التحالف الوطني.. وتأميم العمل الأهلي
بدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي العام الجاري بالاحتفال بالتحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي الذي دشنته الرئاسة والمخابرات العامة خلال الأشهر الماضية، وتنفيذ ما أراده للعمل الأهلي وتحديدًا الخيري.
فبعد أن بدأ فترة حكمه بدخول السلطة عالم التبرعات من بوابة صندوق تحيا مصر، الذي انحصرت موارده في تبرعات من رجال الأعمال المقربين من السلطة أو الطامحين في القرب منها أو من الموظفين الحكوميين، بدأ عامه التاسع متربعًا على عرش العمل الخيري ومؤسساته، وذلك من خلال التحالف وصندوق جديد للعمل الأهلي يستعد الرئيس لتدشينه خلال الأيام المقبلة، بحسب تصريحات أعضاء بالتحالف لـ«مدى مصر».
أعلن السيسي في شهر رمضان الماضي، خلال إفطار الأسرة المصرية في 26 أبريل 2022، عن تنفيذ أجهزة ومؤسسات الدولة «مبادرة التحالف الوطني للعمل الأهلي والتنموي»، وكلف تلك الأجهزة بدعم المبادرة لتقديم الحماية الاجتماعية لتسعة ملايين أسرة، وأمر الحكومة بدعم التحالف بتسعة مليارات جنيه حتى نهاية عام 2022، بواقع ألف جنيه لكل أسرة، موجهًا الشكر لجميع الجمعيات والمؤسسات المنضمة للتحالف.
لاحقًا، وبعد اجتماع جمعه برئيس المخابرات العامة، عباس كامل، ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي، ومعهما رؤساء عدد من الجمعيات الخيرية، أعلن السيسي في أغسطس الماضي، زيادة الدعم الحكومي الموجه إلى التحالف بمقدار مليار جنيه إضافية.
لم يوضح الإعلان الأول عن «التحالف» من قِبل الرئيس ماهية تلك المبادرة، لكنه في الوقت نفسه دعا خلال نفس الإفطار الأجهزة المعنية ومؤسسات المجتمع المدني لإطلاق منصة حوار من خلال التحالف ووزارة التضامن الاجتماعي والمجلس القومي لحقوق الإنسان لتقديم الدعم للعمل الأهلي والمجتمعي واقتراح التعديلات التشريعية اللازمة لتسهيل العمل المجتمعي.
وبعد تسعة أشهر من عمل التحالف، ومطالبة الرئيس للقائمين عليه بضم جمعيات جديدة له، لم يكشف الرئيس أو أي من أجهزة الدولة أو الجمعيات المنضمة له عن القرار أو القانون أو اللائحة التي تنظم عمله، وماهية الهيكل الإداري والمؤسسي له، ومن الذي يحدد أنشطته، وأوجه صرف أمواله، وأوجه صرف المليارات العشرة التي وجه الرئيس بتخصيصها لأنشطته.
1- جمع المعلومات
تقول أمينة سر التحالف، نهى عبد القوي، إن «التحالف يقدم من خلال مؤسساته الشريكة خدمات للأهالي في القرى الأشد احتياجًا، لمساندة جهود الحكومة في دعم الفئات المستهدفة من المواطنين والأكثر احتياجًا».
في حين أكد والدها، طلعت عبد القوي، رئيس الاتحاد العام للجمعيات الأهلية وعضو التحالف، لـ«مدى مصر» إنه كيان «يقدم خدمات» و«ينسق» بين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، من حيث تبادل المعلومات والوصول للأسر الأكثر احتياجًا، وأنه بدأ عمله في مارس الماضي بتوزيع المواد الغذائية لكل الأسر الأكثر احتياجًا على مستوى الجمهورية.
مصدر بالهيئة الإنجيلية القبطية للخدمات الاجتماعية، تحدث مع «مدى مصر» بعدما طلب عدم ذكر اسمه، قال إن التحالف بات يوظِّف ويدير جهود المنظمات والمؤسسات التابعة له، فيملك قاعدة بيانات الأسر المستحقة للدعم، والأسر التي تحصل على مساعدات إنسانية من وزارة التضامن، ومن جميع الجمعيات المنضمة للتحالف، بما يمنع حصول أي أسرة على الدعم من أكثر من جمعية أهلية، فضلًا عن التخطيط المسبق للأنشطة الخيرية. وأشار عضو الهيئة إلى طريقة تنظيم العمل تحت مظلة التحالف: «نشارك من خلال التحالف في قوافل ‘ستر وعافية’، و’الخير’، وغيرها، لتقديم مساعدات غذائية وخدمات علاجية في القرى. لو هقدر أوفر 6 سيارات لكشف العيون، التحالف بيقولي ابعت عربيتين في أسيوط و2 في المنيا و2 في محافظة تالتة، ومؤسسة راعي مصر للتنمية تبعت عربيتين قلب أطفال وعربية أسنان وهكذا».
