رغم المكاسب الكبيرة التي تحققت مؤخراً، لا تزال حقوق المرأة مقيدة في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر. ما الذي تم إنجازه في عام 2022 فيما يتعلق بحقوق المرأة الخليجية؟ وهل يكفي كبداية؟
من نواحٍ عديدة ، لم يكن عام 2022 عاماً سيئاً بالنسبة للمرأة في منطقة الخليج. في الآونة الأخيرة هتفت المشجعات لفرق كرة القدم المفضلة لديهن في كأس العالم خلال تواجدهن في ملاعب قطر.
ومع ذلك، تواصل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة التمييز ضد النساء كمواطنات من الدرجة الثانية مع نظام وصاية استبدادي عصي على التغيير، وقوانين وقواعد صارمة تقيد حقوق النساء غير المتزوجات.
منذ أن أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مشروعه للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الذي أطلق عليه اسم رؤية 2030 في أبريل/نيسان 2016، تغير وضع المرأة بشكل كبير أحياناً نحو الأفضل وأحياناً أخرى نحو الأسوأ.
ففي الوقت الذي تم فيه سجن ناشطات مثل لجين الهذلول لمدة ثلاث سنوات بعد حملة من أجل منح المرأة حق قيادة السيارات، تم تغيير التشريعات ذات الصلة في عام 2018. ووفقًا لشركة الأبحاث Statista فإنه في غضون عام ونصف العام تقدمت أكثر من 175 ألف امرأة بطلب للحصول على رخصة قيادة في الرياض.
أيضاً تم تعديل قوانين أخرى منذ عام 2018، منها أنه أصبح مسموحاً للمرأة الآن التقدم بطلب للحصول على جواز سفر دون موافقة ولي الأمر الذكر، والذهاب إلى دور السينما مع صديقاتها.
وقالت لينا الهذلول، شقيقة الناشطة لجين الهذلول التي تعمل رئيسة قسم الاتصالات والمراقبة في منظمة القسط لحقوق الإنسان ومقرها لندن “مع ذلك، لا يزال نظام القمع قائماً”. وبسبب نظام ولاية الرجل، لا تزال الفتيات والنساء يعتمدن على موافقة ولي الأمر الذكر في معظم القرارات.
وأضافت الهذلول
أنه “في حالة العصيان، يحق لذلك الوصي
- الذي يمكن أن يكون الأب أو الزوج أو الأخ أو الابن- إرسال المرأة إلى ما يسمى بـ دور الرعاية – لابقى هناك إلى الأبد”.
علاوة على ذلك ، في هذا العام ، أكدت ثلاثة أحكام قضائية بشكل صارخ على التناقض السعودي في المعاملة بين الرجال والنساء. ففي يناير/ كانون الثاني، أدانت المحكمة في المدينة ياسر م. بتهمة التحرش الجنسي اللفظي بامرأة، وحُكم عليه بالسجن ثمانية أشهر وغرامة قدرها 5000 ريال (1265 يورو / 1330 دولاراً). كانت قضية ياسر م. من أولى القضايا التي تمت فيها إدانة رجل بعد تشديد التشريعات السعودية لمكافحة التحرش الجنسي في عام 2019.
لكن في أغسطس / آب 2022، حُكم على طالبة الدكتوراه سلمى الشهاب البالغة من العمر 34 عاماً بالسجن 34 عاماً، وبعد شهر حُكم على نورة بنت سعيد القحطاني بالسجن 45 عامًا. كلاهما أدينتا بتهمة إعادة تغريد نداءات حقوقية. وقالت الهذلول لـ DW: “النتيجة هي الخوف، فالناس لم يعودوا يعرفون ما هي الخطوط الحمراء”.
بالنسبة لها، لا يقترب تحرير المرأة وحصولها على حقوقها على مدى السنوات الأربع الماضية مما تريده المرأة السعودية بالفعل. وقالت: “نريد أن نعيش دون خوف وأن نكون قادرات على المطالبة بحقوقنا”.
تقول لينا الهذلول إنه رغم التحدثيات المتعلقة بحقوق المرأة السعودية إلا أن نظام القمع لايزال قائماً.
