تتجه الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو إلى إحداث ما تسميها “إصلاحات” في الجهاز القضائي، وهي التي باتت مثارا للجدل في المشهد السياسي، وخاصة لتداعياتها على إسرائيل التي تعتبر نفسها دولة “يهودية وديمقراطية”.
ويعتزم نتنياهو، الذي يُحاكم منذ أعوام بتهم “فساد وخيانة الأمانة”، عبر هذه الإصلاحات التي يقودها وزير القضاء يارييف ليفين، إلى تقويض الجهاز القضائي والمحكمة العليا بغرض إلغاء محاكمته.
وتوصف التدخلات الحكومية لتغيير تركيبة القضاء وصلاحياته بأنها مفيدة لنتنياهو وائتلافه وخطيرة على إسرائيل. بل إن هناك من اعتبرها بمثابة “الانقلاب السياسي” الذي يمهد إلى تغير جوهر نظام الحكم في إسرائيل.
ولذلك، بدا رئيس المحكمة العليا السابق القاضي المتقاعد أهارون بارك، أكثر حدة في رده على توجهات الحكومة الإسرائيلية. وشبّه الإصلاحات التي ستفضي باعتقاده إلى تقويض المحكمة العليا بـ”بداية نهاية الهيكل الثالث”، وهو تعبير توراتي لوصف زوال إسرائيل.
في حين حذّر المدعي العام السابق لإسرائيل، مايكل بن يائير، من أن إسرائيل ستصبح “دكتاتورية” تتحكم بها “أغلبية برلمانية عادية”، على غرار بعض ديمقراطيات ما بعد الاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية.
وتمهد خطة إصلاحات الوزير ليفين إلى “تسييس الجهاز القضائي وسلبه الأدوات الرقابية على السلطتين التشريعية والتنفيذية، وتقييد المحاكم، ونزع الأدوات القانونية التي تمكن القضاة من الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان”، بحسب تصريحات لرئيسة المحكمة العليا، القاضية إستر حيوت، خلال مؤتمر “جمعية القانون الجماهيري في إسرائيل” مؤخرا.
تقضي الخطة التي أعلن عنها وزير القضاء ياريف ليفين، إلى تقويض المحكمة العليا والالتفاف على قراراتها والحد من صلاحيات السلطة القضائية، مقابل تعزيز مكانة وصلاحيات السلطتين التنفيذية والتشريعية (الحكومة والكنيست)، من خلال:
إجراء تغييرات جذرية في السلطة القضائية من شأنها المس بنظام الحكم في إسرائيل وتراجع ما يسمى بـ”الديمقراطية” والحريات الفردية والجمعية للأقليات القومية والاجتماعية وسيادة سلطة القانون، وذلك عبر الحد من سلطة وصلاحيات المحكمة العليا.
تمكين الحكومة والأحزاب السياسية من التحكم في لجنة اختيار القضاة في المحاكم الإسرائيلية عبر تعيين أعضاء في اللجنة من الأحزاب والسياسيين، ومنع إشراك القضاة في عضويتها.
الحد من صلاحيات المستشار القضائي للحكومة، وكذلك المستشارين القضائيين لمختلف الوزارات، حيث تمنح الصلاحية للوزير تعيين أو إقالة أي مستشار قضائي في مكتبه.و
تشريع ما يسمى “قانون فقرة التغلب” الذي سيؤدي إلى تقويض صلاحيات المحكمة العليا وتقييدها في كل ما يتعلق بإلغاء قوانين للكنيست أو قرارات للحكومة أو قرارات وأوامر صادرة عن المؤسسة الأمنية والعسكرية، من خلال تصويت أغلبية عادية في الكنيست (61 عضوا) على قرارات المحكمة.
سيمكّن اعتماد “فقرة التغلب” السلطتين التشريعية والتنفيذية من تشريع أي قانون يمس بالحقوق الأساسية للإنسان، منها الحق بالخصوصية والملكية والتنقل والتظاهر والتعبير عن الرأي وحقوق الأقليات.
تسلب “فقرة التغلب” المحكمة العليا من خلال منعها من استخدام أبرز صلاحياتها المسمى “امتحان المعقولية” على القرارات الحكومية والتشريعات البرلمانية والقرارات والأوامر الصادرة عن المؤسستين الأمنية والعسكرية. ويمكّن “امتحان المعقولية” العليا من إلغاء قرارات حكومية وبرلمانية حتى وإن كانت منصوصة ومدعومة بقانون شرعه الكنيست.
كما أن إحداث تغيير في قانون لجنة اختيار القضاة ومنح الدور الأكبر للحكومة والأحزاب المشاركة فيها والتيارات السياسية القريبة منها، يعني تمكين الحكومة من السيطرة الكاملة على اللجنة واختيار القضاة.
ماذا وراء خطة “الإصلاحات”؟
تقول المحامية طاليه ساسون، المديرة السابقة لقسم الوظائف الخاصة في النيابة العامة الإسرائيلية، إن المروّج الرئيسي لخطة “الإصلاحات” هو حزب الليكود برئاسة نتنياهو الذي يحاكم في ملفات “فساد وخيانة الأمانة وتلقي الرشوة”، وله شركاء كثيرون في اليمين المتطرف وأحزاب الائتلاف
وأوضحت ساسون أن تشريع “فقرة التغلب”، وتمكين نواب الائتلاف الحكومي في الكنيست (يمثلون أغلبية 61 نائبا) من إسقاط قرارات المحكمة العليا من شأنه إلغاء مراجعة المحكمة العليا لممارسات وقرارات وعمليات الجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وتهدف “الإصلاحات” إلى تغيير قانون الحصانة البرلمانية لأعضاء الكنيست والوزراء ورئيس الوزراء، بحيث لا يواجهون التحقيق أو المحاكمة خلال توليهم منصبهم، أي تشريع “القانون الفرنسي” الذي سيحصن نتنياهو وينقذه من المحاكمة.
كما تهدف الإصلاحات إلى إلغاء بند “الاحتيال وخيانة الأمانة” في القانون الجنائي والعقوبات، بحيث يتحول السياسي والموظف الحكومي إلى رجل فوق القانون، وإلغاء هذا البند سيفضل المصلحة الشخصية للمسؤولين على الصالح العام.