ماريو ميخائيل
هل يمكن للسعودية إزاحة الدور المصري في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟
لسنوات طوال تميزت العلاقات المصرية السعودية بالعمق والتوافق في عديد من الملفات التي تقاربت فيها مصالح البلدين. وقد استمر هذا التوافق حتى وصول جماعة الإخوان إلى سدة الرئاسة في مصر. ومن ثم توترت العلاقات، التي سريعًا ما عادت إلى طبيعتها مع سقوط الجماعة، قبل أن تشهد مجددًا برودًا تدريجيًا بسبب اختلاف المصالح والأهداف فيما يتعلق ببعض الملفات الخارجية، أبرزها حاليًا هو الدور الخليجي المتنامي في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
لمصر دور الوساطة التاريخية في شأن هذا الصراع. وهو أمر تعززه العلاقات القوية التي تجمعها بالطرفين المتصارعين في الأراضي المحتلة. وهو دور عزز من مكانة مصر السياسية. لذا تنظر القاهرة إلى وساطتها بين الفلسطينيين والإسرائيليين باعتبارها ملفها الرئيس في موازنة علاقاتها الخارجية.
ومع هذا، فإن ثمة تحركات سعودية، تبرز سعي الرياض حاليًا لتقليص هذا الدور التاريخي لمصر. وهو أمر ليس بالإمكان فهمه دون النظر إلى السياق السياسي الإقليمي الراهن فيما يتعلق بالنزاع بين مصر والخليج حول قيادة المنطقة.
رغم أن مصر والسعودية تجمعهما أهدافًا استراتيجية عديدة، تفترق مصالح الرياض والقاهرة في قضايا مصيرية.
من الممكن ملاحظة هذه الاختلافات في الأهداف الاستراتيجية بين مصر والسعودية في نظرتهما لجماعة الإخوان. فعلى الرغم من أن السعودية كانت طرفًا هامًا في المحور المعادي للإخوان والدوحة، إلا أن الرياض -على عكس مصر- لا تعد الإخوان خطرًا يجب القضاء عليه نهائيًا.
الأخطار الرئيسية بالنسبة للسعودية هي إيران، والحوثيين في اليمن، وتنظيم داعش. بينما الإخوان لا يشكلون خطرًا. لذلك منذ صعود الملك سلمان إلى الحكم غيرت السعودية استراتيجيتها، بتخفيف عدائها لقطر وتركيا الداعمين للجماعة. ومن ثم بناء تحالف سني معادي للدولة الشيعية إيران. وهذا التحالف قد يشمل جماعة الإخوان وأتباعهم في الدول المختلفة.
يجادل الباحثان إلياس كوسكوفيليس وكونستانتينوس زاراس بأن تلك القضية هي واحدة من قضايا عديدة تعبر عن الاختلاف في المصالح بين مصر والسعودية مؤخرًا. بالإضافة إلى النزاع حول قيادة المنطقة في الوقت الذي يتعاظم فيه دور السعودية. إذ ترفض مصر في هذا السياق أن تصبح لاعبًا ثانويًا.
من القضايا الأخرى التي وسعت الفجوة بين السعودية ومصر هو رفض مصر المشاركة عسكريًا في حرب اليمن.
ففي حين أن السعودية مستعدة لدعم أطراف تمردية أو مجموعات غير حكومية لمواجهة إيران، مثلما دعمت السعودية حركات تمردية معادية للنظام السوري، ظلت مصر داعمة للدولة السورية، وترى أن الجماعات المقاومة للنظام في سوريا كلها إرهابية وتشكل خطرًا. الأمر الذي وصل إلى تصويت مصر في مجلس الأمن لصالح مشروع قرار روسي مؤيد للنظام السوري. ما أثار غضب السعودية.
كذلك، فإنه عند استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في 2017، أعربت مصر عن دعمها الرجل. وهو أمر عبر عن اختلاف مواقف آخر بين مصر والسعودية.
رغم أن السعودية لم تبرم معاهدة سلام مع إسرائيل بعد. فإن ثمة علاقة قوية في الخفاء وغير معلنة تربطها بإسرائيل.
