تقرير شامل ومفصل حول الممارسات الحديثة في الإخصاب بعد الوفاة في إسرائيل، يشمل كيف يتم استخراج السائل المنوي من الجنود القتلى، والأبعاد التاريخية والديموغرافية والسياسية المرتبطة بسياسات الدولة لتعزيز الإنجاب والحفاظ على الهوية اليهودية
البداية: مأساة فردية تتحول إلى ظاهرة
في 11 أكتوبر 2023، بعد أيام قليلة من هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر، ناشدت المخرجة الإسرائيلية شايلي أتاري الحكومة بسرعة استرجاع جثمان زوجها المخرج والممثل ياهاف وينر، الذي قتل على يد المسلحين، لاستخراج السائل المنوي منه ومن ثم تمكينها من «مواصلة تكوين الأسرة». وأضافت أن العديد من النساء الإسرائيليّات كن يحاولن القيام بنفس الإجراء مع أزواجهن أو أبنائهن المتوفين.
لم يتمكنوا من استرجاع الجثمان في الوقت المناسب، لكن بعد هذا الهجوم وبدء العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، أظهرت بيانات وزارة الصحة الإسرائيلية أن أكثر من 200 رجل، أغلبهم جنود شباب غير متزوجين، استُخرجت أجسادهم لأخذ السائل المنوي بهدف الإخصاب لاحقًا، بناءً على طلب ذويهم.
سياق تاريخي وقانوني
في إسرائيل، تُعتبر هذه الممارسة فريدة من نوعها، إذ ترتبط بشكل رئيسي بالأفراد العسكريين، وكانت نادرة قبل هجوم 7 أكتوبر 2023. تُعرف هذه العملية باسم التكاثر المساعد بعد الوفاة (PAR)، وتشمل أخذ الحيوانات المنوية أو البويضات أو الأجنة قبل أو بعد الموت مباشرة، وتجميدها عند درجة حرارة -196° مئوية في النيتروجين السائل لضمان بقائها حية.
تختلف القوانين حول العالم: بعض الدول تمنعها صراحة (فرنسا، ألمانيا، السويد)، بينما تشترط دول أخرى موافقة مسبقة مكتوبة للشخص المعني (كندا والمملكة المتحدة). أما في إسرائيل، فالقانون يسمح بالاستخراج بعد الوفاة حتى دون موافقة مسبقة، اعتمادًا على ما يُفترض عن رغبة المتوفى وفقًا لمقدم الطلب.
دوافع سياسية وديموغرافية
تشير الدراسات الحديثة للمحاضرتين مادالينا فرانغنيتو من جامعة روما تري وفيديريكا تيميتو من جامعة كا فوسكاري في البندقية إلى أن تعزيز وتشريع هذه الممارسة مرتبط بـ«الحفاظ على الجين الإسرائيلي» واستراتيجيات الدولة لتوسيع المجتمع اليهودي وضمان استمرار الدولة.
تمثل هذه الممارسات جزءًا من سياسات الخصوبة التي تتبناها إسرائيل منذ خمسين عامًا، بدءًا من تشجيع الهجرة اليهودية وحتى دعم الأسرة داخل الدولة، وهي ليست مجرد قلق بشأن الشيخوخة الديموغرافية، إذ أن معدل الخصوبة في إسرائيل الأعلى بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
القواعد العملية لـ PAR في إسرائيل
يتطلب استخراج السائل المنوي من الجثث عادة إجراء عملية أخذ عينة من الخصية خلال 24–48 ساعة من الوفاة لضمان نجاح العملية.
تاريخيًا، كانت القوانين الإسرائيلية تسمح فقط للزوجة أو الشريكة المعتادة بالطلب، فيما كان استثناء الوالدين قليلًا ويتم عبر المحكمة. بعد هجوم 7 أكتوبر، قامت وزارة الصحة بتعديل الإجراءات لتسهيل الوصول لهذه الخدمة مباشرة عبر وحدة مشتركة بين الجيش الإسرائيلي والمستشفيات.
البعد الديني والثقافي
السياسات الديموغرافية في إسرائيل مرتبطة بالأساس بالهوية اليهودية، مستندة إلى مبررات دينية وثقافية وتاريخية. يُنظر إلى الإنجاب على أنه واجب وطني للحفاظ على الشعب والدولة، خاصة بعد المحرقة العالمية والتهديدات التاريخية للشعب اليهودي.
تم التأكيد على أهمية الحمل لدى النساء اليهوديات في برامج حكومية منذ تأسيس الدولة، مثل مبادرة «الأمهات البطلات» عام 1949، حيث كانت تُكافأ النساء اللواتي أنجبن عشرة أطفال على تعزيز العدد السكاني اليهودي.
التداخل مع الجيش والتقنيات الحديثة
أظهرت الدراسات أن الجنود الإسرائيليين يُنظر إليهم على أنهم تجسيد للذكورة الوطنية، وأن الأبوة بعد الموت تُعتبر تكريمًا لهم وضمانًا لاستمرار إرثهم. بعض الحملات الدعائية لبنوك السائل المنوي تضمنت صورًا رمزية، مثل حيوان منوي يرتدي خوذة عسكرية، مما يعكس العلاقة بين الجيش والخصوبة.
وفي الحالات التي لا يوجد فيها شريك للجنود المتوفين، تبحث العائلات عن متطوعات لتحمل الحمل، وقد كانت الاستجابة كبيرة بشكل غير متوقع من قبل المتقدمات، مما يعكس مدى قبول المجتمع لهذه الممارسة.
توضح هذه السياسات أن التكاثر المساعد بعد الوفاة في إسرائيل ليس مجرد مسألة طبية، بل أداة ديموغرافية وسياسية وثقافية تهدف إلى الحفاظ على الأغلبية اليهودية، مع تعزيز الروابط بين الجيش والدولة، وضمان استمرار القيم والتقاليد اليهودية، وحتى استمرارية المجتمع العسكري كجزء من الهوية الوطنية.
تحوّلت سياسات الإخصاب بعد الوفاة في إسرائيل من حق شخصي إلى أداة سياسية، تستغل أجساد الجنود لتعزيز الهوية اليهودية والسيطرة الديموغرافية، مثيرة تساؤلات أخلاقية حول حرية الأفراد والموت كوسيلة للسياسة.







