اتهم مسؤولون في المفوضية الأوروبية الولايات المتحدة بممارسة ضغوط وتهديدات مباشرة ضد دبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي خلال مفاوضات جرت الشهر الماضي في المنظمة البحرية الدولية (IMO) بالعاصمة البريطانية لندن، وذلك ضمن محادثات تهدف إلى فرض ضريبة على انبعاثات الكربون الناتجة عن الشحن البحري الدولي.
وقال ثمانية مبعوثين ومسؤولين أوروبيين لصحيفة بوليتيكو الأوروبية، إن مفاوضين من دول الاتحاد الأوروبي استدعوا إلى السفارة الأمريكية في لندن وتعرضوا لترهيب صريح، بما في ذلك تهديدات بوقف التعاون التجاري وحرمان أفراد عائلاتهم من التأشيرات الأمريكية في حال دعمهم مقترحات ضريبة الكربون.
ضغوط غير مسبوقة
قال أحد المسؤولين الأوروبيين المشاركين في المفاوضات إن “ما حدث غير مسبوق في تاريخ المحادثات الدولية”، مضيفا أن بعض الدبلوماسيين عادوا إلى بلدانهم في حالة من التوتر والقلق بعد تلك الاجتماعات.
وأكد مسؤول آخر في المفوضية أن المفوضية تلقت “ردود فعل مقلقة من عدد من المندوبين الأوروبيين بشأن مستوى الضغط الأمريكي”، مشيرا إلى أن الأسلوب المستخدم تجاوز الأعراف الدبلوماسية المعتادة.
عودة ترامب وتراجع المناخ
تأتي هذه التطورات في ظل عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة وسعي إدارته إلى تفكيك السياسات البيئية الدولية التي أنشئت في عهد الإدارات السابقة.
ووصف ترامب الجهود العالمية للحد من الانبعاثات بأنها “عملية احتيال”، وأبدى رفضه القاطع لفكرة فرض ضرائب على الانبعاثات البحرية، معتبرا أنها “عبء غير مبرر على شركات الشحن الأمريكية”.
خلافات داخل الاتحاد الأوروبي
ورغم الإجماع الأوروبي شبه الكامل على دعم ضريبة الكربون، إلا أن اليونان وقبرص – وهما من أبرز الدول البحرية في الاتحاد – صوتتا إلى جانب التأجيل.
ونفى رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن يكون قراره خاضعا للضغوط الأمريكية، مؤكدا في تصريحات لصحيفة بوليتيكو أن أثينا “اتخذت موقفها قبل التدخل الأمريكي بفترة طويلة”.
تصويت متقارب وتأجيل القرار
انتهت قمة المنظمة البحرية الدولية إلى تأجيل التصويت على فرض الضريبة لمدة عام كامل، وهو ما اعتبره مراقبون انتصارا دبلوماسيا كبيرا لإدارة ترامب.
وقالت مصادر إن الولايات المتحدة مارست ضغوطا مكثفة على أكثر من 20 دولة من إفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وآسيا، ملوحة برسوم جمركية وإجراءات عقابية في حال التصويت لصالح فرض الضريبة.
ردود غاضبة وانتقادات دولية
خلال المحادثات، أعرب وزير المناخ في فانواتو، رالف ريجينفانو، عن استيائه من “الضغوط اللاهوادة فيها” التي مارستها واشنطن على الدول الجزرية الصغيرة، مؤكدا أن ما حدث “يتنافى مع مبادئ التعاون الدولي”.
ووصف الأكاديمي كريستيان دي بيوكيلير من جامعة ملبورن، الذي حضر المفاوضات بصفة مراقب، التكتيكات الأمريكية بأنها “خلقت أجواء خوف وفوضى”، مضيفا أن ذلك “يقوض التعددية الدولية التي تأسست منذ الحرب العالمية الثانية”.
الموقف الأمريكي
رفض متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية التعليق على التقارير، واصفا ما جرى بأنه “محادثات دبلوماسية خاصة”.
لكن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو دافع في مقال بصحيفة وول ستريت جورنال عن التحرك الأمريكي، مؤكدا أن واشنطن “نجحت في إحباط مبادرات بيروقراطية غير مسؤولة تهدد مصالحنا الوطنية”، ومضيفا أن تحالفا جديدا تشكل لمواجهة أي مبادرات مناخية مشابهة مستقبلا.
تداعيات أوسع
يرى مراقبون أن هذا الحادث يمثل تصعيدا جديدا في الخلاف المتزايد بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حول سياسات المناخ والطاقة، وقد يفتح الباب أمام أزمة دبلوماسية داخل أروقة الأمم المتحدة بشأن مستقبل اتفاقيات الحد من الانبعاثات البحرية.
وتشير تحليلات أولية إلى أن تأجيل ضريبة الكربون قد يؤخر تنفيذ أهداف الحياد الكربوني في قطاع النقل البحري حتى عام 2035، ما يعد انتكاسة كبرى للجهود العالمية لمكافحة التغير المناخي.










