جاء إعلان الحكومة المصرية عن نيّتها السماح باستيراد السيارات للمصريين المغتربين مع إعفائهم من الجمارك والضرائب شريطة إيداعهم وديعة دولارية بقيمتها، ليثير ضجة كبيرة، وسط تفاؤل كثير للاقتصاديين بالبلاد بأنه سيساهم في حل أزمة نقص الدولار، وكذلك دفع أسعار السيارات للتراجع، فيما تشكك البعض في جدواه وتخوّف آخرون من أن يتحول لباب خلفي لاستنزاف رصيد البلاد المتناقص من العملة الأجنبية.
وجاء السماح باستيراد السيارات على ما يبدو استجابة لدعوات بعض المصريين في الخارج وعدد من المؤثرين العاملين في مجال صحافة السيارات على الإنترنت، بعد أن شهدت البلاد أزمة غير مسبوقة في السيارات التي أدت لوصول أسعارها لأكثر من الضعف في بعض الأحوال نتيجة الوقف الفعلي لاستيراد السيارات في إطار محاولات الدولة لتقليل نزيف الدولار؛ حيث يقال إن استيراد السيارات يكلف الدولة نحو 4 مليارات دولار.
والقرار هو مشروع قانون مقدم من مجلس الوزراء، وبالتالي في انتظار تصديق مجلس النواب المصري ليصبح قانوناً ثم تصدر لائحته التنفيذية ومن ثم تفعيله.
ويتضمن القرار إعفاء كاملاً للمصريين في الخارج من كافة الرسوم والضرائب بما فيها ضريبة القيمة المضافة ورسم التنمية والضريبة الجمركية، إذا استوردوا سياراتهم خلال أربعة أشهر من صدور القرار، مع إيداع قيمة هذه الضرائب والرسوم بالدولار في حساب ستحدده الحكومة لمدة خمس سنوات يستردها بعدها صاحب السيارة.
وقبل صدور القرار، كانت شرائح الجمارك والضرائب تتنوع في مصر حسب سعة محرك السيارة وبلد المنشأ، علماً بأن مصر تربطها اتفاقات مع الاتحاد الأوروبي وتركيا وبعض الدول العربية مثل المغرب، تعفي السيارات من الجمارك وتفرض ضرائب قيمة مضافة ورسوماً فقط.
أما بالنسبة للسيارات الواردة من باقي دول العالم (أغلبها آسيوية)، فالشريحة الأكبر المستوردة تكون سعة محركاتها أقل من 1.6 لتر، حيث تُفرض عليها ضريبة جمركية مقدارها ٤٠%، وضريبة قيمة مضافة ١٥% ورسم تنمية من 3 إلى ٥%، وتزيد النسب بشكل كبير للسيارات ذات السعة اللترية من 1.6 إلى 2 لتر، ثم بشكل أكبر للسيارات الأعلى من 2 لتر.
وفقاً للقرار الجديد، فإنه سيتم منح استثناء للمصريين المقيمين في الخارج؛ بحيث يتم إعفاؤهم من قيمة كافة الجمارك والضرائب والرسوم على أن يتم إيداع قيمة هذه المبالغ المعفاة بالجنيه المصري في حساب تابع للدولة، على أن يسترد المودع (صاحب السيارة) هذا المبلغ بعد خمس سنوات بالجنيه المصري، ولكن بما يعادل قيمته بالسعر الرسمي للدولار وقت الاسترداد.
والهدف من القرار تشجيع المصريين في الخارج على إيداع هذه الأموال بالدولار، لدى الحكومة المصرية بما يزيد من حصيلتها الدولارية.
ويشترط القرار على المواطن الذي سيجلب سيارة من الخارج، أن تكون لديه إقامة سارية في الخارج منذ ٣ شهور على الأقل، وأن يكون لديه حساب مصرفي ببلد الإقامة يتم التحويل منه للحساب الحكومي الذي سيتم فيه إيداع المبلغ.
