة الأراضي السورية، في ظل ما تمثله سوريا من امتداد لعمق الأمن القومي المصري.