مهند الحاج علي
الضربات على ايران بدأت
لم يُقابل الاتهام الإيراني لإسرائيل بالمسؤولية عن استهداف موقع عسكري في مدينة أصفهان بطائرات مسيرة، أي انكار إسرائيلي. التزام الصمت عن ضرب موقع عسكري في مدينة أصفهان وسط ايران السبت الماضي، وسط تواتر مصادر أميركية عن مسؤولية إسرائيل، يعني حكماً الإقرار بذلك. وهو أيضاً إصرار على تحويل الضربة الى رسالة تهديد، بما لا يُقفل باب التفاوض تماماً، رغم انطلاق قطار الضربات على المنشآت العسكرية الايرانية.
من خلال وسائل الاعلام، تُؤشر تسريبات حكومية الى مواضع القلق الإسرائيلية والأميركية حول برامج التسليح الإيرانية. وفقاً لتقرير في صحيفة “نيويورك تايمز”، قال الرئيس السابق للموساد داني ياتوم أن المصنع المستهدف في أصفهان، كان يُطور صواريخ سريعة، قادرة على الطيران بسرعة تفوق الصوت ب15 ضعفاً، وتتمتع بدقة عالية. بحسب المصدر ذاته، هناك قلق من أن تحمل هذه الصواريخ رؤوساً نووية مستقبلاً، أو أن تنقلها ايران لحلفائها في المنطقة.
لكن ايران لا تملك سلاحاً نووياً بعد، وقدرتها على تطوير هذه الرؤوس النووية غير واضحة، على الأقل من مصادر مستقلة بما أن هناك تخبطاً في التقديرات. يبقى أن التصعيد في هذه المرحلة بات ضرورة، إذ لم يعد بإمكان إسرائيل والولايات المتحدة الانتظار طويلاً وقد وصل البرنامج النووي الى مراحل متقدمة، في حين تواصل المفاوضات فشلها في تحقيق أي خرق. ليس ممكناً إحياء اتفاق قديم مع اختلاف ظروفه بالكامل، بدءاً من القدرات النووية الإيرانية التي تطورت، وانتهاء بالمهل الزمنية التي لم تعد منطقية. باتت التقديرات الأميركية تتحدث عن امتلاك ايران المواد المشعة اللازمة لصنع قنبلة نووية، لكن دون ذلك قدرات تقنية قد يستغرق اتقانها مدة تتراوح بين 6 شهور وسنتين بالكامل.
وتُضاف الى القائمة السابقة، التوترات الإيرانية-الأميركية والإيرانية- الأوروبية نتيجة تزويد موسكو بأسلحة لاستخدامها في الحرب الأوكرانية. من الواضح أن الأوراق اختلطت وبات هناك اهتمام أوسع بالحد من القدرات العسكرية الأخرى المتوافرة لدى ايران، وربما بات الملف النووي عنصراً أقل أهمية من المسيّرات والصواريخ الباليستية في قائمة الأولويات الأميركية. ربما لهذا السبب وقعت ضربة ضد الصناعة العسكرية الإيرانية، بدلاً من التركيز بشكل كامل على المفاعلات والقدرات النووية الإيرانية. هذه أولويات أميركية على ارتباط بالحرب الأوكرانية، لا إسرائيلية بالتأكيد.
كما أن هذه التوترات على خلفية الحرب الأوكرانية أفضت الى مشروع قرار أوروبي بتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية. لم يمر القرار حتى الآن، لكن مجرد البحث به أثار توترات مع الجانب الإيراني واستدعى تهديداً بالرد عليه. مجرد أن تصل العلاقة مع أوروبا الى هذا الدرك، دليل على تحولات لم يعد عكسها ممكناً خلال الشهور والسنوات المقبلة.
صفحة الانفتاح على الغرب طويت. وإيران الثمانينات المُحاصرة والمنهكة تطل برأسها، وقد تلجأ ربما للأساليب ذاتها في مواجهة غرب ترتفع احتمالات الصدام معه على وقع الضربات الأمنية والعسكرية الاسرائيلية، رغم أن الفارق الأساسي اليوم هو في الوضع الداخلي الإيراني وحركة الاحتجاجات التي أصابت النظام بالوهن، كما ألمح رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية وليام بيرنز أخيراً. الحركة الاحتجاجية متواصلة، وتتحول سريعاً الى نمط من التعبير السياسي لم يعد ممكناً اخماده، لكن الأرجح أن يُترجم أكثر فأكثر من خلال العنف وردود الفعل الدموية.
إيران أمام خيارات صعبة في الداخل والخارج، ولا تملك أدوات الإفلات من المأزق وشراء الوقت ريثما تتحول الظروف الإقليمية والدولية.
( المدن )