مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي، تتزايد سخونة الأجواء تدريجيا، حيث لا يزال هناك الكثير من المفاجآت التي قد تغير مجرى الأمور، خاصة مع انطلاق الدعاية الانتخابية مبكرا، وتشكل تحالف جديد للمعارضة؛ ما يشي باحتمال أن تكون تلك الانتخابات هي الأكثر سخونة منذ تولي حزب “العدالة والتنمية” مقاليد الحكم مطلع الألفية.
وقد شهد فبراير/شباط الماضي ولادة تكتل بارز للمعارضة باسم “الطاولة السداسية” ضم 6 أحزاب أهمها حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي، وحزبين جديدين بقيادة رموز سابقة في حزب العدالة والتنمية وهما: أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء الأسبق، وعلي باباجان الذي تولى حقائب الخارجية والاقتصاد في حكومات العدالة والتنمية. كما يضم التحالف حزب الجيد المنشق عن حزب الحركة القومية المتحالف مع العدالة والتنمية.
ورغم إعلان التحالف الجديد عن خططه لخوض انتخابات الرئاسة في 2023 بمرشح موحد، غير أنه أخفق حتى نهاية 2022 بالتوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص.
في المقابل، وفي يونيو/حزيران الماضي، أعلن تحالف الشعب، الذي يضم حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية، أن مرشحه الموحد لخوض الانتخابات هو الرئيس رجب طيب أردوغان.و
رغم عدم إعلان المعارضة عن مرشحها الرئاسي، لكن الملف الأبرز في الدعاية المبكرة تتركز حول الاقتصاد مع ارتفاع معدلات التضخم، في وقت أشارت فيه عدة استطلاعات للرأي خلال 2022 إلى تراجع في شعبية الحزب الحاكم، لكنه لا يزال متصدرا.
وبينما أعلنت الحكومة عن برامج دعم غير مسبوقة ورفع الحد الأدنى للأجور، حاولت المعارضة تقديم وعود اقتصادية وخطاب جديد بهدف بناء الثقة مع الجمهور المحافظ، ونشر مسودة دستور تعيد البلاد إلى النظام البرلماني.
وترافق ذلك مع تصاعد العنصرية وبروز أحزاب متطرفة جديدة تسعى للصعود من خلال ملف اللاجئين، وأدت إلى تحويل هذا الملف إلى ركن جوهري في الدعاية الانتخابية لكل الأحزاب.و
في ديسمبر/كانون الأول الجاري، قررت محكمة تركية معاقبة رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو بالحبس والحرمان السياسي -وهو قرار غير نهائي- بتهمة إهانة موظفين حكوميين بسبب عملهم.
وعمدت المعارضة سريعا إلى استثمار الحدث الذي ختم به عام 2022، ومن المتوقع أن تستمر في البناء عليه لدعم سرديتها في وجه الحكومة، ومن ثم، قد يشكل الحدث عنوانا للمرحلة المقبلة، ويسرع من عملية حسم اسم المرشح الموحد للمعارضة.
ويعد رئيس بلدية إسطنبول، المنتمي إلى حزب الشعب الجمهوري أحد المرشحين المحتملين لمنافسة أردوغان في الانتخابات الرئاسية، وسط دعم من حزب “الجيد”، أحد أطراف “الطاولة السداسية”، وذلك وسط تقارير حول خلافات داخل حزب الشعب على خلفية رغبة رئيسه كمال كليجدار أوغلو في الترشح للرئاسة.
وقانونيا، قدم أكرم إمام استئنافه على الحكم، لذلك سيكون مبدئيا قادرا على خوض الانتخابات بدون حبس أو منع سياسي. وفي حال فوزه في الانتخابات فإنه سيكون أمام أحد سيناريوهين، وفق خبراء القانون.
