في تطور مهم قد يغير مسار الأزمة المائية في منطقة حوض النيل، أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض اليوم الاثنين 14 يوليو 2025، أن الولايات المتحدة ستعمل على حل أزمة سد النهضة الإثيوبي بين مصر وإثيوبيا، مشدداً على أن مياه النيل تمثل مصدر الحياة الأساسي لمصر وأن الحل سيأتي “قريباً جداً”.
خلفية أزمة سد النهضة وتطوراتها الحالية
تأتي تصريحات ترامب عن النيل في وقت حرج، حيث أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في 3 يوليو 2025 عن افتتاح سد النهضة رسمياً في سبتمبر 2025، ووجه دعوة لمصر والسودان لحضور حفل الافتتاح. هذا الإعلان جاء بعد اكتمال بناء السد النهضة الإثيوبي بالكامل، مما يفرض أمراً واقعاً جديداً على المنطقة.
وفي المقابل، أكدت مصر على لسان وزير الموارد المائية والري الدكتور هاني سويلم رفضها لأي محاولات لفرض الهيمنة المائية من خلال الإجراءات الأحادية الإثيوبية، مشدداً على أن مصر والأمن المائي لن تسمح بتجاوز حقوقها المائية أو تهديد استقرار دولتي المصب.
الأهمية الحيوية لنهر النيل بالنسبة لمصر
تؤكد الإحصائيات الرسمية أن مصر تعتمد على نهر النيل بنسبة 97% من إجمالي مواردها المائية المتجددة، مما يجعل النهر شريان الحياة الأساسي للشعب المصري. وتبلغ حصة مصر من مياه النيل 55.5 مليار متر مكعب سنوياً وفقاً لاتفاقية 1959 المبرمة مع السودان.
في المقابل، تواجه مصر عجزاً مائياً يقدر بـ 21 مليار متر مكعب سنوياً، حيث تصل احتياجاتها المائية إلى 114 مليار متر مكعب سنوياً بينما لا تتجاوز مواردها المائية 60 مليار متر مكعب. هذا العجز يتم تعويضه جزئياً من خلال إعادة استخدام المياه واستيراد المحاصيل الزراعية.
التحديات المائية والاقتصادية لمصر ونهر النيل
تشير الدراسات إلى أن نصيب الفرد السنوي من المياه في مصر يبلغ 570 متراً مكعباً، وهو أقل بكثير من المعيار الدولي الموصى به البالغ 1000 متر مكعب سنوياً. ومن المتوقع أن تنخفض هذه النسبة إلى أقل من 500 متر مكعب سنوياً بحلول عام 2025 بسبب النمو السكاني المتزايد.
يعتمد أكثر من 40 مليون مصري على الزراعة كمصدر رئيسي للدخل، حيث تستخدم الزراعة في مصر أكثر من 85% من مخصصات مياه النيل في مصر. كما تمثل الزراعة حوالي 14.5% من الناتج المحلي الإجمالي المصري.
موقف ترامب من التمويل الأمريكي لسد النهضة
انتقد ترامب بشدة التمويل الأمريكي لسد النهضة، واصفاً إياه بأنه “غبي” وغير مبرر، مشيراً إلى أن هذا التمويل ساهم في خلق نزاع بين مصر وإثيوبيا. وقال ترامب: “لا أعرف لماذا موّلت الولايات المتحدة هذا السد قبل التوصل إلى حل واضح بين مصر وإثيوبيا”.
وأضاف ترامب في تصريحات سابقة أن سد النهضة يقلل بشكل كبير من المياه المتدفقة إلى نهر النيل، مما يؤثر سلباً على حصة دول المصب، خاصة في فترات الجفاف.
التأثير على الأمن القومي المصري وسد النهضة
يعتبر سد النهضة تهديداً مباشراً للأمن القومي المصري، حيث وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السد في مناسبات عديدة بأنه “تهديد لوجود الدولة”. وتشير الدراسات إلى أن السد قد يؤدي إلى تقليل الحصة المائية المصرية بنحو 9-12 مليار متر مكعب سنوياً.
هذا النقص في المياه قد يؤدي إلى بوار مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وتشريد ملايين الأسر، كما سيضيف أعباءً اقتصادية جديدة تتمثل في تكاليف تحلية مياه البحر أو إعادة معالجة مياه الصرف.
الجهود الدبلوماسية السابقة لترامب في أزمة سد النهضة
لعب ترامب دور الوسيط في مفاوضات سد النهضة خلال عامي 2019 و2020، عندما استضافت واشنطن مفاوضات برعاية وزير الخزانة الأمريكي. وبعد عدة جولات من الاجتماعات، وقعت مصر على الاتفاق بينما رفضت إثيوبيا التوقيع، مما دفع ترامب لانتقاد الموقف الإثيوبي.
وقال ترامب في تصريحات سابقة: “لقد وجدت لهم اتفاقاً، لكن إثيوبيا انتهكته للأسف، وما كان ينبغي عليها فعل ذلك، كان هذا خطأ كبير”.
التحديات البيئية والاقتصادية لنهر النيل في مصر
تواجه مصر تحديات بيئية واقتصادية كبيرة بسبب تلوث نهر النيل، حيث تخسر الحكومة المصرية سنوياً ما يعادل 3 مليارات جنيه نتيجة لملايين الأطنان من الملوثات الصناعية والزراعية والطبية.
كما تشير التقارير إلى أن نسبة الملوثات العضوية الصناعية التي تصل إلى المجاري المائية تبلغ 270 طناً يومياً، مما يعادل مقدار التلوث الناتج عن 6 ملايين شخص.
مستقبل التعاون الإقليمي في أزمة سد النهضة
أكد ترامب أن الحلول ستأتي من خلال الحوار والتفاهم بين الدول المعنية، مشيراً إلى أن مسألة المياه “حساسة جداً” وتعتبر “مصدر الحياة لمصر”. وأعرب عن تفاؤله بإمكانية تحقيق تسوية سريعة وفعالة للنزاع القائم.
من جانبها، تؤكد مصر على ضرورة احترام الاتفاقيات المائية الدولية والحصول على موافقة دول المصب قبل الشروع في أي مشروعات مائية تؤثر على تدفق النيل.
التداعيات الجيوسياسية لأزمة سد النهضة
يأتي هذا التطور في سياق المنافسة الجيوسياسية المتزايدة في منطقة حوض النيل، حيث تلعب قوى إقليمية ودولية مختلفة أدواراً متباينة في هذا الملف. وتسعى مصر لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لحماية حقوقها المائية التاريخية.
إن تصريحات ترامب الأخيرة تمثل فرصة دبلوماسية مهمة قد تساهم في كسر الجمود الذي ساد المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا منذ سنوات. ومع اقتراب موعد افتتاح السد في سبتمبر 2025، تزداد الحاجة إلى حلول سريعة وعملية تضمن حقوق جميع الأطراف وتحقق الأمن المائي للمنطقة.










