حل وسط، هذا ما توصلت إليه الكنيسة البريطانية بشأن موقفها من زواج الشواذ، وذلك بعد يوم تاريخي عاشته الكنيسة العريقة لإعلان قرارها بشأن السماح بهذا الزواج داخل الكنيسة، وذلك بعد أشهر من الضغوط السياسية والمدنية.
، اجتمع ما يُعرف بالمجمع العام (The General synod) -بمنزلة البرلمان للكنيسة البريطانية- من أجل مناقشة مقترح تقدم به رئيس أساقفة كانتربري، وبعد أكثر من 8 ساعات من النقاشات، صوّت 250 من أعضاء المجمع العام لصالح منح الكنيسة مباركتها لزواج الأشخاص من نفس الجنس، مقابل معارضة 181 من الأعضاء.
وبموجب هذا القرار، سيكون بإمكان الأزواج الشواذ القدوم للكنيسة من أجل الحصول على المباركة، وأن يقوم القس بقراءة الصلوات من أجلهم، لكن ليس لعقد طقوس الزواج الدينية داخل الكنيسة.
وكان الوصول لهذا الحل مخرجا لأزمة أثارت جدلا حتى بين كبار أساقفة بريطانيا، بين رافض للفكرة بشكل كامل ومؤيد لتبني الكنيسة لزواج الشواذ، في حين يقول متابعون للشأن الكنسي إن القرار خطوة انتقالية قد تستغرق 5 سنوات قبل الموافقة النهائية على زواج الشواذ.
يأتي ذلك بعد سنوات من الضغوط تعرضت لها الكنيسة بشأن الاعتراف بزواج الشواذ، ففي سنة 2013، أقرت إنجلترا وويلز رسميا زواج الشواذ، وصدرت قوانين تسمح بالزواج المدني بين شخصين من نفس الجنس، لكن الكنيسة في بريطانيا رفضت تغيير تعاليمها وقواعدها، وهذا راجع لكون الكنيسة تتمتع باستقلالية عن الحكومة والبرلمان، حيث تمر قرارات الكنيسة عبر المجمع العام الذي يعتبر الهيئة صاحبة الاختصاص.
ومنذ تلك السنة، تتزايد الضغوط على أساقفة الكنيسة للتعبير عن موقفهم من السماح بزواج الشواذ في الكنيسة، خصوصا بعد موافقة الكنيسة في أسكتلندا على إقامة مراسيم هذا “الزواج” داخل الكنيسة.
نتيجة لهذه الضغوط، دخلت الكنيسة منذ سنة 2017 في نقاشات تحت شعار “العيش بالحب والإيمان”، للخروج بقرار حول الموافقة على إقامة زواج الشواذ من عدمه، وقتها ظهر موقف كبير أساقفة كانتربري الذي كان يقول إنه من الصعب عليه تغيير قواعد الكنيسة، لكنه ترك الأمر مفتوحا للنقاش.
وخلال كل هذه السنوات، كانت أغلبية الأساقفة في بريطانيا لا تؤيد السماح بزواج الشواذ داخل الكنيسة، وكان أقصى ما يمكن القبول به هو الحل الذي توصلت له الكنيسة في ويلز، وهو الموافقة على “مباركة الزوجين والصلاة من أجلهما”، وهو التوجه الذي تبنته الكنيسة مؤخرا.
تعلم الكنيسة في بريطانيا أن قرارها الجديد لن يروق للمنظمات المدافعة عن ما يُسمى “حقوق المثليين”، خصوصا بعد أن انضم لها عدد من كبار الأساقفة الذين لهم شعبية ووزن داخل الكنيسة، كما هي الحال بالنسبة لأسقف أكسفورد، ستفين كروفت، الذي يعد من أكبر داعمي سماح الكنيسة بإقامة زواج الشواذ ومباركته داخل الكنيسة.
وكان هذا الأسقف خلف اعتذار الكنيسة في بريطانيا عن “سنوات من رفض المثليين، والتسبب في الكثير من الألم لهذه الفئة”، وهو الاعتذار الذي اعتبرته المنظمات المدافعة عنهم غير كاف.
هناك أيضا ضغوط سياسية على الكنيسة البريطانية، إذ يقود عدد من النواب من حزبي العمال والمحافظين -من المدافعين عما يُسمى “حقوق المثليين”- حملة من أجل فرض القوانين على الكنيسة، وسحب الصلاحيات التي لدى المجمع العام، وذلك لإجبار الكنيسة على السماح بزواج الشواذ بقانون يصوت عليه البرلمان.
لكن هذا الحل غير مقبول بشكل كبير في صفوف حزب المحافظين الذي لا يريد خسارة قاعدته الشعبية، وهي قاعدة محافظة ووفية للكنيسة البريطانية.
وتشير كثير من التقديرات إلى كون موافقة الكنيسية على تخصيص خدمات لزواج الشواذ، مثل “المباركة” و”الصلاة من أجلهما”، خطوة أولى ضمن خطوات كثيرة قد تأتي في السنوات المقبلة، وصولا إلى موافقة الكنيسة على إقامة زواج الشواذ.
وذلك ما أشارت له الكنيسة في ويلز، التي قالت إن إقامة الزواج للشواذ داخل الكنيسة سيكون ممكنا بعد 5 سنوات، وإن هذه السنوات ستكون مثل مرحلة انتقالية للوصول إلى اتفاق بالإجماع.
أكد الأمر نفسه أسقف “يورك”، ستفين كوتريل، الذي يعد من أعمدة الكنيسة البريطانية، والذي قال إن قرار الكنيسة الأخير “ليس نهاية الرحلة بقدر ما هو خطوة جديدة، فلأول مرة سيتم السماح للمثليين المتزوجين زواجا مدنيين بدخول الكنيسة، للحصول على المباركة”.