السيناريو الأول في حال ثبتت المحكمة العليا الحكم بحقه قبل توليه المنصب رسميا فإنه سيفقد حقه في ذلك، والسيناريو الثاني في حال صدر تثبيت الحكم بعد توليه المنصب رسميا، فسيكون قد دخل في وضع الحصانة القانونية، وستكون مسألة محاسبته بيد البرلمان الهيئة الوحيدة المخولة بهذا الأمر
وعلى بعد 6 أشهر من موعدها، لا تزال النتائج المتوقعة للانتخابات متغيرة وغير واضحة المعالم. وبينما يشير مراقبون وشركات استطلاع رأي إلى أن شعبية الحزب الحاكم تراجعت مقارنة بالانتخابات السابقة، فإن العدالة والتنمية والرئيس أردوغان يظهران تعويلا واضحا على زوال تأثير الأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم وكلفة المعيشة على المواطنين، مع احتوائها بالمزيد من خطوات الدعم الحكومية.
فخلال عام 2022، أعلنت الحكومة عن أكبر مشروع للإسكان الاجتماعي في تاريخ الجمهورية، حيث سيتم بناء 500 ألف وحدة سكنية على مراحل، بأسعار مخفضة جدا وطريقة دفع ميسرة، كما رفعت الحد الأدنى للأجور مرتين خلال العام في قرارات نادرة، كما أنه من المتوقع أن يتم الإعلان عن البدء بتوريد غاز البحر الأسود ليصل إلى منازل المواطنين في نهاية الربع الأول من 2023، بالتزامن مع وصول السيارة التركية الوطنية (توغ) إلى شوارع البلاد.
وبالتوازي مع ذلك، تضاعف الحكومة جهودها لتحييد ملف اللاجئين السوريين من الدعاية الانتخابية من خلال إطلاق مشروع لتسريع العودة الطوعية، عبر بناء أكثر من 200 ألف وحدة سكنية في الشمال السوري وتقديم مزايا للسوريين العائدين فيها.
من جهتها، تعول المعارضة التركية على الأزمة الاقتصادية لمنافسة الائتلاف الحاكم، وفيما أظهر حزب الشعب الجمهوري تحديدا اهتماما استثنائيا بالملف الاقتصادي وقدم رؤية تركزت بشكل أساسي في الجانب الاقتصادي، فإن المعارضة لا تتردد في استغلال ملف اللاجئين السوريين في الدعاية الانتخابية، على أمل كسب المزيد من الأصوات، في حين يبدو أن ملف اللجوء السوري يشكل البرنامج الرئيسي لبعض الأحزاب المعارضة المتطرفة.
وأظهرت الاستطلاعات احتمال أن تشهد الانتخابات الرئاسية تنافسا أكبر من الدورات السابقة، رغم أن حظوظ الرئيس أردوغان تبقى أكبر من حظوظ حزبه في البرلمان، خاصة مع نجاحه في تصفير الأزمات الخارجية مثل مصر والسعودية والإمارات، فضلا عما حققه من مكانة دولية في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا.
ويعرض مراقبون احتمال الذهاب إلى جولة ثانية في الانتخابات الرئاسية، بوصفه أكثر ترجيحا من الانتخابات السابقة.
وبغض النظر عن النتيجة، فإن مسألة ترشيح زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو بالتوافق بين أحزاب الطاولة السداسية، كانت قد اقتربت من الحسم، إلا أن الحكم القضائي الصادر بحق رئيس بلدية إسطنبول وأحد المرشحين المحتملين لهذا الموقع، أثار لغطا وأعاد خلط الأوراق.
وفي ظل تزايد سخونة الأجواء السياسية في تركيا تدريجيا، ومع توقعات بمفاجآت قد تغير المشهد، هناك أسئلة عدة ربما لا يملك الإجابة عنها سوى الأيام القادمة:
هل سيتمكن أردوغان من حسم الجولة الثانية أم أنه سيواجه مفاجأة غير متوقعة؟
هل ستشكل المعارضة أغلبية مقاعد البرلمان أم أن نوايا التصويت ستتغير لصالح حزب العدالة والتنمية في غضون الأشهر القليلة القادمة مع توقع تسجيل إنجازات منتظرة، مثل السيارة الوطنية توغ والسيطرة على التضخم وزيادة مجدية للأجور؟
هل سيحصد زعيم المعارضة كليجدار أوغلو ثمار حراكه المحموم ليكون المرشح الموحد للمعارضة؟ أم أن الحكم الصادر بحق إمام أوغلو سيقلب الطاولة عليه وربما يخلط الأوراق في المشهد السياسي برمته؟