تعاني مصر من أزمة عملة عنيفة، مع اشتعال الحرب الروسية، بعد تخارج مستثمري الأموال الساخنة بحوالي 25 مليار دولار، وارتفاعات أسعار الفائدة الأمريكية والأوروبية الأكبر منذ عقود، والتي تسببت في ابتعاد تجار الديون -الذين اعتمدت عليهم مصر بشكل كبير في الأعوام الماضية- عن الأسواق الناشئة. في المقابل، لدى مصر فجوة تمويلية تصل إلى 16 مليار دولار خلال الأعوام الأربعة القادمة. كما ارتفعت أسعار السلع الأساسية عالميًا، ما وضع ضغوطًا كبيرة على النقد الأجنبي المتوافر في مصر، والتي تعتمد على الاستيراد في كثير من السلع الأساسية والمواد الخام.
تسبب كل هذا في نزيف الدولار المتوافر. حاول البنك المركزي السيطرة على هذا النزيف عبر وضع قيود مشددة للغاية على كثير من عمليات الاستيراد. أحد أهم هذه القيود تمثلت في اشتراط أن تكون الدولارات المستخدمة في إتمام أي عملية استيراد قادمة من عملية تصدير مقابلة، وليس من خارج النظام المصرفي الرسمي.
كذلك سعت الحكومة للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي للحصول على قدر من الدولار، والأهم إعادة ثقة تجار الديون في السوق المصري.
وفي نهاية أكتوبر الماضي، استجاب «المركزي» لأحد أهم اشتراطات الصندوق، وأعلن تحرير سعر صرف الجنيه ليصل إلى 24.60 قرشًا خلال أيام قليلة. عند هذه النقطة، على ما يبدو، تدخل «المركزي» بشكل غير رسمي لوقف تدهور قيمة الجنيه والحفاظ عليه عند هذا المستوى. لكن ومع استمرار نقصه، ارتفع سعر الدولار في السوق السوداء ليتجاوز 30 جنيهًا. وكذلك استمرار ترقب «تعويم» آخر قد يقفز بالسعر الرسمي إلى 30 جنيهًا بحسب توقعات البعض.
ووسط هذا الارتباك، وجد البعض في الذهب مخرجًا.
يسترشد سعر الذهب محليًا بشكل مبدئي بأسعار الذهب المُقومة بالدولار في البورصة العالمية، كما يشرح رئيس الشعبة العامة للذهب والمجوهرات بالاتحاد العام للغرف التجارية، هاني ميلاد، لكن هذا لا يتعدى الاسترشاد. في النهاية، يستجيب السعر محليًا لأي تغيرات مفاجئة في العرض والطلب. هذا هو ما حدث خلال الأسابيع الماضية، حيث تجاوز سعر الذهب محليًا السعر العالمي بأكثر من 20%. و
بعد أسابيع من ارتفاع غير مسبوق في أسعار الذهب، تدخل البنك المركزي المصرى في محاولة للسيطرة على الأزمة. و
قرر «المركزي» حدًا أقصاه عشرة أيام لتحصيل المدفوعات الدولارية الناتجة عن عمليات تصدير الذهب. وفي حالة تجاوزها، سيقوم «المركزي» بإدراج المُصدّر والأطراف المُرتبطة به إلى «قوائم الإخفاق»، ما يعني شطبه من قوائم المسموح لهم بتصدير الذهب.
لكن القرار لم يكن فقط من أجل السيطرة على ارتفاع أسعار الذهب، وإنما الأهم السيطرة على سوق الدولار، والتي تواجه فيه مصر أزمة معقدة ونقصًا حادًا دفعها لتقليص الاستيراد والتحكم في حركة النقد الأجنبي قدر الإمكان طوال الشهور الماضية. أزمة نقص الدولار هذه كانت إحدى أسباب ارتفاع أسعار الذهب أصلًا.