وعن مسألة جمع البيانات، تقول مستشارة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، هبة الليثي، إن وزارة التضامن تعتمد على بيانات مسح الدخل والإنفاق في تحديد المستحقين للمعاش والمساعدات التي تقدم من خلالها، لكن لا توجد معلومات متوفرة عما يعتمد عليه التحالف من بيانات. تضيف الليثي أن وزارة التضامن وهيئة الرقابة الإدارية تقومان الآن بالتنسيق لعمل Unified Data Repository وهو ما يتضمن قاعدة بيانات للأسر التي تتلقى دعم من الوزارة أو من الجمعيات الأهلية، ومن شأنه أن يمنع تكرار حصول أي أسرة على دعم من أكثر من جهة، وتوجيه الدعم في المقابل لعدد أكبر من المستحقين. تقول الليثي إنه في ظل غياب المعلومات الخاصة بالأنشطة التي يقدمها التحالف، يصعب رصد تأثير أنشطته في الوقت الحالي.
2- جمع الأموال
وبحسب طلعت عبد القوي، الفترة المقبلة ستشهد تقنين وضع التحالف بإشهاره ككيان أهلي يضم مجموعة من الجمعيات الأهلية ذات الأهداف المشتركة، بموجب المادة 19 من قانون الجمعيات، وإنشاء صندوق جديد للعمل الأهلي يشارك في رأس ماله الجمعيات المنضمة حاليًا أو التي ستنضم خلال الفترة المقبلة له، لاستثمار نسبة من أموال الجمعيات وتوجيه عوائدها لدعم الأسر الأكثر احتياجًا.
لم يحدد عضو الهيئة الإنجيلية قيمة الأموال التي يتم اقتطاعها من ميزانية مشروعات الهيئة لصالح القائمين على إدارة التحالف من الهيئة، مكتفيًا بالتأكيد على أن الهيئة استفادت كثيرًا من الانضمام له. وقال أعضاء مجلس إدارة أربعة جمعيات خيرية منضمة للتحالف أن التحالف يُسهّل الكثير من أنشطة الجمعيات في مقابل حصوله على نسبة من أموالها تُخصم من حساباتها في البنوك لصالح صندوق تحيا مصر تحت بنود مختلفة بينها الدعاية وتنمية موارد الصندوق.
في المقابل، قال رئيس جمعية أهلية تدير مستشفى خيري منضمة للتحالف، إن جمعيته تواجه نقصًا في التبرعات وتقلص في الخدمات الصحية، ورغم ذلك طالبه القائمون على التحالف بالتبرع لصندوق تحيا مصر خلال الأشهر الثلاثة السابقة على شهر رمضان، بالإضافة إلى النسبة التي يدفعها كدعم للتحالف وتكاليف الدعاية للقوافل الطبية التي تشارك فيها جمعيته ضمن أنشطة التحالف.
مصدر مطلع على عمل بيت الزكاة والصدقات، الذي يترأسه شيخ الأزهر، قال لـ«مدى مصر» إن كل من تمت دعوته للانضمام لعضوية التحالف استجاب، مشددًا: «الأمر لا يخضع للقبول والرفض». ودلل المصدر على ذلك بأن شيخ الأزهر، أحمد الطيب، المعروف بسياسته الخشنة مع الرئيس، وافق على انضمام بيت الزكاة والصدقات للتحالف. والأكثر من ذلك، استجاب الطيب لتوجيهات من القائمين على التحالف لتعيين وزيرة الاستثمار السابقة، سحر نصر، كمستشارة للشيخ للتطوير المؤسسي لصندوق بيت الزكاة والصدقات، ومديرة تنفيذية له، بما يعطيها الحق في مشاركة الطيب في إدارة الموارد المالية للصندوق. تبع ذلك إبرام نصر بروتوكول تعاون بين «بيت الزكاة» وبين صندوق تحيا مصر، يتضمن تبرع البيت للصندوق بـ105 ملايين جنيه لتطوير القرى الأكثر احتياجًا.
تعود الرغبة في السيطرة على مال الخير إلى وقت سابق. خلال الترتيب لمنتدى شباب العالم الذي انعقد في شرم الشيخ في نوفمبر 2017، طالبت وزيرة التضامن السابقة، غادة والي، جميع الجمعيات الأهلية المشهرة على مستوى الجمهورية بموافاة وزارتها بالبيانات الخاصة بنشاط الجمعية والنطاق الجغرافي لعملها ومواردها المالية. أعلنت والي خلال المنتدى أن عدد الجمعيات الأهلية العاملة في البلاد حتى نهاية أكتوبر 2017 وصل إلى 48 ألف و300 جمعية، العدد الأكبر منها في القاهرة والجيزة والإسكندرية، وأن 12 ألف جمعية تنفق نحو عشرة مليارات جنيه سنويًا على العمل الأهلي، وأن 98% من تمويل الجمعيات من تبرعات المصريين.
