“لا يوجد أحد في جنوب أفريقيا يؤيد الحرب في أوكرانيا، لكن قواعد القانون الدولي لا تطبّق بالتساوي. يجب أن نهتم بالقدر ذاته بما يحدث لشعب فلسطين، كما هو الحال مع ما يحدث لشعب أوكرانيا. الشعب الفلسطيني يستحق أرضه وحريته بقدر ما يستحق الأوكرانيون ذلك”. بهذه العبارات الواضحة في مضمونها السياسي اختارت وزيرة العلاقات الدولية والتعاون (الاسم الرسمي لوزارة الخارجية في جنوب أفريقيا) ناليدي باندور، أن ترد على وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال مؤتمر صحافي مشترك عقداه في جوهانسبورغ أمس الاثنين، بعدما تحدث بلينكن عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
واعتبر أنه “إذا سُمح لروسيا بأن تستأسد على أوكرانيا، بأن تغزوها وتستولي على أراضيها دون اعتراض، فإن الأمر سيعني عندئذ “فتح المجال للاستئساد في كل مكان”.
الانحياز للقضية الفلسطينية
موقف باندور يشكل انعاسكاً للموقف الرسمي لجنوب أفريقيا القائم منذ عقود والذي يكرس تمايزها عن العديد من الدول في الدفاع والانحياز للقضية الفلسطينية، مدفوعة بتاريخها في مواجهة نظام “الفصل العنصري” (1948 ـ 1991). لكن هذا الموقف لا يمكن فصله عن خلفية الدبلوماسية الجنوب أفريقية المعروفة بكونها تنحدر من عائلة نشطة يسارياً وضد الفصل العنصري.
وسبق أن دعت باندور، التي تسلمت وزارة الخارجية في 2019، في يونيو/حزيران الماضي، المجتمع الدولي إلى التحرك لوضع حد للمظالم المستمرة التي يواجهها الفلسطينيون، ومساءلة إسرائيل عن الظروف غير الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ 73 عاماً. وجاء ذلك في اجتماع نظمته لجنة الأمم المتحدة، المعنية بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، والمنعقدة عبر دائرة تلفزيونية بشأن تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في فبراير/شباط الماضي، تحت عنوان “الفصل العنصري الإسرائيلي ضد الفلسطينيين: نظام الهيمنة الوحشي والجريمة ضد الإنسانية”.
ونقلت وكالة “الأناضول” عن باندور في حينها قولها: “كجنوب أفريقيين، نجد شبهاً في ماضينا مع الفلسطينيين، وإنني الآن أتذكر جنازة شيرين أبو عاقلة وما حدث لنعشها. إنه يذكرني بالمدافن التي كان علينا إقامتها في ظل اضطهاد جنود الفصل العنصري”.
وأكدت أنه “بصفتنا نمثل المجتمع الدولي، يجب علينا العمل على إيقاف هذه المظالم المستمرة التي يواجهها الفلسطينيون في ظل الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وضمان مساءلة إسرائيل عن المعاناة والظروف غير الإنسانية التي يتعرضون لها منذ 73 عاماً”.
وفي يوليو/تموز الماضي شدّدت باندور على ضرورة الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي كنظام فصل عنصري وتشكيل لجنة في الأمم المتحدة بهذا الشأن.
ونقلت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية عنها، تأكيدها أن “الرواية الفلسطينية تستحضر تجارب تاريخ جنوب أفريقيا نفسها من الفصل العنصري والقمع”. وقالت باندور: كم عدد التقارير الإضافية التي نحتاجها والتي تدعو إسرائيل لوقف معاملتها غير العادلة للفلسطينيين، وتشير إلى أنها تنفذ الفصل العنصري؟
ورفضت في فبراير/شباط الماضي، حصول إسرائيل على صفة مراقب بالاتحاد الأفريقي، عازية معارضتها إلى أن “إسرائيل ما زالت تحتل أراضي فلسطينية”.
وفي 22 فبراير الماضي، أفاد “راديو هافانا كوبا”، بأن باندور اعتبرت أن على “حكومة جنوب أفريقيا أن تقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل نظراً لعدم وجود مبادرات حقيقية من جانب إسرائيل لضمان سلام دائم”، مشدّدة على أن “يشمل الحرية الكاملة والديمقراطية للشعب الفلسطيني”.
وعاشت باندور ضمن عائلة عرفت بتاريخها النضالي ضد نظام الفصل العنصري. ووالد باندور، جو ماثيوز، انتسب منذ صغره إلى شبيبة حزب “المؤتمر الوطني الأفريقي”، وارتقى في سلم الهيكلية الحزبية، بموازاة دراسته.
وذكر موقع “أومالي” المتخصص بأنشطة النضال ضد الفصل العنصري، أن ماثيوز تخصص باللغة الإنكليزية والتاريخ، وكان على اتصال مع كل من الرئيس الراحل نيلسون مانديلا، والزعيم مانغوسوثو بوثيليزي، الذي وقّع في عام 1974 “إعلان ماهلاباتيني” مع الزعيم الأبيض هاري شفارتز، في أول علاقة من نوعها بين الأكثرية السوداء والأقلية البيضاء.
وفي عام 1957 انضم ماثيوز إلى الحزب الشيوعي الجنوب أفريقي، قبل الانسحاب منه في عام 1970. بعدها فرّ إلى ليسوتو، وهي دولة تطوقها جنوب أفريقيا بالكامل. ثم انتقل إلى بريطانيا متابعاً دراسته. وبعدها عمل في مواقع رسمية في دولة بوتسوانا. وبعد انهيار نظام الفصل العنصري عاد إلى جنوب أفريقيا، وانتُخب نائباً بين عامي 1994 و1999.
وفي خضمّ عمل والدها، تلقت باندور دراستها الابتدائية والثانوية هناك، ثم نالت شهادات من جامعات بوتسوانا وسوازيلاند (إيسواتيني)، ولندن، ستيلينبوش وبريتوريا ومعهد كينيدي. وبعد سقوط الفصل العنصري، شغلت منصب نائبة رئيس صندوق التعليم العالي في جنوب أفريقيا، بين عامي 1992 و1995، ثم نائبة رئيس مجلس أمناء التعليم بين عامي 1993 و2001.
باندور في مناصب الدولة
وفي عام 1994 انتُخبت نائبة في البرلمان. وفي عام 2004 باتت وزيرة للتربية، وعملت على إصلاح النظام التعليمي. وفي عام 2009، باتت وزيرة للعلوم والتكنولوجيا.
وأصبحت وزيرة للشؤون الداخلية في عام 2012، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2013، أصبحت رئيسة مؤقتة ليوم واحد لجنوب أفريقيا، بسبب زيارة خارجية للرئيس جايكوب زوما.
وعملت بين عامي 2018 و2019 وزيرة للتعليم العالي، قبل تعيينها وزيرة للعلاقات الدولية والتعاون. وتكريماً لها، منحها السفير الألماني في جنوب أفريقيا فالتر ليندنر وسام “صليب الاستحقاق العظيم”، وهو أرفع الأوسمة الألمانية، واصفاً باندور بأنها “رمز لجنوب أفريقيا الجديدة، الحديثة، المبتكرة، المكرسة للتقدم العلمي وأيضاً قيادية نسائية بارزة”، حسبما نقل عنه موقع “وزارة العلاقات الدولية والتعاون” في جنوب أفريقيا.
( العربي الجديد )