الإمارات العربية المتحدة
أما فيما يتعلق بدولة الإمارات، فقالت جوليا ليغنر، المستشارة المستقلة لحقوق الإنسان والمختصة بالسعودية ودول الخليج من برلين، لـ DW: “في العام الماضي واجهت الناشطات السعوديات عواقب قاسية للغاية على نشاطهن.. وهو ما لم نشهد مثيلاً له في الإمارات العربية المتحدة”.
بعد إصلاح قانوني شامل جرى لصالح المرأة بين عامي 2015 و 2021، تعتبر الإمارات العربية المتحدة الآن على نطاق واسع دولة ليبرالية وداعمة للمرأة، خصوصاً رائدات الأعمال. حتى أن تقرير الفجوة بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام وضع الإمارات في المرتبة الأولى في العالم العربي في هذا المجال. ولكن “رغم كل هذا، هناك الكثير من التناقض في هذا المجال. فالدعاية للمساواة والنهوض بالمرأة تتناقض بشدة مع القوانين القائمة” تقول ليغنر.
وكانت هيومن رايتس ووتش قد ذكرت في تقريرها العالمي 2022 أنه في الإمارات “لكي تتزوج المرأة، يجب على ولي أمرها أن يبرم عقد زواجها، كما يمكن للرجال تطليق زوجاتهم من جانب واحد. في حين يجب على المرأة التقدم بطلب للحصول على أمر من المحكمة للحصول على الطلاق”.
علاوة على ذلك، تواجه النساء غير المتزوجات اللواتي يلدن طفلاً صعوبة في تسجيل المولود، حيث تتطلب الهيئات الحكومية شهادة زواج لإصدار شهادة ميلاد. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال قانون الجنسية الإماراتي ينص على أن أطفال الرجال الإماراتيين يحق لهم تلقائيًا الحصول على الجنسية الإماراتية، في حين أن الأطفال المولودين لأم إماراتية وآباء أجانب ليسوا كذلك.
ومثل نظيراتها في السعودية، تظل المرأة الإماراتية أيضاً تحت رحمة ولي أمرها من الذكور. ومع ذلك، فإن أولئك اللواتي لديهن شريك داعم، يستفيدن من حرية أكبر مما كانت عليه الأمور قبل خمس سنوات. “لكن إذا كان لديهن وصي يريد تقييد حرياتهن، فإنهن يبقين غير أحرار” تضيف ليغنر.
يقول خبراء وحقوقيون إن المرأة القطرية يمكنها أن تتبع أسلوب حياة ليبرالي نسبياً، طالما لا يعترض ولي الأمر الرجل
خل
قالت سينزيا بيانكو، الزميلة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: “لقد شهدت النساء في قطر وبقية دول الخليج تحسينات كبيرة وملموسة في حياتهن في عامي 2018 و 2019″، وأضافت أن عام 2022 كان يدور بشكل أكبر حولترسيخ الحقوق الجديدة والحريات الموسعة للنساء.
وقالت بيانكو إن تقديم تلك الحقوق الاقتصادية والمدنية والاجتماعية ليس له علاقة تذكر باستضافة قطر لكأس العالم في عام 2022.
وفي حين شجعت الحكومات الإقليمية المواطنات على حضور الفعاليات – على سبيل المثال – من خلال منح تذاكر لمباريات كرة القدم، “لم يكن هناك تقدم على المستوى تشريعي، مثل التقدم الذي حدث على صعيد حقوق العمال الأجانب على سبيل المثال، والذي كان مرتبطاً بكأس العالم،” بحسب ما قالت بيانكو.
ويعني نظام ولاية الرجل الحالي في قطر، أنه لا يزال من المستحيل على المرأة أن تتزوج أو تتقدم لوظيفة دون موافقة ولي أمرها، لكن “صحيح أيضاً أن المرأة يمكن أن تتبع أسلوب حياة ليبرالي نسبياً، طالما لا يعترض ولي الأمر الرجل”، بحسب منظمة العفو الدولية.