وبحسب عضو بالتحالف، برزت الحاجة لتوظيف أنشطة الجمعيات الأهلية ضمن خطة الدولة منذ ذلك التاريخ، خصوصًا بعد أن رصدت زيادة حصيلة التبرعات التي تتلقاها جمعيات مثل مصر الخير ورسالة وبنك الطعام وبيت الزكاة والصدقات وجمعية مجدي يعقوب، وغيرها، إلى أكثر من مليار جنيه لكل منها، في ظل عدم قدرة صندوق تحيا مصر على جذب التبرعات الطوعية.
وأضاف عضو التحالف أن المسؤولين عن الجمعيات في الأجهزة السيادية حددوا في البداية معيارًا واحدًا للانضمام لهذا التحالف يقوم على حجم التبرعات، وتمت إضافة عدد صغير من الجمعيات لا يتوفر بشأنها هذا المعيار، ولكن تشترك في قرب رؤسائها من الأجهزة، بالإضافة إلى عدد أصغر انضم للتحالف بناءً على طلبه. وبحسب طلعت عبد القوي، من المقرر أن تشمل الفترة المقبلة التوسع في ضم عدد كبير من الجمعيات للتحالف.
ضم التحالف منذ انطلاقه في مارس 2022 وحتى ديسمبر الماضي، 27 جمعية ومؤسسة أهلية، منها: حياة كريمة، بيت الزكاة والصدقات، الأورمان، بنك الطعام، مصر الخير، مجدي يعقوب، المعهد القومي للأورام، بهية، رسالة، ومرسال.
وعن آلية سيطرة التحالف على أموال الجمعيات، قال عضو التحالف إنه طُرحت العديد من الأفكار، أبرزها كان وضع التبرعات التي تتلقاها الجمعيات والمؤسسات الأهلية جميعها في حساب بنكي واحد تشرف عليه وتديره الجهات السيادية، وتقوم بتحديد حصة لكل جمعية وفقًا لحجم أنشطتها، وهي الفكرة التي رفضتها غالبية الجمعيات لعدة أسباب، بينها أن تصاريح جمع المال من المتبرعين تكون محددة بصرفها في نشاط محدد، واشتراط بعض المتبرعين تخصيص تبرعهم في نشاط محدد (إطعام، علاج… إلخ)، وهو أمر مرتبط بالقواعد الشرعية لإنفاق أموال الصدقات، فضلًا عن صعوبة وجود معيار عادل لتقسيم الأموال على الجمعيات، لاختلاف أنشطتها ونطاقات تغطيتها الجغرافية. وإزاء تلك الاعتراضات، توصل القائمون على التحالف إلى التصور الحالي الذي يقوم على إبقاء أموال التبرعات في حسابات الجمعيات الأهلية مع تكثيف الرقابة عليها، ومنح التحالف سلطة تحديد أوجه إنفاقها.
3- توفيق أوضاع
بالإضافة إلى جمع البيانات وتحصيل التبرعات، هناك دور آخر للتحالف يلعبه عبر «جروب واتس آب، وصفحة في فيسبوك، وضباط على اتصال بجميع أجهزة الدولة ينجزون كل الإجراءات والتصاريح، ولوجو»، بحسب أحد أعضاء مجلس إدارة جمعية أهلية منضمة للتحالف، تحدث لـ«مدى مصر» بعدما طلب عدم ذكر اسمه.
وأوضح المصدر، وثلاثة مصادر أخرى من أعضاء مجالس إدارات جمعيات أهلية انضمت للتحالف، أنه بمثابة باب للهروب من كل تعقيدات قانون الجمعيات الأهلية من ناحية، ومنصة للتنسيق واستصدار الموافقات الأمنية على أنشطة الجمعيات الأهلية المختلفة ووضع جدول زمني لتنفيذها، من ناحية أخرى.
اتفق مع هذا التعريف عضو الهيئة الإنجيلية، قائلًا إن الهيئة طُلب منها الانضمام للتحالف، ودخولها إليه «سهل كل الإجراءات وفتح أبواب الوزراء والمسؤولين أمامنا»، مشيرًا إلى أن الهيئة الإنجيلية تعمل في العمل الأهلي في مصر منذ 75 عامًا ومسجلة في القائمة (أ) من قبل هيئة الرقابة المالية من حيث ضخامة الأنشطة التي تشارك فيها، وتنفذ مشروعات بما يقرب من مليار جنيه سنويًا. ورغم ذلك، مشاركتها في التحالف وضعت عملها في بؤرة اهتمامات الجهات والأجهزة الرسمية».
