غيّب الموت، قبل أيام، رئيس البرلمان اللبناني الأسبق حسين الحسيني، صاحب المسيرة السياسية والدستورية الطويلة التي شكّلت علامة فارقة على الساحة المحلية، مع تمسّكه باستقلاليته وعدم انخراطه في إطار ما عُرِف بـ8 و14 آذار، أي تلك الموالية لـ”حزب الله” والمعارضة له.
وتوفي الحسيني عن عمر تجاوز الـ85 عاماً، إثر اصابته بأنفلونزا حادة استدعت نقله إلى غرفة العناية الفائقة في مستشفى الجامعة الأميركية لتلقي العلاج منذ 3 يناير/كانون الثاني الحالي، وذلك وفق ما ذكرته وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية (الوكالة الوطنية للإعلام).
وترأس الحسيني مجلس النواب في لبنان منذ العام 1984 ولغاية 1992، قبل أن يؤول المنصب إلى “خلفه الوحيد” نبيه بري، وكانت له مساهمة كبيرة بالتوصل إلى “اتفاق الطائف” الذي وضع نهاية للحرب اللبنانية (1975 – 1990)، فكان أن سُميَّ “أبو الطائف”.
وشارك الحسيني في تأسيس “حركة أمل” (يتزعمها نبيه بري)، عام 1973، والتي كانت تُعرف في ذلك الوقت بـ”حركة المحرومين”، وتولى رئاستها في الفترة ما بين 1978 و1980، وذلك بعد اختفاء الإمام موسى الصدر.
وتميزت مسيرة الحسيني بمواقفه المستقلة من خارج عباءة “حزب الله” و”حركة أمل”، هو ابن بلدة شمسطار، والنائب عن بعلبك الهرمل، التي تُعدّ أبرز معاقل “حزب الله” السياسية، وذلك منذ عام 1972 والدورات النيابية اللاحقة، حتى تاريخ استقالته في 12 أغسطس/آب 2008، في خطوة شكلت صدمة في تلك الحقبة، واعتُبرت غير مسبوقة، بالإعلان عنها خلال جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة فؤاد السنيورة، وذلك “أمام حقيقة أن السلطة قادرة إذا أرادت وأنها حتى الآن لا تريد”، وفق تعبيره.
وانتقد الحسيني سياسات الحكومات المتتالية وعدم تطبيقها بنود اتفاق الطائف، متخذاً مواقف حادة رافضة لتشويه وجه لبنان الحضاري بتحجيم دوريه العربي والدولي، أو جرّه إلى أي محور عربي ودولي، معبّراً عن امتعاضه من طريقة التعاطي مع الدستور اللبناني، والمشهد المحزن المستمرّ وكأنه لم يتم التعلم من تجارب الماضي.
وهاجم الحسيني في أكثر من محطة وتصريح ممارسات “حزب الله”، مؤكداً في أحاديث صحافية، أن “لا خلاف حول المقاومة ضد إسرائيل التي تحتل أراضي لبنانية، ولكن الخلاف هو حول ما يقوم به حزب الله”، مشيراً إلى أنه “لسنا مع احتكار المقاومة بما ومن يمثل في الطائفة الشيعية وفي غيرها، ونحن مع تعميم المقاومة”.
كما يرى أن “حزب الله هو حزب ديني ونحن نريد الدولة المدنية التي تؤمن حرية الاعتقاد المطلقة”، فيما عبّر عن رفضه التدخل في الشأن السوري كما يفعل “حزب الله”.
وفي خطوة مشابهة لتلك التي اتخذها عام 2008، قرّر الحسيني الانسحاب من الانتخابات النيابية لعام 2018، قبل إغلاق باب تسجيل اللوائح الانتخابية، علماً أن لائحته كانت تضمّ شخصيات من الطائفة الشيعية معارضة لـ”حزب الله” و”حركة أمل” كانت تعوّل على حيثيته الشعبية للعبور إلى البرلمان.
وقال الحسيني في بيان انسحابه إن “المواجهة الآن تقوم على عدم الاعتراف بشرعية هذه الانتخابات التي تنظمها سلطات لا شرعية لها أصلاً، والمواجهة تقوم في الأساس على المبادرة إلى فرض تطبيق الدستور بما ملكت أيدي المواطنين والمواطنات، وصولاً إلى تحرر اللبنانيين واللبنانيات من الوصايات الطائفية السياسية، وتحرير لبنان من الوصايات الأجنبية، وبالتالي إقامة النظام بصيغته المدنية على أسس الحرية والمساواة والاستقلال”.
( المصدر : العربي الجديد )