وكالات الأمم المتحدة تحذر من تفاقم المجاعة في السودان، خصوصًا في الفاشر وكادوقلي، وسط انهيار الخدمات الأساسية وتفشي الأمراض، داعيةً إلى وقف القتال وتأمين وصول المساعدات الإنسانية للحفاظ على حياة ملايين الأطفال والنازحين.
في تقرير مشترك صدر اليوم، حذّرت ثلاث وكالات تابعة للأمم المتحدة — منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وبرنامج الأغذية العالمي (WFP)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) — من أن المجاعة باتت واقعًا ملموسًا في مناطق واسعة من السودان، ولا سيّما في مدينتي الفاشر بكبرى ولايات دارفور الشمالية وكادوقلي في جنوب كردفان.
وقالت الوكالات إنّ تفاقم الأزمة الإنسانية يعود إلى استمرار القتال وانهيار الأنظمة الصحية والمائية والصرف الصحي، إضافة إلى القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية، داعيةً إلى وقف فوري للأعمال القتالية وتأمين ممرات إنسانية آمنة ودائمة قبل أن تتسع الكارثة.
ووفق أحدث تصنيف للأمن الغذائي المتكامل (IPC)، فإنّ 45٪ من سكان السودان — أي نحو 21.2 مليون شخص — يعانون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي. ورغم تحسنٍ طفيف منذ سبتمبر الماضي بفضل استقرار نسبي في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار، فإنّ المناطق المتضررة من القتال، المعزولة عن المساعدات أو المحاصرة، تشهد تدهورًا كارثيًا في الأوضاع.
وأوضح التقرير أن المجاعة الفعلية (المرحلة الخامسة في تصنيف IPC) أصبحت سارية في الفاشر وكادوقلي، بعد أن كانت المصنّفتان سابقًا في “مرحلة الطوارئ” (المرحلة الرابعة) عام 2024، مع تجاوز مؤشرات سوء التغذية الحاد ومعدلات الوفيات العتبات الحرجة. أما في مدينة دِلينغ المجاورة، فترجّح الأمم المتحدة وجود أوضاع مشابهة، لكن نقص البيانات يمنع التقييم الدقيق بسبب القيود الأمنية وغياب فرق الإغاثة.
وقال راين بولسن، مدير الطوارئ والقدرة على الصمود في الفاو:
“البذور والأدوات والماشية ضرورية لملايين المزارعين والرعاة السودانيين. استعادة الإنتاج المحلي للغذاء أمر حاسم لإنقاذ الأرواح وحماية سبل العيش”.
وفي السياق نفسه، أوضحت لوتشيا إلمي، مديرة عمليات الطوارئ في اليونيسف، أن “المزيج القاتل من الجوع والأمراض والنزوح يهدد حياة ملايين الأطفال، خصوصًا الفتيات اللواتي يواجهن مخاطر أكبر من سوء التغذية والعنف القائم على النوع وفقدان التعليم”، مؤكدة أن “المساعدات العلاجية والمياه الصالحة للشرب والخدمات الصحية يمكن أن تنقذ الأرواح، لكنها لا تصل إلى مستحقيها في الوقت المناسب بسبب الحصار”.
وأشار التقرير إلى أن تفشي الكوليرا والملاريا والحصبة يتصاعد في مناطق انهيار الخدمات الصحية والمياه والصرف الصحي، ما يزيد خطر الوفاة بين الأطفال المصابين بسوء التغذية.
من جانبه، شدّد روس سميث، مدير الطوارئ في برنامج الأغذية العالمي، على أن المنظمة تصل حاليًا إلى أكثر من 4 ملايين شخص شهريًا بالمساعدات الغذائية الحيوية، لكنه حذّر من أن الصراع لا يزال “هو العامل الحاسم في تحديد من يأكل ومن يجوع”. وأضاف:
“الكثير من المجتمعات تُدفع نحو المجاعة فقط لأننا لا نستطيع الوصول إليها. نحن بحاجة إلى تمويل إضافي وإلى وصول دائم وآمن الآن قبل أن تتوسع الكارثة”.
وأشار التقرير إلى أن المناطق الغربية من السودان، ولا سيما دارفور وكردفان، تشهد تدهورًا حادًا بسبب استمرار المعارك ومنع المساعدات، وأن خطر المجاعة مرجح في أكثر من 20 منطقة إضافية، بينها مخيمات للنازحين.
كما أوضحت الوكالات الثلاث أن التحسن المحدود في بعض المناطق لا يخفي الانهيار الاقتصادي العام وتدمير البنية التحتية الحيوية، وأن معظم الأسر العائدة إلى ولايتي الخرطوم والجزيرة فقدت كل شيء ولا تملك سوى القليل لتبدأ من جديد.
واختتمت وكالات الأمم المتحدة بيانها بالقول إنّ من دون وقف فوري للعنف وضمان وصول المساعدات وتمويلٍ كافٍ، فإن المجاعة ستواصل حصد الأرواح في السودان خلال الأشهر المقبلة.










