د. أميرة أبو الفتوح
أثار صحفي مصري موجة من الغضب الشديد لدى عشرات الملايين من الشعوب العربية وليس الشعب المصري فحسب، بهجومه الحاد وغير المبرر على أهم الدعاة وأشهرهم في القرن الأخير، الشيخ الجليل “محمد متولي الشعراوي”، الذي مر على وفاته أكثر من ربع قرن.. ولكن فجأة وبعد مضي كل هذه السنوات، يكتشف الصحفي أن الشعراوي “داعشي” ويتهمه بالتطرف وأنه نواة الإرهاب في مصر، وبالمتاجرة بالدين ومعاداة المرأة وأنه ممثل، وأشياء أخرى باطلة خرجت من فم كريه، لا يخرج منه إلا نكدا وكذباً وطعناً في الدين الإسلامي، من خلال الهجوم الدائم على رموزه ومؤسسته الدينية، الأزهر الشريف، بل بلغت به الوقاحة التشكيك في السنة النبوية الشريفة، والتطاول على الصحابة. بل ذهب لأبعد من ذلك؛ بإنكار ما ورد في القرآن الكريم من معراج النبي عليه الصلاة والسلام إلى السماء عند سدرة المنتهى!
لم يطاوعني قلمي كتابة اسمه كي لا يتلوث وكي لا أحقق له مبتغاه من الشهرة والمزيد من الانتشار.
وما أن بدأ هذا الأفّاق الكاذب على الله معزوفته الوقحة حتى أكملت باقي الجوقة من العلمانيين ممن يسمون أنفسهم زوراً وبهتاناً “التنويريين”، معزوفته من التطاول والهجوم الشرس على الشيخ “الشعراوي”. لقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، وبدت وكأنها حملة منظمة وممنهجة ضد الشيخ الشعراوي، إثر فرية اخترعوها كي يخرجوا ما في صدورهم من كراهية وحنق وغيظ وحقد على الإسلام؛ من خلال الهجوم والطعن في واحد من أهم رموزه وأكثرهم تأثيراً وحضوراً عند المواطن العادي في العصر الحديث.
بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر، وبدت وكأنها حملة منظمة وممنهجة ضد الشيخ الشعراوي، إثر فرية اخترعوها كي يخرجوا ما في صدورهم من كراهية وحنق وغيظ وحقد على الإسلام؛ من خلال الهجوم والطعن في واحد من أهم رموزه وأكثرهم تأثيراً وحضوراً عند المواطن العادي في العصر الحديث
فقد زعموا أن وزارة الثقافة ستنتج مسرحية عن إمام الدعاة الشيخ “الشعراوي” في رمضان، تتناول سيرته الذاتية، وهو ما نفته وزيرة الثقافة فيما بعد، من خلال مداخلة على إحدى القنوات.
وأنا ككاتبة دراما أرى أنه من الصعب بل من المستحيل، تناول شخصية بحجم الشيخ الشعراوي ومراحل حياته المختلفة منذ نشأته الأولى وأهم تلك المحطات الثرية في حياته، ومآثره التي لا حصر لها وما تركه من تراث ثمين محفوظ في قلب الأمة وفي صدور المؤمنين، في مسرحية لا تزيد مدتها عن الثلاث ساعات. كما أن خشبة المسرح محدودة المساحة لا تتسع لتغيير الديكورات الكثيرة جداً منذ النشأة الأولى ومراحل الحياة المختلفة حتى وفاته.
وبشكل عام، فالمسرحيات ليست وسيطاً فنياً جيداً لتجسيد الِسيَر الذاتية لرموز الأمة، سواء من رجال الدين أو رجال العلم أو رجال الثقافة أو الزعماء السياسيين. ولقد سبق وأنتج التلفزيون المصري منذ عشرين عاماً، مسلسل “إمام الدعاة”، في ثلاثين حلقة، تناول مشوار حياته الثرية ولقي استحساناً كبيراً لدى الشعوب العربية..