يقول بروس ريديل، الزميل بمعهد بروكينجز، إنه رغم تقدير إسرائيل للتحالف غير المعلن، فإنها تأمل في إبرام اتفاق للتطبيع مع السعودية لأهمية ذلك الاتفاق في تمهيد ربطها بالعالم الإسلامي المعادي لوجودها.
وقد كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتياهو رغبته في هذا الاتفاق. وشدد في تصريحات سابقة على أن على الولايات المتحدة تعزيز تحالف تل أبيب مع الرياض، وأن إبرام مثل هذا الاتفاق قد يساهم في تحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين.
ومع ذلك، فإن هناك عدة عوامل تمنع السعودية من التطبيع العلني مع إسرائيل.
يبين استطلاع أجراه معهد واشنطن أنه رغم التزايد في عدد المواطنين السعوديين الذي يقبلون بعلاقات مع إسرائيل، تظل الأغلبية السعودية معارضة للتطبيع معها. ذلك بالإضافة إلى أن قضية القدس هي جزء من هوية السعودية ونفوذها الإقليمي والدولي المتعلق بدورها كخادم وقائد للأمة الإسلامية.
لكن أيضًا هذا لم يمنع الرياض من اتخاذ قرارات تمهد لهذا التطبيع مع إسرائيل، مثل فتح مجالها الجوي للطائرات الإسرائيلية، والسماح بزيارات لرجال أعمال إسرائيليين -حاملين جوازات سفر إسرائيلية- بفيزا خاصة من السعودية، من أجل التعاون في الاستثمارات، خاصةً في مجال استخدام التكنولوجيا في بناء مدينة نيوم.
والرياض ليست فقط صديقة لإسرائيل. بل حليف للسلطة الفلسطينية أيضًا.
إذ تعد السعودية من أكبر الدول التي تقدم المساعدات للسلطة الفلسطينية. منذ العام 2000 حتى 2018 فقط، قدمت السعودية مساعدات لفلسطين تقدر بـ 6.5 مليار دولار.
أحد أهم العوامل التي دفعت بالتقارب بين السعودية وإسرائيل اليوم هو وجود عدو مشترك للطرفين هو إيران، التي يراها كل جانب بمثابة خطر وجودي، يجب التخلص منه. وهو أمر تختلف معه مصر، التي تنظر إلى علاقاتها مع طهران بشيء من البراجماتية.
وقد توترت العلاقات بين مصر وإيران عقب سقوط حكم جماعة الإخوان، لكنها سرعان ما تحسنت. وفي الاحتفال بمناسبة الذكرى الأربعين للثورة الإسلامية الذي أقيم بالقاهرة، شاركت مصر بوفد دبلوماسي. بينما عبر الدبلوماسيون الإيرانيون عن رغبتهم بتطبيع العلاقات مع مصر.
ويجادل أنتوني زاماري ومحمود منشبوري في دراسة عن العلاقات المصرية الإيرانية، بأن النظام المصري لا يحدد سياسته الخارجية تجاه إيران بناءً على خلافات أو تحالفات طائفية. بل من منطلق تحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين.
وتتشارك إيران ومصر الموقف نفسه في سوريا على الأقل إزاء الموقف من الرئيس السوري، وهو موقف مؤيد لنظام بشار الأسد. والبلدان لديهما هدف استراتيجي واحد وهو القضاء على الجماعات الإرهابية المتطرفة.
أحد التحليلات يشير إلى أن طهران ترى أنه ليس من مصلحتها أن تخسر مصر “مركزها القيادي” بالمنطقة العربية. حيث أنه في حالة حدوث هذا ستهيمن الرياض على المنطقة. ولذلك قيادة مصر ضرورة لطهران مع أجل تحقيق التوازن في المنطقة.
عندما قابل وزير الخارجية سامح شكري نظيره الإيراني محمد جواد ظريف في 2016، شدد على أن مصر ترفض تغيير النظام في سوريا. لكنه قال إن الخلاف مع السعودية بشأن هذا مجرد اختلاف في وجهات النظر. وهو ما ردت عليه السعودية لاحقًا بأن أوقفت أرامكو إمداد مصر بالنفط.
ومع ذلك، فإنه رغم إمكانيات التقارب الإيراني المصري، لا تزال القاهرة حذرة، حتى لا تخسر الدعم المالي من دول الخليج، ودعم الولايات المتحدة كذلك.