يفسر المصدر: «نحن مؤسسة قائمة على الإيمان المسيحي -لها مرجعية دينية- نقوم بمشاريع تنموية لا تقوم على تبرعات المواطنين في الداخل، وإنما تموّل من مؤسسات دولية وكنائس عالمية في أمريكا وأوروبا، وكل دولار بيدخل الهيئة بيعدي على وزارة التضامن والأجهزة الأمنية.. الأمن الوطني، غير أن إصدار التصاريح والموافقات الأمنية لأنشطتنا كان صعبًا جدًا قبل وجود التحالف».
يضرب عضو الهيئة الإنجيلية مثالًا بأنه من بين أنشطتها دعم صغار المزارعين في محافظات الصعيد، الذين يمتلكون ما بين ثلاثة إلى تسعة أفدنة، وتشجيعهم على الزراعة التعاقدية، ولكن بمجرد الانضمام للتحالف باتت تلك الأنشطة مشروعات قومية، مضيفًا أن الهيئة أطلقت مشروعًا لدعم الفلاحين في ثماني محافظات بالصعيد لزراعة 150 ألف فدان قمح، بعد توفير التحالف موافقة الرئاسة على المشروع وتبنيها له باعتباره مشروعًا قوميًا يتعلق بالأمن الغذائي، مشيرًا إلى أن وزارة الزراعة والمحافظين تعهدوا بتوفير التقاوي والأسمدة للمزارعين بأسعار مخفضة، وتدريب المرشدين الزراعيين وجميع الوزارات المعنية على أتم الاستعداد للمساعدة.
رئيس إحدى الجمعيات الأهلية التي لم يُطلب منها الانضمام للتحالف، لديه رؤية مخلتفة، حيث قال لـ«مدى مصر» إن التحالف يستهدف «تأميم العمل الأهلي»، وخلق كيان موازٍ لوزارة التضامن الاجتماعي أقوى منها، تتبعه فئة مختارة من المؤسسات والجمعيات، مشيرًا إلى أنه بدلًا من أن تدعم الدولة الجمعيات وتزيل معوقات عملها، تقوم بالسيطرة على بعضها وتستقطع من ميزانيتها لتحقيق سياسات الحكومة بأموال التبرعات.
وعلى الجانب الآخر، تعتبر الليثي أن الفكرة النظرية للتحالف كمجمع للعمل الأهلي الخيري إيجابية جدًا، بشرط أن يؤدي أدوار متكاملة. كل جمعية يكون لها دور محدد والباقي يكمل عليها.
ولكن الليثي أشارت إلى أهمية أن يكون عمل التحالف متعدد نوعيًا، فتقول إنه لا ينكر أحد أهمية قوافل العلاج وتوزيع المواد الغذائية، وغيرها من المساعدات، ولكن مطلوب من التحالف في ضوء إمكانياته أن يقدم مساعدات متوسطة المدى: فرص عمل، بناء مساكن، محطات مياه وصرف صحي، بناء مستشفيات.. إلخ، على غرار ما تقدمه مبادرة حياة كريمة.
وعلى عكس التأثير الاجتماعي والاقتصادي لأنشطة للتحالف، يرى الأستاذ المساعد للاقتصاد السياسي في الجامعة الأمريكية، عمرو عادلي، أن التأثير السياسي ورغبة السلطة في تعويض غياب الحزب الحاكم بمركزة وتعبئة موارد الجمعيات الأهلية لصالح تحسين صورتها، هو أبرز أهداف التحالف، موضحًا لـ«مدى مصر» أن التداخل بين الأنشطة الخيرية وبين «الشبكات الزبونية» هو أمر قديم. يضيف عادلي أن هذه الشبكات تقدم دعمًا مباشرًا غير مؤسسي للمواطن لإرضائه وكسب ولائه، ومنذ السبعينيات، كان رجال الأعمال المرتبطين بعصبيات معينة يجمعوا بين عضوية الحزب الحاكم والمجلس المحلي، ويملك كل منهم جمعية خيرية تكون بمثابة قناة للتنسيق مع الجهاز البيروقراطي.
ويضيف عادلي، الآن لا يوجد حزب حاكم، وإنما جمعيات أهلية ضخمة لها مراكز وفروع كثيرة تمكنها من الوصول إلى عدد كبير من المواطنين، مثل «مصر الخير» أو «رسالة» أو «بنك الطعام» أو «الأورمان»، وكلها مؤسسات مليارية، تستغل السلطة مواردها وقدرتها لكسب ولاء عدد أكبر من المواطنين.
( المصدر : مدى مصر )