تشهد الجزائري صراع خفي روسي فرنسي إيراني، في ظل الحرب الأوكرانية، والثروات الغاز والنفط في الجزائر.
وتمتع روسيا بنفوذ كبير في الجزائر، وخاصة مع جنرالات الجيش الجزائري، والذي يعتمد على التسليح الروسي.
النفوذ الروسي في الجزائر
أعلن سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، في حوار مع “قناة روسيا اليوم RT العربية”، أن الولايات المتحدة الأميركية “هاجمت الدولة الخطأ”، عندما أرادت “معاقبة” الجزائر لعدم انضمامها إلى العقوبات المفروضة ضد روسيا.
ومن المرتقب أن يباشر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، شهر ماي المقبل، زيارة إلى روسيا للقاء الرئيس فلادمير بوتين وتباحث العلاقات الثنائية بين البلدين ولا سيما آفاق التعاون الطاقوي، وفق بيان صادر عن قصر “المرادية”.
قد تؤدي زيارة تبون القادمة إلى روسيا ، على خلفية زيادة الميزانية العسكرية البالغة 23 مليار دولار للعام المقبل ، إلى توقيع صفقات أسلحة جديدة مع الاتحاد الروسي. ومن المتوقع أن تستمر المفاوضات لفترة لكن النتائج لن تؤكدها الجزائر أو موسكو في أي وقت قريب.
وتسعى الجزائر بالحصول على المزيد من الاسلحة المتطورة من الصناعات العسكرية الروسية من أجل البقاء موازنة التفوق العسكري المغربي في صراع الصحراء المغربية.
وتعتمد الجزائر على واردات الأسلحة الروسية ، حيث اشترت 81٪ من معداتها العسكرية من روسيا على مدى السنوات الثلاث الماضية وتعمل كثالث أكبر مستورد للأسلحة لروسيا بعد الهند والصين.
خلال عام 2010 ، زادت صادرات الأسلحة الروسية بنسبة 129٪ عن العقد السابق.
و في عام 2022 ، تعد الجزائر ثالث أكبر عميل أسلحة لروسيا بعد الهند والصين، كما أجرت الجزائر وروسيا تدريبات عسكرية مشتركة في المناطق المتنازع عليها ، مثل أوسيتيا الجنوبية في أكتوبر/تشرين الأول 2021 ، واتفقتا على القيام بنشاط مماثل على الحدود الجزائرية مع المغرب في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 – اتفاق تم التوصل إليه أثناء الغزو الروسي لأوكرانيا.
ملف الصحراء المغاربية
ويعد ملف الصحراء المغاربية احد أبرز ملفات لنزاع بين الجزائر والمغرب، وهو من البؤر المتوترة في الوطن العربي، وتدعم الجزائر جبهة البوليساريو التي تسعى لانفصال عن المغرب، فيما تواصل الرباط جهودها من أجل ابقاء الصحراء المغربية تحت سيادتها.
كما رفضت الجزائر إدانة موسكو في الأمم المتحدة في مارس/اذار2022 ، على الرغم من التزام الجزائر التاريخي بمبدأ سيادة الدولة.
كذلك لم تقدم الجزائر تصويتًا على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 أبريل/نسيان 2022 بتعليق عضوية روسيا في مجلس حقوق الإنسان (HRC). ) ، وامتنع مرة أخرى عن التصويت على قرار 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022 بشأن الضم الروسي “غير القانوني” لأربع مناطق أوكرانية.
أيضا تعتمد الجزائر على دعم موسكو في سعيها للانضمام إلى مجموعة البريكس ، المنظمة التي تضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا.
ورحب ميخائيل بوجدانوف ، نائب وزير الخارجية الروسي والممثل الخاص لرئيس روسيا للشرق الأوسط ، بترشيح الجزائر في نوفمبر 2022 لمجموعة البريكس.
في المقابل تسعى روسيا لاستمرار نفوذها في الجزائر ، في ظل الدور الكبير للدولة المغاربية في أسواق الطاقة، ومحاولة دول الاتحاد الأوروبي البحث عن بدائل الغاز الروسي، والجزائر أحدى هذه البدائل.
وتدعم روسيا الجزائر في قضية الصحراء الغربية – التي تُفهم على أنها وسيلة لمواجهة تحالف المغرب مع الولايات المتحدة الاميركية – وألغت ديونًا جزائرية بمليارات الدولارات.
