سليم عزوز
عودة ممدوح حمزة.. ماذا تعني؟!
ما بين رفع اسم المعارض المصري ممدوح حمزة من قوائم ترقب الوصول، وعودته إلى أرض الوطن، أيام معدودات، على نحو كاشف بأنها ترتيبات معدة سلفاً، مثّل فيها الحكم القضائي برفع الاسم إشارة له بأن الدار أمان. فالعودة لم تكن بدون مقدمات، أو مفاجأة كما يعتقد البعض بسبب أن الرجل استمر في خطابه المعارض، ولم يتصرف برعونة، مثل بعض المعارضين، الذين يسرفون في إثبات أنهم تحولوا، فيقدمون تنازلات ضخمة، ثم يكتشفون أنهم كانوا ضحية أفراد في الداخل تلاعبوا بهم وهم لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا، وقد يرق حال القوم لهم، لكن بعد أن يكونوا قد انتهوا تماماً، و”صار الواحد منهم كالترمس الذي حضوره يشبه غيابه”، كما قالت العرب!
النظام المصري، وبداية من عصر السادات، عرف سياسة “حرق المعارضين”، بيد أنه فقد هذه اللياقة تماماً منذ التسعينات. وليس بالضرورة أن يكون قد نجح مع الجميع، لكنه حقق نجاحات لا يستهان بها، ولم يكن يبخل حتى بالمنصب الوزاري على من يرونه نجماً بازغاً، كما حدث مع أمين الشباب بحزب العمل الاشتراكي حلمي الحديدي، ولم يكن واحداً مثل الشيخ يوسف البدري بحاجة إلى أن يعده مبارك بوزارة الحسبة وأن يضمه للحزب الوطني، حتى يذهب بعيداً، وكان حديث عهد بالسياسة ورجالها، وتمكنت السلطة من إنهاء قيمتها (الوزارة) السياسية، فحاول الحديدي أن يلملم أشلاءه المبعثرة بعد أن غادر الوزارة التي لم يمكث فيها طويلاً، وكذلك فعل البدري، لكن الجماهير أعطت لهما ظهورها؛ جزاء وفاقاً، ولم تقبل تقربهما منها!
رغم أن تجربة ممدوح حمزة السياسية قصيرة، إلا أن طبيعته الشخصية أكملت العجز في السياسي لديه، لذا فقد استمر في موقفه المعارض، حتى بدا نزوله لمصر مفاجأة، لمن يتابعونه. وفي تصريحاته عقب العودة لم يقدم تنازلات، فما فعله أنه طرح أماني وأحلاما، كانت سبباً في تصور البعض أن هناك ضوءاً في آخر النفق، وأنه يمكن لسلطة الحكم أن تكون قد تغيرت فعلاً، وأن هذه خطوة ستتبعها خطوات، فهل الحال كذلك؟!
ولا أعتقد أن سدنة النظام في مصر الآن يمتلكون هذه اللياقة، لأنه نظام ليس موفقاً، علم الله أن فيكم ضعفاً، وفضلاً عن هذا فإن المستفيدين منه هم مجموعة من الموظفين، لا السياسيين، ولأن وجودهم في الأساس في هذه الدائرة (المغلقة) هو بسبب عدم الكفاءة السياسية للنظام نفسه، ويخشون من توافر البدائل لهم، فيصبح وجودهم ككل على مولاه، إذاً لا بد من أن يعيش النظام في حالة حرب، لا تتوقف، حتى وإن كان المقابل هو صناعة زعامات من الهواء!
في أعماق ممدوح حمزة:
ورغم أن تجربة ممدوح حمزة السياسية قصيرة، إلا أن طبيعته الشخصية أكملت العجز في السياسي لديه، لذا فقد استمر في موقفه المعارض، حتى بدا نزوله لمصر مفاجأة، لمن يتابعونه. وفي تصريحاته عقب العودة لم يقدم تنازلات، فما فعله أنه طرح أماني وأحلاما، كانت سبباً في تصور البعض أن هناك ضوءاً في آخر النفق، وأنه يمكن لسلطة الحكم أن تكون قد تغيرت فعلاً، وأن هذه خطوة ستتبعها خطوات، فهل الحال كذلك؟!
قبل أن نغادر البر ونخوض في اللجج، فإن تجربة ممدوح حمزة السياسية كانت بعد الثورة، وهي تجربة القائد السياسي، وهي من نوع التجارب التي لا تمكّن صاحبها من أن يتعلم، لأن حوله دائماً تلاميذ يرونه الملهم، الذي يتعلمون منه، وهو من الذين وجدوا فراغاً بعد الثورة تمددوا فيه، وقد كان حضوره بهذه القوة، مثار غيرة من البعض، ومحاولة للبعض الآخر لتقليده.
