فؤاد البطاينة
المقاومة لتحرير الأوطان ودرتها فلسطين، ليس أمراً جدليا للشعوب العربية في أقطارها ولا لأصحاب النوايا السليمة. فهي الوسيلة الأنجع بل الحصرية. وهي الأكرم والأشرف. إنها لفلسطين معيار الوطنية والقومية والإنسانية، ونداء تاريخي وعقدي وقانوني. لكنها عند حكام العرب تجاوزت الجدلية إلى التحريم. ولا غرابة حين يؤتى بهم بالتبني ليصبحوا الأدوات والواجهات المحلية لتجربة الإستعمار الجديد بالوكالة في بلادنا. حتى باتت معظم الأقطار العربية كعربات الأطفال مجهزة بكل قطعها المجسمة، وتُسَير بجهاز التحكم،ويُجسد الشعب طفلا يبحث عن الطعام واللهو.
هذا الإستعمار المغلف لبلادنا، يجهد لكسر الحاجز النفسي بين شعوبنا والمستعمرين الصهاينة والمتصهينين، ولتحويل صفة الإحتلال لفلسطين ولما بعدها لواقع تاريخي وتوراتي مزيفين. فتطبيع الحكام وأنظمتهم ليس هدفاً بقدر ما هو وسيلة لتطبيع شعوبنا. فهم يسعون لإضعاف وإفقار الأقطار العربية وتخلفها وإذلالها وصولاً لإرجاع السبب لتمسك شعوبنا بتاريخها وقيمها ومفاهيمها وعقيدتها الدينية بالذات كمكون أساسي للثقافة. فهناك غزو ثقافي تتعرض له أمتنا العربية قائم على التشويه المترافق مع تصدير الأدوات الصهيونية الإجتماعية الهدامة للمجتمعات. لا حلول وسط في حالة الإحتلال أو الاستعمار، ولن يقابل التطبيع والصمت عليه في بلادنا سوى تصاعد التطرف في الكيان المحتل سواء كان التطرف صامتاً ينهش بتحتانية أو مُعلناً يفتك مفضوحاً ومعرى.
شعوبنا اليوم في أقطارها المطبعة بالعلن أو من تحت الطاولة أو التي تلتزم بالحيادية وتعلق على الحلول السلمية أو التي ترتعد من تأييد أو دعم المقاومة الفلسطينية، كلها دجنت لتعتقد خطأ بأنها في دول مستقلة. وتُرجِع وهماً فشل دولها وحالتها المتهالكة إلى فشل أنظمتها في الحكم والإدارة، لا إلى كونها دولاً مستعمرة وأنظمتها وكيلة بتنفيذ النهج السياسي المطلوب منها في أقطارها، ولا تُدرك بأن الفارق ما بين حالتها وحالة الشعب الفلسطيني هو بالشكل. إذ فلسطين تحت الاستعمار المباشر القديم بينما دولها تحت الإستعمار غير المباشر من ذات العدو الذي يسير بها بنعومة الغيبوبة إلى مسح الذاكرة وفقدان الهوية بكل فروعها، وفقدان الموروث والأوطان. فمسألة الشعب الفلسطيني مسألة تحرير، ومسألة بقية الشعوب العربية مسألة تحرر.
( رأي اليوم )