بدر الساري
لماذا انتصر النظام المصري على المعارضة ؟
بحكم تخصصي الجامعي في تاريخ المنطقة العربية ، ثم بحكم عملي الصحفي ، ثم بحكم الانخراط المهني في غرف أخبار عدة قنوات فضائية غربية و عربية ، صار الشأن المصري خبزا يوميا بالنسبة لي . بل إنني مع توالي الأعوام تكونت لدي مصادر و تجمعت عندي معلومات حول مصر كانت مصدر دهشة لكثير من أصدقائي المصريين .
و من الملفات التي حرصت على متابعتها طول السنوات الماضية ، ملف المعارضة المصرية و خطابها و أفكارها و تحولاتها و أجندتها .
لذا فكرت منذ منذ فترة في عمل تقييم لتجربة المعارضة المصرية التي ناوأت النظام المصري من تركيا و الدوحة ولندن و أمريكا و غيرها من مواقع هاجرت إليها الأصوات المصرية المعارضة منذ 2013 .
و حين جلست منذ أيام إلى الكمبيوتر لكي أرصد الخطوط العريضة لما لدي في ذلك السياق ، اكتشفت أن حصاد المعارضة المصرية في الخارج طوال السنوات الماضية هو ” صفر كبير ” !
تفاصيل هذا الموضوع كثيرة وكبيرة و لا يمكن أن يحيط بها مقال أو اثنان او حتى ثلاثة .
لكن الحصاد الحالي يقول كل شيء .
فبعد سنوات من معارضة النظام المصري ، و هو بالمناسبة نظام لا يستحق إلا المعارضة ، و بعد قرابة العقد الكامل من السب و السب المتبادل بين إعلام المعارضة و إعلام السلطة ، ها هي أصوات معارضة مصرية مقيمة في الخارج تقبل الظهور على شاشات إعلام ” السامسونج ” كما دأبت على تسميته ، بحجة أنها تمثل الجالية المصرية في تركيا و أن إعلام النظام طلب من تلك الأصوات أن ” تطمئنه ” على أبناء مصر في تركيا !!
و كلنا يعلم أن ” أبناء مصر في تركيا ” ، أغلبهم معارضون ، محكوم عليهم بطيف واسع من الأحكام القضائية بداية من الإعدام و حتى السجن بكل درجاته .
و قد تابعت طوال الأيام الماضية سجالا حادا بين عدد من منتقدي ظهور قيادات مصرية معارضة بالخارج في إعلام النظام ، و بين مؤيدي هذا الظهور من المقيمين في الخارج أيضا .
الرافضون لذلك الظهور ذرائعهم معروفة و أغلبهم مازال يحارب طواحين الهواء ولا يعترف بالنظام المصري اصلا !
و المؤيدون يقولون أن ظهور تلك الشخصيات المعارضة كان للحديث حول ملفات اجتماعية و إنسانية تتعلق بالمصريين خلال الزلزال .
و الحقيقة أن الطرفين ليسا أكثر من جبهتين في معسكر تمت هزيمته بالضربة القاضية في عقر داره ، و من فترة كبيرة يستجدي من النظام المصري نظرة رضا ، و الدليل على ذلك أنه ما إن أعلن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ شهور عن ” الحوار الوطني ” الذي يعلم الجميع أنه عنوان بلا مضمون ، حتى تهافت أغلب المعارضين المصريين بالخارج على التلطف في الخطاب طمعا في أن ينالهم من الحب جانب !
و نسي هؤلاء أن النظام المصري الذي قتل الناس جهارا نهارا في رابعة و النهضة و غيرهما ، ثم طارد الجميع بلا هوادة ، و أعدم الكثيرين بلا رحمة ولا محاكمات عادلة ، يعتبرهم تهديدا وجوديا و لن يقبل بهم بشكل حقيقي أبدا !
و تجاهل هؤلاء ، أن ذريعة ” الحديث في المسائل الإنسانية ” و ” أحوال المصريين في تركيا بعد الزلزال ” و أن ” دورهم اجتماعي فقط ” لن تنفي حقيقة أنهم شخصيات معارضة خرجت من مصر لتعارض و عارضت بالفعل و أن كثيرا منهم دعا على الهواء لهدم الجيش و الدولة المصريين !
المعارضة المصرية بالخارج تتهرب من الاعتراف بهزيمتها هزيمة مبرمة على يد النظام .
و تتهرب أيضا من الاعتراف بحقيقة أنها كانت دائما معارضة عشوائية ساذجة تم الالتفاف عليها من جهات عدة و منها النظام المصري نفسه !
و تراوغ في القيام بأي مراجعات حقيقية تكوّن بها رؤية حول الواقع و المستقبل و الدولة و العلاقة بالسلطة !!
و هنا لابد ان نقول أن التواصل بين الأطراف السياسية المختلفة – حتى المتحاربة عسكريا – مطلوب في السياسة ، و أن المعارضة المصرية تاخرت جدا في هذا و كابرت بشأنه .
كان يمكن لتلك المعارضة أن تصل مبكرا مع النظام لحلول بخصوص المعتقلين أو أي ملف آخر لو أنها بلورت قراءة للمشهد أو رؤية للأزمة ، لكنها كانت معارضة جوفاء خطابية بلا مشروع .
في المقابل كان النظام منذ اللحظة الأولى – رغم جرائمه – صاحب رؤية و مشروع و خطط تدعمها أدوات الدولة المصرية .
لذا ، كان انتصار النظام حاسما و مسألة وقت .
و هو ما حدث .
( بدر الساري : كاتب عراقي ، من فريق عمل ” المنشر ” )