سيبقى المبلغ لدى الحكومة لمدة ٥ سنوات دون أن ينال المودع عائداً، علماً بأن المصارف المصرية تحدد فائدة على بعض الودائع بالدولار نحو 5%، أي أن صاحب السيارة لو أودع المبلغ في المصارف لحقق عائداً إضافياً في المتوسط خلال نفس الفترة نحو 25% من المبلغ، (علماً بأن معدلات الفائدة على الدولار قد تنخفض إذا تحسن الوضع الاقتصادي).
رئيس الوزراء المصري الدكتور مصطفى مدبولي/رويترز
فلو أن المصري الذي سيجلب سيارة من الخارج دفع مبلغ 20 ألف دولار كوديعة معادلة لقيمة الجمارك والضرائب على سياراته، فإنه في هذه الحالة سيخسر قيمة الفوائد المحتملة على المبلغ التي تقدر بـ5 آلاف دولار، كمتوسط، ولكن في النهاية سيربح مبلغ الـ20 ألف دولار الذي كان سيدفعه لو استورد السيارة قبل القرار، وبالتالي الربح الصافي 15 ألف دولار.
القرار سمح لمن هم أكبر من 16 عاماً بالاستفادة منه، واستثنى الأبناء والأزواج والزوجات من شرط أن يكون لديهم حساب مصرفي الخارج، في مؤشر على أنهم يمكنهم التحويل من حساب فرد آخر في الأسرة لديه حساب خارجي، وقد يكون ذلك مؤشراً على إمكانية أن يسمح للأسرة باستقدام أكثر من سيارة.
ويستثني القرار المصريين من الخارج من الشرط السابق في قوانين استيراد السيارات بأن يكون صاحب السيارة المستوردة هو المالك الأول لها شريطة أن يكون عمرها ٣ سنوات بحد أقصى من سنة الإنتاج.
ويمثل ذلك واحداً من أهم المميزات في القرار؛ لأن مصر كان ممنوعاً فيها استيراد السيارات المستعملة، ولكن هذا القرار يفتح الباب لذلك؛ حيث يمكن للمصري المقيم بالخارج أن يشتري سيارة مستعملة من دولة خليجية أو أوروبية ونقلها لمصر.
وتأتي أهمية هذا البند أن من أسعار السيارات المستعملة في الخارج أدنى مقارنة بأسعارها عند شرائها جديدة بمعدل أعلى بكثير من مصر لأن السيارات المستعملة تحافظ على قيمتها في مصر بمعدل أعلى كثيراً مما يحدث الخارج؛ نظراً لأن المصريين يميلون لاعتبار السيارة مخزوناً للقيمة ووسيلة للادخار؛ مثل الذهب والأرض، وليست سلعة استهلاكية، تنخفض قيمتها بالإهلاك.
فلو افترضنا أن سعر السيارة المستعملة لمدة ثلاث سنوات ينخفض عن سعرها وهي جديدة بمعدل 50% في دول الخليج أو أوروبا، فإنها تنخفض في مصر بمعدل قد يكون 20% فقط، أي لو أن سيارة ثمنها 50 ألف دولار في الخليج وهي جديدة يصبح 25 ألف دولار بعد عامين أو ثلاثة، فإن نفس السيارة في مصر لو سعرها وهي جديدة 75 ألف دولار، ينخفض ثمنها إلى 60 ألف دولار خلال نفس الفترة.
وقد يسمح هذا بفيض من السيارات المستعملة الواردة من دول الخليج أو الدول الأوروبية التي تباع فيها السيارات بسعر أرخص كثيراً من مصر.
لماذا أعطت الحكومة مهلة أربعة أشهر فقط لتنفيذ القرار؟
القرار، حسبما أكد وزير المالية المصري محمد معيط لوكالة بلومبيرغ الأمريكية، سيكون متاحاً للتنفيذ فقط لمدة أربعة أشهر من صدوره الرسمي، وهو مؤشر على أن الحكومة متعجلة لجذب دولارات المصريين بالخارج، لحل الأزمة الحالية.
ولكن قد يكون سبب طرح هذه المهلة أيضاً حثّ المقيمين بالخارج على سرعة التنفيذ؛ لأن ترك القرار دون مهلة، قد يجعل هناك تمهلاً من العديد من المصريين، الذين قد يفضلون التريث انتظاراً لتبين أوضاع البلاد الاقتصادية وكذلك لتحسن أوضاعهم الشخصية، ولكن هناك مؤشرات على أن الحكومة قد تمد مهلة تنفيذ القرار، إذا حقق لها الفوائد المرجوة.
