إيهاب مقبل
تزعم السويد عادةً أنها من منطلق «حرية الرأي والتعبير» تسمح بإحراق المصحف الشريف في الشوارع والأماكن العامة، وإنها من هذا المنطلق ليس بمقدروها إيقاف منح التصاريح للمتطرفين الشعبويين بإحراقه. حجج باطلة لا تغني من الحق شيئًا، ولا تنفع صاحبها ولا من اتبعه وارتضاها.
يحظر القانون السويدي إحراق القرآن الكريم والكتب المقدسة الأخرى في الأماكن العامة، كما يحظر المساس بالعلم السويدي والرموز الملكية السويدية في الأماكن العامة، وذلك من عدة منطلقات، ولكن السويد وحكوماتها المتعاقبة تُكابر وتُجاهر في تحديها وأحتقارها للمسلمين لتلميع صورتها في الخارج على أنها بلد للحريات وهلم جرا.
ألغى القانون السويدي في العام 1971 عقوبة تدنيس الرموز، مثل تدنيس العلم السويدي عِبر إحراقه أو كتابة عليه شعارات مناوئة للدولة السويدية. لكن مع ذلك، فالقانون السويدي ما زالَ يحظر تدنيس العلم السويدي في «الأماكن العامة» وفقًا للأحكام المتعلقة بالسلوك غير المنضبط «السلوك الشائن»، وذلك بموجب الفصل السادس عشر، البند السادس عشر، من القانون الجنائي السويدي لعام 1991، والذي ينص على التالي: «أي شخص يصدر ضجيجًا في مكان عام أو يتصرف علنًا بطريقة من المحتمل أن تسبب غضبًا بين الجمهور، فإنه يُعاقب بغرامة مالية بسبب السلوك المثير للغضب».
و«المكان العام» مفهوم قانوني، إذ أدرج لأول مرة في الدستور السويدي في العام 1956، ويُشير إلى الطريق أو الشارع أو الميدان أو الحديقة أو الساحة أو أي منطقة يمكن للجميع الوصول إليها.
وفي السادس من يونيو حزيران العام 1997، غُرمَ شابَ يبلغ من العمر 17 عامًا بمبلغ 500 كرون سويدي، وذلك بسبب تلويحه بعلم سويدي مشوه أثناء الأحتفال بالعيد الوطني، وحينها كانت العائلة المالكة حاضرة بمناسبة مرور 50 عامًا على اليوبيل، وبحضور عدد كبير من الناس.
كان تبرير المدعي العام السويدي آنذاك أن الشاب خرقَ الفصل السادس عشر من القانون الجنائي السويدي لعام 1991، وذلك لإنه دنس العلم السويدي في مكان عام، «وليس في مكان خاص لا يراه عدد كبير من الناس»، مما سببَ إثارة وغضب الجمهور.
ومثال آخر، وجه أحد الأشخاص في العام 2015 سؤالًا إلى شركة «لو لاين» السويدية المتخصصة بالقانون، فيما إذا يُحاكم الشخص بتهمة التحريض ضد مجموعة من الناس عند إحراقه علم الشذوذ الجنسي «علم حراك المثيليين»، فكانت إجابة المستشار القانوني في الموقع كالتالي: «بشكل عام، يمكن القول إن إحرق علم حراك المثيليين يمكن مقاضاته تمامًا. أقرب الجرائم إلى اليد هي بالتحديد التحريض ضد مجموعة من الناس… ومع ذلك فإن العامل الحاسم هو كيف وأين يحدث الحرق. إذا كان في منزل شخص ما حيث يقيم عدد قليل فقط من الناس، فلا يُنظر إليه على أنه تحريض ضد مجموعة من الناس، بينما يُنظر إليه على هذا النحو إذا حدث، على سبيل المثال، في محطة ستوكهولم المركزية خلال ساعة الذروة».
وهناك أيضًا قانون جرائم الكراهية كالتحريض ضد المجموعات العرقية بسبب الأنتماء الديني، وهو بمفرده يكفي أيضًا لرفض منح تصريح إحراق المصحف الشريف أمام السفارة التركية في ستوكهولم يوم أمس السبت، على إعتبار إنه يشكل جريمة تحريض واضحة ضد المسلمين والشعب التركي المُسلم.
زيادةً على ذلك، يسمح لكل شخص في السويد بممارسة حريته، ولكن حريته تتوقف عند إنتهاك حرية الأخرين ومعتقداتهم. ناهيكم أن الحرق في الأصل هو «فِعل»، وليس رأي أو تعبير ككتابة مقال أو مناقشة حوارية هادفة.
ومن هذه المنطلقات يُفهم بوضوح أن إحراق المصحف الشريف في الأماكن العامة جريمة قانونية لا تغتفر في السويد، وبالتالي لا يوجد مسوغ قانوني عند الشرطة السويدية وقائدها الصهيوني، مطارد المسلمين كما وصفه الكاتب السويدي الشهير «يان غيو»، كلب الموساد الإسرائيلي كما وصفه المحامي السويدي «هينينج ويت»، السيء السمعة والصيت، ضابط الشرطة «أندش ثونبيري»، لمنح المتطرفين الشعبويين التصاريح بإحراقه. وبذلك، فإن حجة حرية الرأي والتعبير كذبة تروج لها السويد وسياسييها ووسائل أعلامها ليس أكثر.
( رأي اليوم )