وينعكس ذلك بشكل إيجابي على مكانة قطر كدولة رائدة بين دول الخليج في أعداد الطالبات، وسد الفجوة بين الجنسين ومشاركة المرأة في العمل. ووفقًا لتقرير التنمية البشرية لهذا العام – الذي يصنف عدم المساواة بين الجنسين – صعدت قطر من المرتبة 44 في عام 2020 إلى المرتبة 42 في عام 2021.
في غضون ذلك، تجد بيانكو أنه من اللافت للنظر أن المرأة القطرية – إلى جانب المرأة الإماراتية – كانت “مترددة تماماً في مقاربتها للاحتجاجات المستمرة في إيران المجاورة”، والتي اندلعت بعد وفاة جينا مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاماً.
وتوفيت الشابة الكردية الإيرانية في حجز الشرطة بعد أن ألقي القبض عليها لعدم ارتدائها الحجاب بالشكل المفروض على نساء إيران، بحسب اللوائح الحكومية. وتعتقد بيانكو أن السبب قد يكون أن المرأة القطرية لم تُجبر على ارتداء الحجاب لأكثر من 20 عاماً. ويُسمح للمرأة في قطر باختيار ملابسها سواء وفقاً للتفسير الوهابي المتشدد للإسلام أو ارتداء ملابس وفق الموضة الغربية بدلاً من ذلك.
بعد عدة ساعات على قرار إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير، أعلنت السعودية أيضاً إلغاء حكم الإعدام بحكم المدانين القصّر واستبداله بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات في منشأة احتجاز للأحداث. وجاءت هذه القرارات لتساعد “على صياغة قانون للعقوبات أكثر عصرية” بحسب ما تناقلته وسائل إعلامية.
جاء ترحيب الحقوقيون ومنظمات حقوق الإنسان بهذه القرارات بشكل حذر، حيث اعتبر غيدو شتاينبيرغ من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) ببرلين أن هذه القرارات صحيحة، ولكنها لا تعبر بالضرورة عن إتجاه إصلاحي في السعودية وقال: “إنها محاولة لتلميع صورة الدولة”. وكانت سمعة المملكة على الساحة الدولية تراجعت بشدة بعد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
ويرى غيدو شتاينبيرغ أن السعودية تهتم بشكل خاص بسمعتها في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، إلا أن ولي العهد محمد بن سلمان مازال يحكم بقبضة من حديد. فالإصلاحات التي قام بها صاحبتها إجراءات قمعية لكل معارضة داخلية. ولم تسلم العائلة المالكة نفسها من هذه الإجراءات.
وطالت الإجراءات القمعية في السعودية أيضاً أفراد بارزين من العائلة المالكة، حيث شهدت أواخر شهر مارس/آذار حملة جديدة من الإعتقالات شملت إبن عم محمد بن سلمان وولي العهد السابق محمد بن نايف
بتهمة “الخيانة وتدبير انقلاب”. وبحسب شتاينبرغ فإن هذه رسالة للجميع بأن أي معارضة سياسية لن يتم التسامح معها.
كما قام ولي العهد السعودي بإبعاد أي منافس محتمل له من العائلة المالكة عن طريق حملات توقيف بحق أفراد من العائلة ومنهم متعب بن عبد الله، وهو رئيس الحرس الوطني السعودي السابق. ويقول شتاينبيرغ: “يريد محمد بن سلمان إرسال إشارة للعائلة أن المملكة لديها حاكم جديد، وانهم يستطيعون الحفاظ على إمتيازاتهم بشرط عدم إظهار أي معارضة”. و
يعرف عن الأميرة بسمة بنت سعود أنها ناشطة في مجال حقوق الإنسان ومعارضة للممارسات القمعية ضد المرأة في السعودية. في عام 2019 إختفت الأميرة دون أثر، لتظهر منذ فترة قصيرة بنداء استغاثة اطلقته عن طريق خطاب طالبت فيه بإطلاق صراحها. وكتبت الأميرة البالغة من العمر 56 عاماً أنه يتم احتجازها دون موافقتها وبدون سند قانوني في سجن الحاير السعودي.