رفض قضاة المحكمة العليا في السودان البنود المتعلقة بالسلطة القضائية في مشروع الدستور الانتقالي والاتفاق الإطاري الموقع بين المكون العسكري وقوى سياسية -على رأسها تحالف قوى الحرية والتغيير (مجموعة المجلس المركزي)- في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وعقد نحو 200 من قضاة المحكمة العليا -الذين يمثلون 98% من أعضائها- اجتماعا بحضور رئيس القضاء، وقرروا رفع مذكرة إلى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان.
ورأى القضاة أن مشروع الدستور والاتفاق الإطاري كفلا للقوى السياسية السيطرة على السلطة القضائية، مما يمكنها من سلطة اختيار المجلس الأعلى للقضاء ورئيس القضاء ونوابه ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية والنائب العام.
و اعتبر قضاة المحكمة العليا فى مذاكرتهم خضوع السلطة القضائية للإصلاح المؤسسي عن طريق مفوضية يعينها مجلس الوزراء مساسا بالسلطة القضائية وانتهاكا لاستقلال القضاء، وأن ما ورد في مشروع الدستور والاتفاق الإطاري تدخّل سياسي سافر في شؤون القضاء.
وأوردت المذكرة الموجهة إلى البرهان أن الاتفاق الإطاري ضم “رؤى مبهمة”، حيث أوكلت المادة الثامنة منه تعيين رئيس القضاء ونائبيه والمجلس الأعلى للقضاء ورئيس المحكمة الدستورية ونائبه والنائب العام إلى القوى السياسية الموقعة على الإعلان السياسي والاتفاق الإطاري عبر جسم تشكله هذه القوى باختيارها.
وقال القضاة المحتجون إن في ذلك مخالفة للمبادئ التي نادت بها المواثيق والمعاهدات الدولية، ولا أصل لها في جميع القرارات الوطنية منذ فجر الاستقلال وحتى ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018.
وجاء في المذكرة أن نص مشروع الدستور والاتفاق الإطاري على إلغاء القرارات التي صدرت في أو بعد 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 دون استثناء القرارات القضائية يشكل سابقة خطيرة في المساس بأحكام وتدابير القضاء.
وجاء في المذكرة أيضا أن المادة “58/ ب” من مشروع الدستور نصت صراحة على خضوع السلطة القضائية للإصلاح المؤسسي وفقا لقانون إصلاح الأجهزة العدلية والحقوقية، وتختص بذلك مفوضية الإصلاح القانوني والعدلي التي يعين مجلس الوزراء أعضاءها، وهو أمر -حسب القضاة- يمس بالسلطة القضائية وينتهك مبدأ استقلال القضاء والإصلاح، ولا ينبغي أن يكون ذريعة للتدخل السياسي في شؤون المؤسسات العدلية.
وقالت المذكرة أيضا إن المادة “58/ أ” من مشروع الدستور الانتقالي نصت على استبعاد القضاة -بمن فيهم رئيس القضاء- من نطاق شاغلي المناصب الدستورية وبالتالي من نطاق الحصانة الإجرائية، واعتبرت ذلك أمرا معيبا.
وعبر القضاء المحتجون في مذكرتهم عن رفضهم ما جاء في مشروع الدستور الانتقالي والاتفاق الإطاري في ما يتعلق بالقضاء “جملة وتفصيلا لأنه يضع السلطة القضائية تحت سيطرة القوى السياسية، وهو ما يهدم مبدأ استقلال القضاء”.
وتضيف المذكرة أنه لا مجال للحديث عن استقلال القضاء إذا ما تم اعتماد النصوص الواردة في مشروع الدستور والاتفاق الإطاري الخاصة بالقضاء، لأنهما حملا انتهاكات صارخة لمبادئ وشعارات العدالة التي نادت بها ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، و”نربأ بإقحام العدالة والسلطة القضائية في الخلافات السياسية”.