ويمكن لروسيا أن تستخدم وجودها في الجزائر ، على مسافة قصيرة من بوابة جنوب أوروبا ، كتهديد وخط فاصل بين منطقة النفوذ الغربية ومنطقة النفوذ الروسي؛ وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في حقبة الحرب الباردة ، كانت الجزائر دولة متحالفة مع الاتحاد السوفيتي.
النفوذ الايراني
أيضا دخلت إيران على خط الصراع بين الجزائر والمغرب، وتسعىى طهران من أجل اشعال صراع “عربي-عربي” كجزء من استراتيجيتها طويلة الأمد لاضعاف الدول العربية.
وتدعم إيران، جبهة البوليساريو عسكريا، ونشرت تقارير مغاربية عن دعم طهران الجماعات الانفصالية بالسلاح خلال السنوات الماضية.
كذلك وسعت ايران مع الجزائر في ظل تصاعد عداء “طهران-الرباط”، ومحاولة ايران استخدام الاراضي الجزائرية ودعم جبهة البوليساريو في تهديد المغرب.
وكشف الكاتب الجزائري والشخصية المعارضة أنور مالك دور الجزائر كميسر لأعمال إيران المزعزعة للاستقرار في شمال إفريقيا ، الذي أشار إلى تلاعب طهران بوكلائها المسلحين بالتواطؤ الكامل مع الجزائر.
وبموافقة كاملة من النظام الجزائري ، أرسلت إيران عناصر من حراسها إلى الجزائر لتدريب ميليشيات البوليساريو والدعوة إلى الشيعية في مخيمات تندوف.
وقال أنور مالك إن “نفوذ إيران في الجزائر يتصاعد بسرعة بمباركة نظام عسكري فتح الطريق أمام هذا التوسع لخدمة روسيا ومواجهة مصالح المغرب المجاور”.
النفوذ الفرنسي
وعلي صعيد النفوذ الفرنسي تمر العلاقات الجزائرية الفرنسية بتوتر بالغ وهو ما يزيد المساحة أمام روسيا في زيادة نفوذها داخل الجزائر.
وعادت الوتر بين باريس والجزائر، على خلفية بعد منح السلطات الفرنسية الحماية لصحفية جزائرية ونقلها من تونس، ما أغضب الجزائريين الذين استدعوا سفيرهم من باريس.
وأعلنت وزارة الشؤون الخارجية بالجزائر العاصمة عن “ضرر كبير” في العلاقة بين الجزائر وباريس، كما قرر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، استدعاء سفير بلاده لدى فرنسا “للتشاور”.
وقضية أميرة بوراوي، المعارضة الجزائرية، حاملة جواز سفر فرنسي، التي انتزعتها الدبلوماسية الفرنسية، ومنعت تسليمها إلى الجزائر أثناء لجوئها إلى تونس، حولت العلاقة بين باريس والجزائر إلى مرحلة حرجة جديدة.
وترى فرنسا في الجزائر فرضا للاستثمار الضخم، وهو ضمن الطموح الفرنسي ذو الحجم الجيوسياسي الذي لا يمكن التخلي عنه بسهولة.
وتقول صحيفة “لومند” الفرنسية إن المتفائلين الفرنسين بالرهان الجزائري يجدون بعض الراحة في حقيقة أن غضب الجزائر يمكن احتواءه.
وترى الصحيفة الفرنسية أن كلمات “ضرر كبير” و “لفتة غير ودية” في بيان الخارجية الجزائرية، تترك الباب للصلح مستقبلا، كما أن وكالة الأنباء الجزائرية، تقول الصحيفة، هاجمت “جهاز الدولة الفرنسية” واستثنت الرئيس، إيمانويل ماكرون.
ويعتقد مراقبون أن صراع نفوذ خفي يشتعل في الجزائر بين روسيا وفرنسا وايران، وكل يسعى لتحقيق مصالحه، في الدولة المغاربية.
وحذر المراقبون أن هذا الصراع يمكن أن يهدد الأوضاع في الجزائر، والتي تشهد عدم استقرار في ظل تردي الأوضاع المعيشية بالبلاد، ونشاط الجماعات الارهابية على حدود الجزائر مع مالي، وعدم استقرار الحدود الجزائرية الليبية.