وبينما أعطى القرار مهلة لمدة 4 أشهر للتنفيذ، (في الأغلب يقصد بالتنفيذ إيداع الوديعة المالية)، فإنه أعطى مهلة أطول لعملية استيراد السيارة نفسها خلال سنة من الموافقة الاستيرادية، في مؤشر على تعجل الحكومة على جذب الأموال، مع منح المصري المقيم في الخارج فرصة للاحتفاظ بالسيارة لاستعماله الشخصي حتى الصيف القادم؛ حيث يمكن أن يأتي بها خلال إجازته الصيفية (بالنسبة للمصريين في الخليج).
هل يطبق القرار على المصريين في أوروبا وتركيا، والذين قد يدفعون مبالغ أقل؟
لم يوضح القرار الموقف بالنسبة للمصريين في دول الاتحاد الأوروبي وتركيا وبريطانيا، وهي الدول التي تربطها بمصر اتفاقات للإعفاء الجمركي؛ حيث تعفى السيارات الواردة من هذه الدول أصلاً من الجمارك، وأغلبها سيارات سعة محركاتها أقل من 1.6 لتر، بل يفرض عليها فقط ضريبة قيمة مضافة بنحو 14 أو 15% ورسم تنمية موارد 3% (ترتفع نسب الضرائب والرسوم في السيارات ذات السعة الأكبر).
ويفترض أنه لكي تحترم مصر اتفاقياتها مع هذه الدول، فإن المصري المقيم بهذه الدول إذا طبق عليه القرار، فلن يودع سوى مبلغ الضرائب والرسوم التي لا تزيد على 18% في حال السيارات 1.6 لتر فأقل، وهذا قد يفتح الباب لاستيراد السيارات من أوروبا بسعر تنافسي، خاصة في ظل إغلاق شبه تام لاستيراد السيارات، كما أنه قد يعني استيراد السيارات المستعملة من هذه الدول والتي تكون أقل كثيراً من أسعارها في مصر كما سبق الإشارة.
على الجانب الآخر، وفي ظل ارتفاع السيارات بشكل هائل في مصر التي وصلت لضعف أسعارها قبل أزمة الدولار، وذلك بسبب الوقف الفعلي للاستيراد، فإن القرار الأخير، يتيح للمصريين إدخال سيارة بسعر قد يكون أقل بنسب كبيرة قد تصل لـ20% أو أكثر من سعر السيارات السائد في مصر، وبالتالي يوفر الأموال التي قد يخصصها لشراء سيارة من السوق المحلي أو يبيعها ويستفيد من الفرق، مع حق استرداد الوديعة التي ستحافظ على قيمتها بالدولار.
فقبل الأزمة الحالية، كان سعر السيارة الجديدة في دول الخليج أقل من مصر بنحو الثلث أو أكثر، ولكن اليوم مع تضاعف أسعار السيارات في مصر في المتوسط، يعني ذلك أن سعر السيارات في المتوسط في دول الخليج أقل من نصف السعر في مصر، وحتى بعد دفع الوديعة المشار إليها فإن ذلك سيعني أن السيارات ستصل مصر بتكلفة أقل من سعر السوق، مع ملاحظة أن الوديعة سيتم استردادها.
سعر الفئة الأولى من هذه السيارة بالسعودية نحو 75 ألف ريال أي نحو 375 ألف جنيه (حسب السعر الرسمي الذي يبلغ نحو 5.25 جنيه لكل ريال) ونحو 433 ألف جنيه بسعر الريال في السوق الموازية (نحو 5.75)، وسيتم الاحتساب بالسعر الأخير لأنه الأقرب للواقعية.
ففي حال استيرادها بالنظام الجديد من السعودية، سوف يدفع المغترب المصري نحو 58% من قيمتها كوديعة بالدولار والتي ستعادل بالمصري نحو 252 ألف جنيه، (يمكن افتراض أنها ستصل لـ260 ألف جنيه بالمصاريف النثرية)، إضافة لنحو 30 أو 40 ألف جنيه للشحن قد تزيد أو تقل، (تكلفة الشحن من أوروبا نحو 40 ألف جنيه في المتوسط) أي أن السيارة سوف تكلف صاحبها شحناً ووديعة جمارك وضرائب نحو 300 ألف (من بينها نحو 250 ألفاً سوف تُسترد بعد خمس سنوات).
