انخفض الجنيه أمام الدولار بنسبة تخطت الثلثين في أقل من عام، وبلغ حتى منتصف تعاملات الأربعاء الماضي نحو 32 جنيهاً للدولار، قبل أن يهبط بعدها بساعات إلى أقل بقليل من 30 جنيهاً، بتدخل صناديق خليجية عززت موقف الجنيه بشراء أسهم وسندات بالدولار لإظهار وفرته.
وحسب مراقبين، يمكن بسهولة ملاحظة الخطة القديمة المتكررة التي تعتمد على خلطة من عدة عناصر، هي كالآتي: رفع الفائدة، ثم خفض الجنيه رسمياً، بعد ارتفاع كبير لسعر الدولار بالسوق الموازي بآليات تقودها جهات وشخصيات غامضة وربما نافذة، وتتبع ذلك حالة من الارتباك في السوق السوداء، ثم شائعات بانخفاض الدولار وأنه لا يجد من يشتريه.
فجأة ترتفع الفائدة وينخفض الجنيه بشكل حاد: هبوط ثم استقرار ثم قفزة كبرى تتجاوز التوقعات وتكسر حاجز السعر بالسوق الموازي، بالتوازي مع حملة اعتقالات للمضاربين وغلق للصرافات، وفق المراقبين.
يتذكر المتعاملون بالسوق الموازي ما جرى طوال عام 2016، واختتم بأكبر تعويم حتى تاريخه، وهو شبيه بما جرى في مارس/ آذار الماضي ثم سبتمبر/ أيلول الماضيين، وأخيراً يناير/ كانون الثاني الحالي.
38 جنيهاً كان سعر الدولار في السوق السرية منذ شهر تقريباً، وسط شائعات بين متعاملين في السوق الموازي، تحدثوا لـ”العربي الجديد”، عن أن جهازاً حساساً يقوم بمناورة كبرى مع التجار وكبار المضاربين، كما فعل من قبل عام 2016، اعتماداً على معلومات مسبقة لديه بما ستقرره الحكومة لاحقاً.
استفاد هذا الجهاز من تلك المعلومات بتحقيق أرباح عبر ذات الآلية التي ينتهجها التجار والمضاربون، ثم قرر في لحظة ما حاسمة، توجيه ضربة لهم تعجزهم عن التلاعب عند صدور تلك القرارات بالتعويم.
هذا السيناريو جرى بالضبط عام 2016 باستدراج كبار تجار العملة والمضاربين، بغرض التربح من ورائهم ثم مباغتتهم باعتقالات بالجملة، بعد تتبعهم وكشف خيوط الربط بينهم. وحسب مصادر، تعتمد الخطة المعتادة في البداية على نشر شائعات مكثفة بوصول الدولار إلى أرقام غير مسبوقة خلال أيام، في المرة الأخيرة قالت الشائعات إن الدولار سيتجاوز سقف الأربعين جنيهاً، وتعززت الشائعات بالقيام بشراء مكثف للدولار من السوق، ما جعل الطلب عليه مرتفعاً.
ظل الارتفاع يتغذى بالشائعات مع القيام بالشراء المكثف، حتى ندر الدولار، وبلغ مستوى كاد أن يلامس حاجز الأربعين جنيهاً، حينها تقرر بيع حصيلة الشراء السابقة، ومع حالة العطش بالسوق الموازي، بيعت كميات ضخمة حقق الجهاز من ورائها أرباحاً بمليارات الجنيهات، في ما سمته مصادر من المستوردين تحدثت لـ”العربي الجديد” عملية “ركوب السوق السرية”.
مع كثافة عمليات البيع والشراء، اتضحت للجهاز خريطة المتعاملين بالسوق، سواء من كبار التجار أو المضاربين، وهنا انطلق الجزء الثاني من الخطة بتتبعهم وملاحقتهم والقبض عليهم وتحريز ما بحوزتهم من كميات قدرت أحياناً بعشرات الملايين من الدولارات، إلى حد أن أحدهم اعتقل وبحوزته مائتا مليون دولار، ما بات معه خبر القبض على تاجر عملة خبراً اعتيادياً يُنشر في مواقع الإنترنت يومياً.
وزاد الارتباك في السوق السري بسريان شائعة بوجود دولارات مزورة بالسوق، يصعب اكتشافها، نظراً لأنها “إيرانية” أو “لبنانية” التزييف، بدعوى أن إيران تزيفها بشكل متقن وتبيعها من طريق حزب الله في لبنان بسعر أقل من الدولار الرسمي، لتحقيق ربح من ناحية، ولضرب العملة الأميركية من ناحية أخرى.
نجحت تلك الأخبار حول العملات المزيفة في لجم التعاملات بالسوق الموازي إلى حد ما، مع تزايد خشية صغار المتعاملين من الوقوع في فخ الدولارات المزورة، ولا سيما أن كثيراً من صغار المتعاملين يقتنون الدولار بغرض حيازته لأمد بعيد ريثما يرتفع سعره رسمياً، ما يجعلهم ساعتها غير قادرين على إرجاع المزور لأصحابه بعد مرور كل هذا الوقت.
نجحت الخطة مجدداً، في ما يبدو، كما بينته جولة سريعة على مجموعات بيع وشراء الدولار على الفيسبوك، لتكشف أن المعروض أكثر من المطلوب، بسبب استمرار العمل بقرارات حكومية لتحجيم طلب المستوردين للدولار، منها عدم قبول البنوك لدولارات غير معروف مصدرها، فضلاً عن استمرار وقف العمل بالاعتمادات المستندية، ووقف تصدير الذهب، الذي كان باباً خلفياً لقيام المستوردين بالدفع من خلاله للموردين بالخارج.