لا شك أن تلك الجوقة البغيضة من أدعياء التنوير، والتي أقامت حملتها المسيئة للشيخ بذريعة هذه المسرحية المزعومة، لا تستطيع مواجهة الإسلام والطعن في القرآن الكريم صراحة والجهر به علناً؛ نظراً للضمير الجمعي للأمة، والذي أثبت بعد هذه الحملة الشعواء أنه بخير وأنه على فطرته، لا يقبل أن تُمس عقيدته وهويته ورموزه الأصيلة، ولأن هؤلاء القوم أضعف بكثير من الإقدام على ذلك، فيتحايلون ويتخفّون وراء علماء الدين ويتطاولون عليهم للتشكيك في الإسلام وفتح ثغرة يمررون من خلالها اعتراضاتهم على بعض آيات القرآن وأحكامه والسخرية منها. لكن هذا الدين القيم لم يستطع جبابرة الأرض على مواجهته طوال أكثر من 1400 عام، فهل يستطيع هؤلاء الأقزام ذلك؟!
هؤلاء الأقزام، لا يدركون أن الإسلام كلما هاجموه ازاد قوة ومناعة، إنهم يُستخدمون فقط من قِبل جهات داخلية وإقليمية. فالكنيسة الأرثوذكسية يزعجها تنامي التيار الديني وتراه خطرا وجوديا عليها، ودولة الإمارات تريد أن تروّج للدين الإبراهيمي الجديد وترى في الأزهر ورموزه عائقاً في انتشاره، كما أن الغرب لديه فوبيا من الإسلام (إسلاموفوبيا)، ولذلك فهو يمول حملات مسيئة للإسلام من خلال مؤسسات إعلامية ضخمة، فقناة الحرة (الأمريكية) على سبيل المثال، تخصص برنامجين، أحدهما لذلك الصحفي الذي بدأ الحملة على الشيخ “الشعراوي”، والآخر لمن يطلقون عليه زوراً وبهتاناً “الداعية الشاب المستنير”، وهناك قناتان إماراتيان تبثان من أرض الكنانة تقومان بنفس الغرض المسيء للإسلام، هذا بخلاف مراكز أبحاث عديدة أقيمت في البلاد العربية والولايات المتحدة لتحقيق ذات الهدف..
رب ضارة نافعة، فقد أعادت هذه الحملة المسيئة للشيخ “محمد متولي الشعراوي”، إحياء سيرته من جديد والتذكير بمآثره الحسنة، وفضله على ملايين المسلمين الذين عرفوا دينهم وأحكامه من خلال تفسيره العصري للقرآن الكريم بأسلوبه السهل الشيّق الذي يفهمه الأمي والمتعلم، فتداول الناس تسجيلاته من جديد وكأنهم يسمعونها لأول مرة
حقاً رب ضارة نافعة، فقد أعادت هذه الحملة المسيئة للشيخ “محمد متولي الشعراوي”، إحياء سيرته من جديد والتذكير بمآثره الحسنة، وفضله على ملايين المسلمين الذين عرفوا دينهم وأحكامه من خلال تفسيره العصري للقرآن الكريم بأسلوبه السهل الشيّق الذي يفهمه الأمي والمتعلم، فتداول الناس تسجيلاته من جديد وكأنهم يسمعونها لأول مرة من الشيخ الجالس أمامهم الآن، ما زاد من غيظ وحنق هؤلاء الحمقى..
ومن مآثر تلك الحملة المسيئة أيضا، والتي جاءت على غير هوى مدبريها ومنظميها والمشاركين فيها، والتي كانت موجهة أساساً لاستقطاب الأجيال الجديدة إلى عالمهم الضال وإبعادهم عن الدين، فإذا بهذا الشباب المستهدف والذي لم يعاصر الشيخ ولم يعرفه ولم يشاهده ولم يقرأ له؛ تتجه أصابعه نحو مؤشر جوجل من باب الفضول، ليعرف المزيد عنه وينهال لشراء كتبه وتسجيلاته التي لا تزال هي الأعلى مشاهدة في الأمة الإسلامية من شرقها إلى غربها.. فشكراً لكم أيها الحاقدون والكارهون للإسلام أدعياء التنوير، على حسن تعاونكم في إثراء ذكرى الشيخ الشعراوي، فلقد انقلبت حملتكم الضالة (الخائبة) على رؤوسكم، ولا عزاء للحاقدين الحمقى..
وهنا يحضرني قول الشاعر “أبي تمام”، الذي يلاحقنا دائما في واقعنا البئس فيلخص لنا تلك الحملة الشعواء بأبلغ الكلمات وأدق الصور:
وإذا أراد اللــه نشـــر فضيــلة طويت أتـاح لهـا لسـان حســود
لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كــان يعــرف طيـب العـــود
لولا التخوف للعواقب لم تزل للحاسد النعمى على المحسود
( عربي 21 )