أي سيبلغ مجمل تكلفة السيارة، نحو 733 ألفاً، نفس الفئة من السيارة في مصر سوف تكون أغلى من هذا السعر، وقد تصل لـ800 ألف جنيه أو أكثر (لأن أقل فئة في السعودية تعتبر متوسطة في مصر)، علماً بأنه لا يوجد سعر رسمي واقعي للسيارات في مصر بسبب ندرة المعروض.
يعني ذلك أن صاحب السيارة سوف يحقق وفراً بنحو 50 ألف جنيه، إضافة لأنه سيسترد وديعته بعد خمس سنوات، والتي لن يخسر من قيمتها نظرياً إلا الربع (خسارة افتراضية في حال كان الخيار البديل له إيداع الأموال في حساب مصرفي في مصر يحقق عوائد 5% للدولار سنوياً)، وهي نسبة فوائد أعلى من المعدلات العالمية.
وبالتطبيق على المثال السابق، فسيحقق مكسب فوري نحو 50 ألف جنيه، والوديعة سيسترد منها بعد خمس سنوات سيحقق منها نحو 200 ألف جنيه بعد حساب خسارة الفوائد المحتملة، أي إجمالي نحو 250 ألف جنيه، وقد تزيد المكاسب إذا حسبت بالجنيه المصري، إذا تراجع سعر الجنيه أمام الدولار، وهو خيار مرجح جداً، هذا المكسب تحقق من خلال استثمار مبلغ إجمالي قدره نحو 733 ألف جنيه، مع استهلاكه للسيارة التي يظل قادراً بعد الخمس سنوات على بيعها بسعر أعلى كثيراً من سعرها إعادة بيعها في السعودية.
وفي الأغلب سوف تزيد المكاسب بشكل كبير في حال لو أن السيارة مستعملة، لأنها أرخص في السعودية كثيراً. حث يصل سعر السيارة تويوتا كورولا المستعملة لمدة عامين في السعودية لما يقرب من نصف ثمن وهي جديدة أي حوالي 40 ألف ريال (نحو 230 ألف جنيه).
كما تزداد المكاسب في حالات السيارات الجديدة الأغلى ثمناً؛ لأن نسبة تكلفة الشحن سوف تتراجع لإجمالي تكلفة السيارة.
القرار من مميزاته أنه يؤكد على رد الوديعة بعد خمس سنوات بقيمة العملة الأجنبية المودع بها؛ مما يحافظ على قيمة مدخرات المصريين في الخارج في ظل مخاوفهم من تدهور الجنيه، وحتى لو أن القرار يتضمن أنهم سيستردون الوديعة بالجنيه المصري.
وقد يكون هناك فرق كبير بين القيمة الفعلية للدولار والقيمة الرسمية في ذلك التوقيت، ولكن في كل الأحوال فإن خمس سنوات فترة طويلة جداً لتوقع حال الجنيه المصري والفرق بين سعر الدولار الرسمي وسعره في السوق الموازية.
إحدى إيجابيات القرار، أنه يوفر هدراً لثروة المصريين في الخارج، لأن المقيم في الخارج عادة عندما يشتري سيارة في المهجر، فإنه يخسر فيها كثيراً عند عملية إعادة البيع، لأن نسب تراجع أسعار السيارات في الخارج أعلى بكثير من مصر، وكثيراً ما تتم عملية البيع والمصري المقيم في الخارج متعجل للمغادرة والعودة لبلده، كما تزداد الخسارة إذا كان المصري قد اشترى السيارة جديدة ويبيعها مستعملة.
عيوب القرار المحتملة:
على الجانب الآخر، فإن القرار سوف يفتح الباب للتجار لمحاولة الاتفاق مع المصريين في الخارج، بحيث يستورد التاجر سيارة باسم المصري المقيم بالخارج، على أنه يقدم له مقابلاً مادياً، بينما فعلياً التاجر هو الذي اشترى السيارة بدولارات من السوق الداخلي المصري وليس قادمة من الخارج؛ مما يمثل ضغطاً على الدولار في السوق الموازية (السوق السوداء).
