ارتفعت أسعار بيع الزيوت النباتية للمستهلكين فى مصر من 50 و55 جنيهًا للعبوة بنهاية نوفمبر الماضي إلى 65 و70 جنيهًا فى المتوسط حاليًا، وفق قوائم أسعار الشركات التي أعلنتها مؤخرًا، واطلع عليها «مدى مصر»، وأبرزها منتجات شركات «عافية» و«أرما»، وذلك رغم انخفاض أسعار الزيوت وخاماتها عالميًا في نفس الفترة.
وقال التجار ، إن بعض أصناف الزيوت (وزن 800 مل) زاد سعرها إلى 70 جنيهًا للمستهلكين مقارنة بنحو 38 جنيهًا في أبريل من العام الماضي، وفي الفترة نفسها زاد سعر السمن النباتي إلى 50 جنيهًا مُقابل 30 جنيهًا (للعبوة وزن 700 جرام). و
أرجعت مصادر الارتفاعات المتتالية لأسعار الزيوت محليًا إلى ثلاثة أسباب رئيسة: نقص الخامات، والانخفاضات المتتالية لسعر صرف الجنيه أمام الدولار، وتحكم المستوردين في أسعار الكميات المفرج عنها دون رقابة من الحكومة.
يرى صاحب مصنع زيوت، أن شح الدولار هو السبب الرئيسي للأزمة، مفسرًا: «شهدت الأسواق ارتباكًا في أول ثلاثة أشهر من الغزو الروسي لأوكرانيا، باعتبار البلدين من أكبر منتجي الحبوب، لكن الأسعار لم تتغير في السوق المحلية إلا مع وصول تأثير الحرب على العملة الصعبة في النصف الثاني من العام، وليست الأسعار العالمية السبب، وإن ارتفعت في بعض الفترات».
أضاف: «ببساطة، أزمة خامات تصنيع الزيوت النباتية قريبة الصلة إلى حد بعيد مع أزمة تصنيع الأعلاف، فيعتمد نحو 35 مصنع زيوت وأكثر من ألف مصنع أعلاف على حبوب الفول الصويا والذرة الصفراء للإنتاج، باستثناء أن الزيوت تُنتَج من أصناف أخرى للحبوب كدوار الشمس والنخيل مثلًا، وجميعها مستورد بالكامل». وقال
مصدر في كُبرى شركات استيراد الحبوب، إن شُح العملة الصعبة في الشهور الأخيرة أثر على حجم الإفراجات الجمركية من حبوب الذرة الصفراء والفول الصويا التي تستوردها مصر لصناعة الأعلاف، وصناعة عصر وتكرير الزيوت. وكما قفزت أسعار اللحوم والدواجن إثر الأزمة، شهدت أيضًا الزيوت النباتية قفزات قياسية خلال الأشهر العشرة الأخيرة .
وقال المصدر، إن الشحنات التي ترد إلى الموانئ أسبوعيًا تتجاوز 250 ألف طن من الذرة الصفراء والفول الصويا، لكن لا يتم الإفراج عن أكثر من 25 إلى 50% على أقصى حد من هذه الكميات، ما يضغط على احتياجات المصانع، وبالتالي انخفاض قدرات التشغيل.
وأعلنت الحكومة المصرية عن الإفراج عن بضائع بقيمة 1.5 مليار دولار في أول عشرة أيام من الشهر الجاري، وقبلها عن بضائع بنحو خمسة مليارات دولار في أول 23 يومًا من ديسمبر الماضي، تضم جزءًا من 1.7 مليون طن ذرة وفول صويا أفرجت عنها الجمارك منذ 16 أكتوبر الماضي، في حين لا تزال نحو ثلاثة ملايين طن عالقة في الموانئ في انتظار الحصول على إفراجات.
قال أحد أصحاب مصانع عصر زيوت الصويا، إنه نتيجة للأزمة انخفضت طاقة الإنتاج بمصنعه حاليًا لأقل من 40%، مقارنة بنحو 65 إلى 70% قبل بداية الأزمة في منتصف العام الماضي، ومع الانخفاضات المتتالية لأسعار الجنيه أمام الدولار منذ هذا الحين، أخذت التكلفة في الزيادة بشكل كبير، تحملت المصانع جزءًا كبيرًا منها لبعض الوقت، لكن مع تفاقمها لم يعد أمامها بدًا من تحريك الأسعار.
