في ضربة جديدة للقدرة الشرائية المنهكة للمواطن السوري، أعلنت “الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية – محروقات”، صباح اليوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2025، عن زيادة جديدة في أسعار البنزين والسولار والغاز، هي الثانية خلال أقل من أسبوعين، ما أثار موجة غضب وسخط شعبي واسع، خاصة في أوساط ذوي الدخل المحدود.
القرار، الذي دخل حيز التنفيذ مباشرة، جاء في وقت تشهد فيه الليرة السورية تراجعا حادا أمام الدولار، وسط غياب أي مؤشرات على تحسن اقتصادي، أو إجراءات حكومية موازية لتخفيف الأعباء المتزايدة على المواطنين.
تسعير مرن… وصدمات متكررة
وفق النشرة الجديدة الصادرة عن “محروقات”، اعتمدت الحكومة سعر صرف بلغ 11,600 ليرة للدولار الواحد لتسعير المشتقات النفطية، بزيادة قدرها 200 ليرة عن النشرة السابقة. في المقابل، يسجل سعر الدولار في السوق السوداء مستويات تتراوح بين 11,475 و11,525 ليرة.
رغم الفارق المحدود بين السعرين الرسمي والموازي، إلا أن الأثر على الشارع كان فوريا ومؤلما، إذ تترجم هذه الزيادة مباشرة في تكاليف النقل والإنتاج، وتدفع نحو موجة جديدة من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات.
قفزات حادة في أسعار الوقود
بحسب النشرة الأخيرة، جاءت الأسعار على النحو الآتي:
ليتر البنزين العادي: 12,540 ليرة (نحو 1.1 دولار)
بنزين أوكتان 95: 14,025 ليرة (1.23 دولارا)
المازوت الصناعي والتجاري: 10,830 ليرة (0.95 دولارا تقريبا)
أسطوانة الغاز المنزلي: 135,000 ليرة (11.8 دولارا)
أسطوانة الغاز الصناعي: 216,000 ليرة (18.9 دولارا)
وذلك في ظل بقاء متوسط الرواتب الشهرية في سوريا دون 750,000 ليرة (أي حوالي 75 دولارا)، ما يجعل تكلفة الطاقة اليومية تفوق قدرة الغالبية العظمى من السكان على التحمل.
ردود فعل غاضبة
أثارت الزيادة موجة غضب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عبر كثيرون عن استيائهم، مشيرين إلى أن الحكومة ترفع الأسعار عند كل انخفاض في قيمة الليرة، دون أي تعويض للفئات الهشة.
وكتب أحد المواطنين:
“إذا كنتم تسعرون وفق الدولار، فادفعوا الرواتب بالدولار. كل يوم بنزين أغلى، غاز أغلى، وما في أي شي عم يتحسن”.
وقال آخر:
“سوريا أغلى من كل الدول المحيطة في سعر المحروقات، مع أن دخل المواطن من الأقل عالميا. إلى أين؟”.
فيما تداول آخرون مقارنات لأسعار المحروقات في دول عربية مثل العراق ومصر والأردن، والتي تظهر أن أسعار الوقود في سوريا باتت من الأعلى على مستوى الإقليم مقارنة بالدخل.
شتاء قاس في الأفق
يتزامن القرار الجديد مع اقتراب فصل الشتاء، ما يضاعف المخاوف من أزمة تدفئة شبيهة بالعام الماضي، حيث اضطرت آلاف الأسر إلى حرق الحطب والنايلون في غياب الوقود المدعوم.
ويخشى مراقبون من تكرار هذا السيناريو، خاصة بعد تقارير عن نقص في مخصصات المازوت المدعوم، وارتفاع سعره في السوق السوداء إلى أكثر من 25 ألف ليرة لليتر الواحد في بعض المناطق.
تبريرات رسمية غير مقنعة
الحكومة السورية الانتقالية بررت الزيادة بأنها “تتماشى مع سياسة التسعير المرنة” و”تعكس التكلفة الحقيقية لتأمين المشتقات النفطية”، لكنها لم تعلن عن أي إجراءات لحماية الشرائح الفقيرة أو التخفيف من تداعيات التضخم.
وتظهر بيانات البنك الدولي (آب/أغسطس 2025) أن سوريا تحتل المرتبة الثالثة عربيا من حيث ارتفاع أسعار الوقود مقارنة بالدخل، بعد لبنان واليمن، وهي من بين الدول الأكثر تكلفة في الحصول على الطاقة بالنسبة للفرد.
تضخم يهدد بالانفجار
تسببت الزيادة المتتالية في أسعار الطاقة خلال الأشهر الماضية بارتفاع متسارع في الأسعار، رغم تراجع معدل التضخم السنوي إلى 36.8% حتى فبراير 2025، نزولا من 120.6% في العام السابق.
لكن هذا الانخفاض لم ينعكس على الأسواق، إذ بقيت السلع الأساسية باهظة، فيما انعدمت قدرة الأسر على الادخار أو تحسين معيشتها.
الوعود النفطية لا تتحقق
كانت الحكومة تأمل في تخفيف أزمة الطاقة عبر استعادة جزء من حقول النفط في الشمال الشرقي، أو من خلال الدعم الخليجي الموعود، لكن هذه الخطط لا تزال حبرا على ورق، فيما تستمر الأسعار بالصعود.
في ظل هذا الواقع، يجد المواطن السوري نفسه أمام معادلة مستحيلة: أجور منخفضة، أسعار مرتفعة، وانعدام الأفق. ومع استمرار تجاهل المطالب الشعبية، تتسع الهوة بين الشارع والحكومة، في بلد يعيش 90% من سكانه تحت خط الفقر، وفق تقديرات الأمم المتحدة.