لم يوضح القرار، هل ستكون هناك قيود على بيع السيارة أو السماح للغير بقياداتها أو إداراتها عبر توكيل للغير لسيارة (شكل غير رسمي للبيع شائع جداً في مصر)، كما قد تشترط الحكومة بأنه لن يسمح بقيادتها إلا للمالك الأول أو أسرته فقط، لضمان عدم بيعها بعقود غير مسجلة كما يحدث كثيراً في مصر، وهي قيود من شأنها وضع عراقيل أمام التجار للاستفادة من القرار، كما أن من شأنها أن تمنع كثيراً من المصريين في الخارج من استقدام سيارة، قد لا يستطيع بيعها إن أراد.
إضافة لذلك فإن توقيت صدور القرار غير مناسب لإجازات المصريين في الخارج، فهو في بداية الخريف، بينما أغلب المصريين يأتون لمصر في منتصف الصيف ويغادرون مع نهايته، وفي تلك الفترة يكون لديهم حافز أكبر لاستقدام سيارة لبلادهم لقضاء الصيف بها.
كما أنه لو اتخذ في بداية الصيف، لكان قد مكَّن المصريين المقيمين في الخليج خاصة السعودية من جلب سياراتهم لمصر عبر قيادتها بأنفسهم عبر الطريق البري وبالتالي توفير تكاليف الشحن البحري.
كما أن توقيت القرار في خضم أزمة مالية حادة ووجود فروق بين سعر الدولار الرسمي والواقعي في السوق الموازية والتوقعات بارتفاعه أمام الجنيه، مثير للقلق للمصريين في الخارج؛ حيث قد يشعر بعضهم أن الحكومة قد تستغلهم عبر اقتناص دولاراتهم الثمينة، كما أن قلة منهم قد يصل بها الأمر إلى القلق من عدم التزام الحكومة بسداد المبالغ المودعة في التوقيت المحدد، رغم أنه تاريخياً، الحكومة المصرية نادراً ما أخلّت بالتزاماتها المالية المحددة داخلياً أو خارجياً.
كما أنه لا يُعرف ما هي طبيعية الإجراءات البيروقراطية لتنفيذ القرار، والتي سيكون لديها دور كبير في مدى تقبّل المصريين له؛ لأن تعقيد الإجراءات لا سيما لو تطلبت من المصري المقيم بالخارج القدوم لمصر من شأنها تقليل حماس المصريين له.
ومن المهم أن تكون هناك شركات خاصة أو وسطاء يساعدون المصريين على تنفيذ القرار؛ لأن تاريخ البيروقراطية المصرية غير مشجع للمقيمين بالخارج، وقد تمثل تعقيداتها عبئاً على شخص غير محترف لا تسمح طبيعته ولا ظروف إقامته بالتعامل مع دهاليزها المعقدة.
هل تكون السيارات بديلاً للعقارات؟
القرار يبدو أنه محاولة لجذب مدخرات العاملين في الخارج، في ظل مؤشرات على تراجع تدفقها على العقارات التي كانت دوماً أكثر القطاعات جذباً لمدخرات المغتربين المصريين، ولكنها تشهد ركوداً لافتاً، في الوقت الحالي، رغم أنها في أزمات الدولار السابقة كانت تشهداً رواجا وارتفاعاً.
ولكن هناك مؤشرات على أن المصريين في الخارج لم يعودوا يقبلون على شراء العقارات بنفس الحماس، سواء لأن كثيراً منهم قد اشترى بالفعل أو لأن عدم صعود أسعارها بالتزامن مع تراجع الجنيه يعني أن تحويل المقيم بالخارج لأمواله من الدولار للجنيه لشراء عقار، قد أصبح يمثل خسارة له.
إحدى مشكلات القرار، أن الشريحة التي ستستفيد منه (بطريقة لا تضر الدولة في الوقت ذاته) ليست كبيرة، كما يشاع.