وأوضح أن أزمة العملة في الأشهر القليلة الماضية، صاحبها ارتفاعًا في الأسعار المحلية لخامات الزيوت رغم تراجعها العالمي، ففي الربع الأخير من 2022 فقط قفزت أسعار الجملة للزيوت الخام بين 15 و19 ألف جنيه في الطن، ليُسجل طن زيت الصويا 50 ألف جنيه، وارتفع زيت دوار الشمس إلى 55 ألف جنيه للطن، والذرة إلى 58 ألف جنيه، والأولين (النخيل) إلى 60 ألف جنيه.
وانخفضت الأسعار العالمية للزيوت النباتية في ديسمبر الماضي 6.7% مقارنة بنوفمبر السابق، وفق مؤشر الغذاء العالمي لمنظمة الأغذية للأمم المتحدة «فاو»، التي أرجعت هذا الانخفاض إلى تراجع الأسعار الدولية لزيوت النخيل وفول الصويا وبذور اللفت وبذور دوار الشمس.
ويعد زيت الصويا أحد المنتجات المرشحة للانخفاض بقوة بنحو 300 دولار في الطن بحلول مارس المقبل، نزولًا إلى 1347 دولار مقارنة بأسعار نوفمبر الماضي، وببلوغه هذه النقطة سيكون قد تراجع بنحو 25% على أساس سنوي، وفق مؤشرات «فاو». وحاليًا يتراوح متوسط سعر طن الزيوت المستوردة من العباد والنخيل والصويا بين 1250 و1300 دولار.
وفق صاحب مصنع عصر الصويا، فإن الصناعة تقع تحت تأثير أسعار الصرف المحلية والأسعار العالمية للخامات التي قفزت بأكثر من 100% منذ 2018 وحتى نهاية العام الماضي، طالما أنها تستورد نحو 97% من الخامات، سواء الحبوب أو الخامات الجاهزة للتكرير المباشر، لعدم زراعتها محليًا.
تزرع مصر مساحات ضئيلة سنويًا من المحاصيل الزيتية، فلا تتجاوز 20 ألف فدان من دوار الشمس، و22 ألف فدان من الفول الصويا، ينتجان نحو 50 ألف طن زيوت تقريبًا، وقرب 800 ألف فدان فقط من الذرة الصفراء، أغلب إنتاجها يُستخدم كأعلاف مباشرة، في الوقت الذي لا تزرع فيه مصر أى مساحات لزيوت النخيل وفق تقرير صدر عن وزارة الزراعة الأمريكية في أبريل الماضي، واطلع عليه «مدى مصر».
في العام التسويقي الجاري (بين أكتوبر 2022 وسبتمبر 2023) توقع تقرير «الزراعة الأمريكية» أن يرتفع استهلاك مصر من الزيوت النباتية 4.6% ليصل إلى 2.65 مليون طن، منها أكثر من مليوني طن مستوردة في صورة زيوت جاهزة للتكرير، يتركز أغلبها في زيوت النخيل التي تمثل وارداتها 63% من إجمالي الاستهلاك، والباقي تستخلصه مصانع العصر المحلية من حبوب الذرة المستوردة بأكثر من ثمانية ملايين طن سنويًا، والصويا بأكثر من 3.5 مليون طن، ودوار الشمس بنحو 95 ألف طن.
الأزمة التي ظهر معها شعار جديد رفعه المسؤولون عن المحال التجارية الكبيرة وسلاسل السوبر ماركت «عبوة واحدة تكفي». تحكي ربة منزل لـ«مدى مصر»، أنها ذهبت للتسوق بأحد سلاسل السوبر ماركت الشهيرة فوجدت عرضًا بخصم عشرة جنيهات على العبوتين، فقررت شراء ثمانية عبوات نظرًا لاحتياجها إلى كمية كبيرة بمناسبة زواج ابنتها، لكن تم منعها من الحصول على أكثر من زجاجتين.