في تحول مفاجئ وغير متوقع، أصبح رودريغو باز، السيناتور المغمور سابقا، الرئيس الجديد لبوليفيا، بعدما فاز في جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية التي جرت يوم الأحد، متغلبا على الرئيس الأسبق اليميني خورخي “توتو” كيروغا، ليعلن بداية فصل جديد في السياسة البوليفية التي هيمنت عليها لعقود شعارات اليسار وميراث حزب “الحركة نحو الاشتراكية”.
مفاجأة انتخابية
فوز باز، البالغ من العمر 58 عاما والمنتمي لتيار الوسط، شكل مفاجأة كبيرة في المشهد السياسي البوليفي، خصوصا أنه أول محافظ يتولى الرئاسة منذ أكثر من عقدين. جاء فوزه على خلفية أزمة اقتصادية خانقة تعاني منها البلاد، وشح حاد في الدولار ونقص في الوقود، ما دفع الناخبين للبحث عن وجوه جديدة وبرامج واقعية.
وبحسب وكالة “أسوشيتد برس”، فإن باز سيرث اقتصادا مثقلا بالعجز والديون، بعد سنوات من السياسات الشعبوية والدعم الحكومي المكثف التي انتهجها حزب “الحركة نحو الاشتراكية” بقيادة الرئيس السابق إيفو موراليس.
من هو رودريغو باز؟
رودريغو باز هو نجل الرئيس السابق خايمي باز زامورا (1989-1993)، ولد في إسبانيا، ونشأ في مدينة تاريخا البوليفية الغنية بالنفط. بدأ مسيرته السياسية في حزب والده اليساري، لكنه أعاد لاحقا تموضعه سياسيا كإصلاحي محافظ داعم لاقتصاد السوق.
شغل منصب عمدة مدينة تاريخا من عام 2015 إلى 2020، ثم أصبح سيناتورا في البرلمان البوليفي. وعلى الرغم من عدم شعبيته في مسقط رأسه، حيث خسر الانتخابات فيها، إلا أنه نجح في كسب دعم ستة من أصل تسعة أقاليم في البلاد.
من هامش الحملات إلى صدارة الاقتراع
حين انطلقت الحملة الانتخابية في أغسطس/آب الماضي، لم يكن باز ضمن المرشحين المؤهلين للمشاركة في المناظرات الكبرى. إلا أن حملته، التي اتسمت بالبساطة والتقشف، بدأت تلقى زخما بفضل خطابه الذي جمع بين الواقعية الاقتصادية والنبرة الشعبوية المعتدلة.
اعتمد باز على شعارات مثل “الرأسمالية للجميع”، ووعد ببرامج نقدية للفقراء لتخفيف أثر تقليص الدعم، مقابل تقليص الاستثمارات العامة وإلغاء الدعم على الوقود. وفي مقابل منافسه الثري كيروغا، ظهر باز بصورة السياسي القريب من الناس، مقدما نفسه كبديل متزن ومنفتح على الإصلاح.
علاقات دولية.. انفتاح على واشنطن
أبرز ما لفت الأنظار في توجهات الرئيس المنتخب هو زيارته إلى واشنطن بين جولتي الانتخابات، في محاولة واضحة لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، التي شهدت قطيعة منذ طرد موراليس للسفير الأمريكي عام 2008.
وخلال زيارته، ألقى باز كلمات في مراكز أبحاث أمريكية، وأكد أن “علاقات متوازنة مع واشنطن ضرورية لمستقبل بوليفيا”، في إشارة إلى استعداده لتجاوز مرحلة التحالفات الحصرية مع الصين وروسيا وفنزويلا.
في المقابل، رحب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بفوزه، قائلا إن “باز يمثل فرصة تحويلية لكلا البلدين”، ما يعكس مؤشرات أولية على تقارب محتمل في العلاقات الثنائية بعد سنوات من التوتر.
تحديات كبرى تنتظر الرئيس الجديد
رغم الفوز الساحق، لا يبدو أن الطريق أمام باز سيكون سهلا، فالإرث الاقتصادي المثقل، وانقسام الشارع، وتوقعات الفئات الفقيرة والمتوسطة التي دعمته، تشكل جميعها تحديات ضخمة ستختبر وعوده وقدرته على التوفيق بين الإصلاح والاستقرار الاجتماعي.
ومع بدء العد التنازلي لتنصيبه في 8 نوفمبر/تشرين الثاني، يترقب البوليفيون كيف سيتحول “السيناتور المغمور” إلى رجل دولة قادر على انتشال البلاد من أزمتها، وإعادة صياغة دور بوليفيا في محيطها الإقليمي والدولي.