فالشريحة التي تحتاج هذا القرار هي الطبقة الوسطى من المصريين بدول الخليج، (وبالأخص الفئات الأكثر يُسراً فيها)؛ لأن الفئات الأفقر من المصريين في الخليج ليس لديها مدخرات كافية على الأغلب لشراء سيارات وإرسالها لمصر، وكثيراً منها ثقافته لا تهتم بالسيارة، وتفضل تحويل مدخراتها للعقار أو الأرض الزراعية (التي تشهد بدورها ركوداً).
أما المصريون المقيمون في أوروبا، فبالإضافة، إلى أن نسبة كبيرة منهم من العمال البسطاء (خاصة المقيمين في إيطاليا وفرنسا)، فإن الطبقة الوسطى المصرية التي تكاثرت أعدادها في أوروبا في السنوات الماضية (خاصة ألمانيا التي استقبلت عدداً كبيراً من المهندسين والمبرمجين والأطباء المصريين منذ 30 يونيو/حزيران 2013)، في الأغلب ليست مهتمة بامتلاك سيارات في مصر؛ لأن هدفها من الهجرة هو البقاء في المهجر، وتكتفي بالعودة لشهر أو شهرين في العام، ويرتبط ذلك غالباً بوجود الوالدين، وستنتهي هذه الزيارات على الأرجح برحيل جيل الآباء.
كما أن المصريين بأوروبا غير مهتمين بإعادة أبنائهم للتعليم في مصر خلال المرحلة الجامعية، عكس الطبقة الوسطى المصرية بالخليج، التي مهما بقيت في الغربة ستضطر لإعادة أبنائها للتعليم الجامعي في مصر سواء لأنه أفضل أو لارتفاع تكلفة التعليم الجامعي بالخليج.
قد يفقد القرار كثيراً من منافعه المالية بالنسبة للمصريين في الخارج، بل يتحول لسبب للخسارة، إذا تم رفع قيود استيراد السيارات في مصر؛ لأنه فعلياً مصر كانت تستورد السيارات بأسعار مماثلة لمعظم دول أوروبا قبل الأزمة، وحتى لو تم تعويم الجنيه وارتفع الدولار لـ25 أو 27 جنيهاً، ولكن سمح باستيراد السيارات بالطريقة السابقة، فستنخفض أسعار السيارات في مصر عن أسعارها الفلكية الحالية.
والسبب أن أسعار السيارات في مصر، حالياً مقومة بسعر يتراوح ما بين 30 إلى 40 جنيهاً للدولار، رغم أن السعر الرسمي للدولار 19.5 وسعر السوق الموازية 22.5، فالسيارة التي كان سعرها نحو 365 ألف جنيه في بداية 2022 أي قبل الأزمة عندما كان سعر الدولار 15.65، يصل سعرها الفعلي الآن إلى أكثر من 700 ألف جنيه، وقد تصل لـ800 ألف، حسبما قال تجار بالسوق المصري لـ”عربي بوست”.
قد يمثل القرار إغراء خاصاً للمصريين المقيمين في أوروبا، إذا سمح باستيراد السيارات مع دفع وديعة عن ضريبة المبيعات والرسوم فقط، (نحو 18% حالياً)، خاصة إذا جلبوا سيارات مستعملة من الأسواق الأوروبية لمصر.
ولكن في الأغلب؛ نظراً لطبيعة المصريين في أوروبا الأميل للاستقرار في المهجر، فإنهم لن يستفيدوا كثيراً من القرار.
في الأغلب سيحمل القرار تأثيرات متفاوتة على الدولار، فقد يؤدي لتدفق بعض المدخرات الدولارية للمصريين بالخارج على البلاد، (ولكن ليس بالشكل الذي يتوقعه بعض المتفائلين)، من ناحية أخرى قد يؤدي سعى التجار المحليين للاستفادة من القرار لضغط على الجنيه المصري في السوق الموازية، وفي النهاية، سيكون تأثيره على في حل أزمة الدولار على الأرجح إيجابياً في المجمل، ولكن إذا جاء ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية أوسع ومساعدة دولية وعربية فعالة.
لكن أموال سيارات المصريين في الخارج ليس كافية وحدها لإنقاذ الجنيه.