العلاقة بين السعودية وحماس معقدة للغاية. فالسعودية تعد جماعة الإخوان إرهابية. لذلك تشارك الدول الخليجية في عدائها للحركة التي تتبنى أيديولوجيا الإخوان، ويزيد هذا العداء تقارب حماس مع إيران.
لكن وكما يقول Yoel Guzansky يوئيل جوزانسكي الباحث في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، يظل هناك قدر عال من البراجماتية بين حماس والسعودية.
وقد زار رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية السعودية في 2016 بغرض الحج. بينما كان السبب الحقيقي الحصول على “مباركة السعودية بخصوص منصبه الجديد”. كما أعلن في لقاء مع “روسيا اليوم” عام 2022، أن الحركة تسعى لإعادة العلاقات والتصالح مع السعودية.
وإن كانت العلاقة بين حماس والسعودية معقدة، فالعلاقة بين مصر وحماس أعقد بكثير.
فعلى الرغم من كون القاهرة لا تثق بحماس نظرًا لعلاقتها بجماعة الإخوان. إلا أن مصر دائمًا قادرة على لعب دور الوسيط بين إسرائيل وحماس. وقد زار إسماعيل هنية القاهرة عدة مرات، ولعبت المخابرات المصرية دورًا بارزًا في تبادل الأسرى بين الحركة وإسرائيل.
Ofir Winter و Yoel Guzansky الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي، يقولان إن مصر في وساطتها عقب الاشباكات بين حماس وإسرائيل في أغسطس/ آب 2022 ونجاحها بالتوصل لوقف إطلاق النار بالتعاون مع قطر، كانت لها مصالح على ثلاثة أصعدة:
أولًا، مصلحة أمنية تضمن تأمين الحدود مع غزة ومكافحة الإرهاب. ثانيًا، مصلحة سياسية تتضمن زيادة نفوذها في المنطقة، وزيادة أهميتها السياسية، خاصةً علاقتها مع الولايات المتحدة. ذلك بالإضافة إلى أن تدخل مصر يظهر الحكومة محليًا على أنها حامية للفلسطينين، ما يضفي عليها مسحة شرعية تحتاجها.
ثالثًا، المصلحة الاقتصادية، وهي تتضمن اشتراك شركات مصرية بعملية إعادة الإعمار داخل قطاع غزة، فضلًا عن تعزيز العلاقات التجارية.
وقد أظهرت الوساطة المصرية في غزة أهمية الدور المصري في تحقيق أهداف مصر السياسية، كما يقول مصطفى كامل السيد. وهو يرى أن القاهرة أرادت أن تثبت لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنها مازالت تلعب دورًا محوريًا في المنطقة، خاصة بعد التحليلات حول تقلص النفوذ المصري في المنطقة.
نجحت السعودية بالفعل في تعميق دورها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فكل من حماس وإسرائيل تسعيان لتقوية علاقاتهما مع السعودية. هذا فضلًا عن نفوذ الرياض النابع من المساعدات المالية للسلطة الفلسطينية.
ربما قد تكون تلك واحدة من القضايا التي تعبر عن الصراع على قيادة المنطقة بين الرياض والقاهرة.
دور مصر المحوري كوسيط بين الفلسطينين والإسرائيليين ظل ورقة هامة أكسبت مصر نفوذًا واسعًا على المستويين الإقليمي والدولي. ولكن اليوم يبدو أن السعودية تحاول أن تزيح مصر من دورها القيادي في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هناك منافس قوي لمصر في هذا الأمر.
ومع ذلك، لا شك أنه حتى الآن يدرك الإسرائيليون والفلسطينيون والولايات المتحدة أهمية الدور المصري في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي لا يمكن تغييره بسهولة. ذلك بسبب ترسخ هذا الدور تاريخيًا، بالإضافة إلى الأهمية السياسية والعسكرية والاقتصادية لمصر. ولكن إن نجحت محاولات السعودية لتنحية مصر جانبًا واستبدال دورها القيادي في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فهذا سيكون له عواقب استراتيجية وسياسية خطيرة على مصر، وسيضعف نفوذها دوليًا وإقليميًا.
( مصر 360 )