أمهل مجلس الوزراء، أمس، المنافذ التجارية أسبوعين للتأكد من وضع سعر واضح على جميع السلع، مع تهديد المخالفين بعقوبات تصل إلى غلق منافذهم وإعادة بيع سلعهم في منافذ الدولة، وذلك بعدما تبينت الحكومة أن «ما يؤرِّق المواطن هو عدم انضباط الأسعار واستغلال البعض للأزمة من أجل وضع أسعار مُبالغ فيها للسلع»، وفقًا للبيان، الذي أكد أن الحكومة لن تتدخل لوضع سعر محدد للسلع.
بيان الحكومة أشار إلى أنها ستتعامل بمزيد من الصرامة في ما يخص السلع الاستراتيجية، دون توضيح ماهية تلك السلع، بوضع «مدى سعري» يُحدَد شهريًا بالتنسيق مع اتحاد الغرف التجارية واتحاد الصناعات، طبقًا للمعايير المختلفة مثل الجودة والنوع، لضمان البيع للمستهلك بسعر عادل يتناسب مع أسعار مدخلات الإنتاج.
بحسب البيان، ستوكل مهمة مراقبة السوق لكل الوزارات والهيئات المعنية؛ التموين، والداخلية، والمحافظات، وجهاز حماية المستهلك، فيما دعت الحكومة المواطنين للإبلاغ عن المخالفات.
مصادر مختلفة في قطاع الإنتاج الغذائي شككت في قدرة الحكومة على السيطرة على أسعار السلع في الأسواق، خاصة مع غياب آليات التسعير، وغياب الرقابة الحقيقة على اﻷسواق، فضلًا عن عدم استقرار سعر صرف الجنيه مقابل الدولار، وهو ما يعني ارتفاعات متلاحقة في أسعار المنتجات، سواء المستوردة بشكلها النهائي أو التي تدخل فيها خامات مستوردة.
«الحكومة معتقدة إنه عشان تسيطر على السوق لازم تعمل حاجتين: تسعّر، وتراقب. وبعيدًا عن استحالة السيطرة على سوق حر في الوقت ده، هي ما عندهاش أي آليات حقيقية للاثنين»، قال مستورد الحبوب، هشام سليمان، لـ«مدى مصر»، موضحًا أن مراقبة عملية إعلان سعر متغير يوميًا في كل أنحاء مصر، هي شيء أشبه بالهزل، على حد تعبيره.
فيما أكدت ثلاثة مصادر مختلفة لـ«مدى مصر» أن عملية الرقابة القائمة فعليًا على المحال التجارية، وخاصة السلع الغذائية، يتخللها الكثير من الفساد والرشاوى، وعادة ما تنتهي برصد مخالفات لبعض المنافذ بشكل عشوائي من أجل التغطية الإعلامية في أوقات الأزمات كالوقت الحالي.
«بشكل ما، معظم المحلات بتكون منسقة مع بتوع المحليات أو التموين وبتديهم شهريات، وبالتالي مش من مصلحة المراقبين دول يغرّموا المحلات اللي بتديهم قرشين يعيشوا بيهم»، بحسب أحد المصادر.
تتماشى تقديرات المصادر الثلاثة مع محاولات سابقة مشابهة للحكومة، لم تحقق منها الجدوى التي أعلنت عنها.
فمنذ أسابيع، أعلنت الحكومة الأرز سلعة استراتيجية، ووضعت مدى سعري له، وطلبت من منافذ البيع إعلان هذا السعر، وتوعدت بمعاقبة المخالفين، لكن منافذ البيع لم تلتزم بالمدى السعري المُحدد سلفًا، واضطرت الحكومة لرفع السعر المُعلن خلال الأيام الماضية، بينما عانى المستهلكون من نقص الأرز في الأسواق، بحسب المصادر.
ويرى متعاملون في السوق أن قرارات الحكومة لا تتعدى محاولة الضغط على من أسموهم بـ«الحلقة الأضعف» في سلسلة توريد وإنتاج السلع. «إزاي تعاقب مُنتج بيض إنه بيبيع جملة بسعر غالي، وهو جايب الأعلاف بـ21 ألف جنيه للطن بدلًا من 14 ألف جنيه من شهرين. الرقابة، لو عايز تنفذها صح، لازم تكون من بداية مدخلات الإنتاج»، يقول استشاري التغذية الحيوانية محمد الشريف.
ويشير الشريف إلى أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عقد، مطلع ديسمبر الجاري، اجتماعًا مع كبار مستوردي مكونات الأعلاف، بحضور وزيري التموين والزراعة ومحافظ البنك المركزي، وخلال الاجتماع أعلن مدبولي بوضوح أن ارتفاع الأسعار الحالي «غير مقبول»، وأن الحكومة «ستتدخل» إذا استمر الوضع كما هو عليه، بحسب الشريف، الذي أضاف: «كان فيه ناس خارجة من الاجتماع بتقول هيعملوا إيه يعني؟»، لافتًا إلى أنه بعد أقل من يومين، قفزت أسعار منتجات الأعلاف 500 جنيه للطن.
عمليًا، تخضع عملية التسعير لمتغيرات عديدة تزداد تعقيدًا في وقت الأزمات، ما يقوض قدرة الحكومة على التحكم في التسعير.
«عشان الحكومة تفرض على المُنتج سعر محدد للبيع، لازم تمده بالمادة الخام المستوردة. لكن دلوقتي فيه سعرين للدولار في البلد. طيب هو حاسبلي سعر المنتج بتاعي على سعر البنك ولا السوق الموازية؟ والسعرين أصلًا بيتغيروا كل يوم. فهتتحكم في أسعار السلع إزاي؟» يتساءل وليد دياب، رئيس شعبة المطاحن الأسبق.
وانتقد دياب إعلان الحكومة عن محاولات تحديد هامش ربح للقطاع الخاص في الوقت الحالي مع استمرار أزمة الاستيراد ونقص العملة الأجنبية. «هما بيطفشوا الاستثمار الأجنبي على الفاضي، يا ريتهم حتى بيتحكموا في الأسعار فعلًا. المشكلة إنهم بيقولوا كلام فارغ للاستهلاك الإعلامي يخوف المستثمرين في أكتر وقت البلد محتاجلهم فيه، وعلى مفيش في الآخر».
بحسب دياب «اللي بيحصل ده اتكرر أكتر من مرة من أول السنة، استمرار الحكومة في إعلانها عن التحكم في السوق ومحاربة جشع التجار دون ما يكون عندها آليات لده معناه شيء واحد فقط، إنها بتحاول تحول الغضب الشعبي بسبب الظروف الاقتصادية للتجار بدل الحكومة».
( المصدر : مدى مصر )