عماد الدين حسين
على هامش مونديال كأس العالم المقام حاليا فى العاصمة القطرية الدوحة كانت هناك مباراة ساخنة بين فلسطين وإسرائيل.
المباراة لم تكن على الملاعب الرسمية والعشب الأخضر، لأن فلسطين وإسرائيل لم تصعدا للنهائيات، لكن المباراة كانت تجرى فى مدرجات الملاعب وفى شوارع وفنادق الدوحة وبعض مراكزها التجارية والأهم على وسائل التواصل الاجتماعى.
والسؤال الطبيعى: من الذى انتصر فى هذه المواجهة المهمة، وما هى النتيجة، ومن الذى سجل الأهداف، أم أن المباراة انتهت بالتعادل؟!
لو سألت المشجع الفلسطينى أو غالبية العرب فسوف تكون إجاباتهم السريعة والحاسمة واليقينية أن النتيجة انتهت بفوز كاسح لفلسطين، وأن الأهداف الغزيرة سجلها المتفرجون والمواطنون العرب الذين تواجدوا فى ملاعب المونديال أو شوارع وكافتيريات الدوحة.
ورأى هذا المشجع وأمثاله منطقى وطبيعى من الزاوية التى ينظر منها فالمواطنون القطريون والعرب لم يعطوا أى إشارة ترحيب بالإسرائيليين فى الدوحة. وهذا الكلام لا يقوله العرب الكارهون لإسرائيل فقط، بل ردده غالبية الإعلاميين الإسرائيليين الذين زاروا الدوحة لتغطية مونديال كأس العالم.
هم حينما ذهبوا لم تشغلهم كثيرا مباريات البطولة وفنياتها، ومن الذى أجاد ومن أخفق، لكنهم انشغلوا كثيرا بمحاولة إظهار أن إسرائيل صارت جزءا طبيعيا من المنطقة، وأن إعلامييها يتجولون فى شوارع الدوحة، وكذلك العديد من مشجعيها الذين توافدوا على العاصمة القطرية.
نتذكر أنه فى يوم الافتتاح وحينما ظهر العلم الفلسطينى فى الاستاد ضمن الأعلام العربية، فإنه نال أكبر نسبة تصفيق وتحية من الجماهير المتواجدة بالاستاد.
وشاهدنا أيضا العديد من اللافتات الكبيرة المؤيدة للشعب الفلسطينى فى العديد من المباريات، خصوصا التى كانت أطرافها عربية، وشاهدنا بعض المنتخبات العربية ترفع العلم الفلسطينى عقب نهاية مبارياتها، كما شاهدنا أحد المشجعين المغاربة يطوف بالعلم الفلسطينى أرض الملعب بعد الفوز التاريحى لبلاده على إسبانيا وإخراجها من دور الـ16.
لكن الأهم هو ما جاء فى وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها.
على سبيل المثال فإن صحيفة يديعوت أحرونوت قالت إن مراسليها فى الدوحة رصدوا استمرار تعرضهم للتوبيخ وعدم الترحيب هناك من جانب الجماهير العربية، ووصلوا إلى استنتاج مفاده: «أنه ليس فقط الحكومات هى التى تكره إسرائيل، ولكن الكثير من الناس فى الشوارع».
التقرير يقول على لسان الصحفيين الإسرائيليين: «كنا نظن أن علاقة الجماهير العربية بالصحفيين الإسرائيليين ستكون مختلفة باعتبار أنهم فى مجال رياضى، لكن ما وجدناه أننا غير مرحب بنا، وأحد العرب قال لنا حينما عرف بأننا إسرائيليون، أتمنى أن تخرجوا من هنا بأسرع وقت ممكن. وأن هذه الكراهية كانت ملحوظة من كل الجنسيات العربية».
يقول التقرير إن الصحفيين الإسرائيليين تخفوا تحت أسماء وجنسيات مختلفة ورافقوا العديد من الجماهير العربية، وحينما علموا بحقيقتنا تم الهجوم علينا بأبشع الكلمات.
والمفاجأة من وجهة نظر تقرير الصحيفة الإسرائيلية الأكبر فى تل أبيب، هى أن الكراهية الأكبر للإسرائيليين جاءت من المصريين العاملين فى قطر، وكانت الشتائم ضدنا واضحة بلغة يمكن فهمها بكل سهولة.
الجماهير العربية لم تحيِّى فلسطين فقط فى المدرجات كراهية فى إسرائيل، بل للرد على الهجمات الإعلامية الغربية ضد تنظيم قطر لكأس العالم، والانتقادات الأوروبية خصوصا البريطانية والألمانية ولسان حال الجماهير العربية يقول: «ما هذه المعايير المزدوجة فى دعم أوروبا للعديد من القضايا لكنها لا تجرؤ على انتقاد إسرائيل؟!».
هذه هى الصورة، وأظن أنها ليست مفاجأة إلا لبعض الإسرائيليين الذين اعتقدوا أنهم وضعوا فى جيوبهم ليس فقط العلاقة مع بعض الحكومات العربية ولكن قلوب المواطنين العرب.
وبالطبع ما حدث هو تطور مهم، لكن هل صحيح أن إسرائيل انهزمت فى قطر بالضربة القاضية، أم أن هناك زاوية أخرى من الضرورى تسليط الضوء عليها فى هذه المسألة، حتى لا نتعامل نحن العرب دائما بعواطفنا فقط. والسؤال: ألم تحقق إسرائيل انتصارا حينما دخلت جماهيرها وإعلاميوها وطائراتها إلى قطر؟!
سؤال يحتاج لنقاش لاحق.
( الشروق المصرية )