بدر الساري
السامسونج .. و إهانة مصر أمام السعودية
بدون لف ودوران كما يقول أهلنا في مصر ، واحدة من أكبر المصائب السياسية التي تعيشها الكنانة – و الحق أنها ليست استثناء من أغلب البلاد العربية – هي أن النظام الحاكم ، و أجهزته الأمنية ، يتحكمون في كل كلمة تنشر في الإعلام .
ذلك التحكم الشرس ، الذي يحتكر الحكمة و الرؤية و مصلحة البلاد و العباد ، يحرم الدولة من أي رأي حر يغرد خارج السرب المجنون الذي يطبل للسلطة .
و من ثم ، و لأن بهاليل الإعلام لا يعنيهم سوى رضا ” جهاز السامسونج ” الذي يرسل التعليمات ، فإنهم لا يقيمون وزنا لمصالح البلد ولا كرامتها .
و حتي حين يخوضون معركة إعلامية فإنهم يخوضونها بأسلوب ” شرشحة الحواري ” ، بلا حكمة ولا رؤية و لا هدف و لا حتى معلومات و يتحولون إلى أراجوزات سرعان ما تتحول تعبيراتها إلى ” ترند ” لفرط سفهها و حمقها !!
كلنا نذكر أحمد موسى عندما استشهد بلعبة ” فيديو جيم ” لكي ” يطبل ” للجيش الروسي المعتدي في سوريا !!
و كلنا نحفظ بذاءات محمد الباز و عمرو أديب و نشأت الديهي و لميس الحديدي ، ضد كل تركيا و قطر ، اللتين تصالح معهما النظام المصري لاحقا بل و سعى لدعم مالي من الدوحة !
و كلنا نحتفظ في ذاكرتنا بمهزلة ” جهاز الكفتة ” لصاحبه الأراجوز عبدالعاطي ، الذي مثل إساءة بالغة للجيش المصري ، و الذي دافع عنه إعلام النظام و اعتبره قائدا لفتح طبي !
إعلام مصر أصبح مدرسة في الانحطاط و الوقاحة ، نقوم بتدريسها للصحفيين الشبان في الدورات التدريبية ، من باب التنكيت ، و أيضا لكي يفروا من هذا النموذج الإعلامي فرارهم من المناطق الموبوءة بالطاعون مثلا !!
فعلا ، في مصر طاعون إعلامي .
أقول هذا الكلام على خلفية المعركة التي ثارت خلال الأسابيع الماضية بين شخصيات إعلامية قريبة من نظام بن سلمان في السعودية ، و نظرائهم في مصر .
و الحق أن استخدامي لكلمة ” نظراء ” غير دقيق .
لأن الفارق الثقافي و الفارق في التعبير و في ذكاء الطرح بدا شديد الوضوح بين من هاجمو مصر من الجانب السعودي ، مثل تركي الحمد و خالد الدخيل و غيرهم ، و بين إعلاميي مصر الذين لا يملكون سوى ذلك القاموس الكوميدي من الشتائم و التطاول !!
و قد رأينا جميعا في نهاية تلك المعركة كيف تنصل النظام المصري ممثلا في قيادته ، من رجاله و أبواقه الإعلامية ، و وضعهم في خانة واحدة مع ” المواقع المغرضة ” !!
تخيل ، جريدة الجمهورية ، الحكومية ، الناطقة بلسان النظام ، موقع مغرض !
مصر تعيش أسوأ عهودها . لا شك في ذلك .
لدرجة أن النظام لم يكن لديه قلم واحد عاقل يحظى باحترام و مصداقية ينتقد به النظام السعودي الذي كان واضحا خلال المعركة الأخيرة أنه واثق من نفسه و واثق من انتصاره في النهاية ، ببساطة لأنه ” اليد العليا ” ، التي تعطي المعونات و تضخ المليارات التي تمثل طوق نجاة وحيدا و حصريا للنظام المصري الذي بات فشله الاقتصادي أمثولة يتناقلها القاصي و الداني و يتندر بها الصديق قبل العدو !
النظام السعودي ذراع أمريكي .
مخلب قط ينفذ خطط الغرب و الأمريكان بالمنطقة العربية .
و ينافس النظام الإماراتي على صدارة مشهد الوكالة عن الأمريكان و إسرائيل .
و لولا ذلك ما كان له أن يحكم ولا أن يستمر .
لولا التهافت على رضا إسرائيل ، و لولا التسابق على التطبيع معها ، و فرضها مهندسا للإقليم ، ما كنا رأينا لا بن سلمان ولا بن زايد في المشهد .
و منذ عقود ، يتم تخريب مصر لكي تخلو الساحة للخليج .
لكن أحدا من أبواق النظام المصري الذي خاضوا في المعركة اللفظية ضد السعودية خلال الأسابيع الماضية ، لم يشر لتلك الحقائق حتى من باب الانتصار لمصر !!
أولا ، لأن أحدا من تلك الأبواق لا تعنيه مصر ، لأن عينه معلقة بتليفونه المحمول في انتظار تعليمات السامسونج ، و قلبه معلق برضا ” الباشا ” الجالس في مقره الأمني !
و ثانيا ، لأن أحدا من تلك الأبواق لا يفهم ذلك الكلام أصلا ، و تلك هي المصيبة الأكبر . و الحقيقة أنه لو فهم لما استمر في التخديم على النظام ، لأن العقد الضمني – و المكتوب أيضا – بين النظام و أبواقه ، ينص صراحة على أن ” التطبيل ” فقط هو المطلوب . التطبيل في الحق و الباطل – علما بأن النظام في مصر لم يخض معركة حق مذ قفز للمشهد !
أداء الإعلام المصري في المعركة الأخيرة مع الإعلام السعودي كان دليلا آخر على أن مصر تنتهي . و تخسر حتى لسانها الذي لم يكن أحد ليصمد في مواجهته .
الفشل الإعلامي المصري وصل لدرجة أنه لم يظهر صوت موضوعي يرد على مهاجمي مصر السعوديين ، بطريقة تلجمهم لكنها – باحترافية – تترك بابا مواربا للعودة ، مما اضطر النظام للاعتذار على ذلك النحو الذي شاهده الجميع و هو اعتذار مثل إساءة جديدة لمصر !!
و استكمل النظام المصري اعتذاره على شكل مقالات صحفية كتبتها أبواقه تشيد بالسعودية و تؤكد على عمق العلاقة معها !!
السعودية التي حسمت أمرها منذ شهور في اتجاه التخلص من النظام المصري بل و من حكم الجيش كله !
و تسابق الإمارات الآن للاستيلاء بثمن بخس على باقي أصول مصر ، و معها شركات الجيش !
قديما ، قال الكواكبي رحمه الله أن الاستبداد أصل البلاء و موطن الداء .
لكن الاستبداد العربي عموما ، و النسخة المصرية خصوصا ، دشنا قاعدة جديدة هي : الاستبداد أصل المهانة و التفريط في كرامة الأوطان .
( بدر الساري ، كاتب عراقي ، من فريق عمل ” المنشر ” )