وأتذكر أن أحد الأشخاص كان يتردد على مكتبي لشكوى تخص مشروعاً استثماريا له، يشكو من تعثره بسبب الفساد في عهد مبارك، وكان يعتقد أن النشر يمكن أن يلفت الانتباه له في حكم الرئيس مرسي، وأخبرته أنني سأنشر وأبشره مبكراً أنه لا أحد هناك يقرأ، فلما حدث ما توقعته، تعامل معي على أنني خبرة في السياسة، ومن ثم تردد على مكتبي كثيراً. وذات مرة حضر شريكه في المشروع بمفرده، وهو شخصية عربية، وبعد قليل عرفت السبب!
إن شريكه المصري يريد أن يكون ممدوح حمزة، لا سيما وأنه مثله بالنسبة للخبرات العلمية والتعليمية، فقد تخرج مثله من كلية الهندسة، ويملك مثله شركة مقاولات، صحيح أنها ليست بحجم وشهرة شركة ممدوح حمزة، لكنها في النهاية تعمل في نفس المجال، فماذا ينقصه؟!
كان اسم ممدوح حمزة قد أصبح في هذه المرحلة كالطبل، واحتشد خلفه بعض شباب الثورة، بما يؤكد زعامته السياسية. ورغم أن حديث ضيفي غريب، إلا أنني تعاملت معه بجدية، ومن ثم انطلقت للقول إن الوضع السياسي لممدوح حمزة لا يرجع لكونه مهندساً، أو مقاولاً، أو لقدرته على الصرف والإنفاق، ولكن لطبيعته الشخصية كرجل مقدام، يحسبه البعض مجنونا لذلك لكنها سمات تعجب الشباب، وأن هذه ليست مرحلة من يحسبونها بالورقة والمسطرة (القلم أدق، لكن المسطرة لزوم مجال عمل الرجل)!
تحول النظام:
وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فإن صاحبنا هذا المعجب بانطلاقة ممدوح حمزة السياسية والثورية، كان قد اتصل بي يطلب موعداً على عجل، عقب عودتي من الدوحة، وكنت قد عدت لمصر في يوم عيد الفطر من سنة 2013، قبل سفري بدون عودة، والتقينا في هذه المرة بكافتيريا “الأمريكيين” حيث تقاطع شارعي طلعت حرب و26 يوليو بوسط القاهرة، وكلفني بمهمة الاتصال بالإخوان وأنه يمكن أن يشارك في وساطة، لأن معلوماته أنه سيتم الفض بالقوة، وكان هناك شك من قيام الانقلاب بذلك، فهل جاء ليبحث عن دور، ليكون ممدوح حمزة!
اندفعوا يروجون بأن العودة عنوان لمرحلة، حيث انفراجة كبيرة ستحدث، واختلطت الرغبة بالأماني، وما قاله هو عن وطنيين في الخارج يحبون بلدهم ولا معنى لاستمرارهم في الخارج، يفتح شهية البعض! لا سيما وأن العائد ليس واحداً من آحاد المعارضين، ولكنه رمز من الرموز التي عرفها الناس بعد ثورة يناير، ولا سيما أنه ذهب في معارضته للحد الأقصى
قلت له إنني لم أذهب لميدان رابعة إلى الآن (لم أذهب أبداً)، وأنني لا أعرف أحداً من الذين يديرون المشهد داخل الجماعة بشكل شخصي، والذين أعرفهم ويعرفونني لن يقبلوا نصيحة من خارجهم، وربما اعتبروها رسالة أمنية تستهدف إرهابهم، وأن موقفي الرافض لعزل الرئيس محمد مرسي لا قيمة له عندهم، ما دام لا ينطلق من التسليم للجماعة تسليماً كاملاً، فالجماعة أهم من الرئيس، وأنهم قد يقبلونه هو عني، وعليه أن يذهب إليهم مباشرة، فإن احتاج لوساطة فلست الشخص المقبول لديهم للقيام بها.
ولا أعرف ماذا فعل، فقد انقطع الاتصال بعدها تماماً، ولا أعرف إلى الآن إن كان حامل رسالة، أو فاعل خير، أم فقط يريد أن يكون ممدوح حمزة، الذي مثلت عودته مفاجأة للجميع.
والذين يحلمون بسوق الخبز، اندفعوا يروجون بأن العودة عنوان لمرحلة، حيث انفراجة كبيرة ستحدث، واختلطت الرغبة بالأماني، وما قاله هو عن وطنيين في الخارج يحبون بلدهم ولا معنى لاستمرارهم في الخارج، يفتح شهية البعض! لا سيما وأن العائد ليس واحداً من آحاد المعارضين، ولكنه رمز من الرموز التي عرفها الناس بعد ثورة يناير، ولا سيما أنه ذهب في معارضته للحد الأقصى، فلم يكن في حرص علاء الأسواني مثلا، أو رعب عمرو حمزاوي، لقد ذهب إلى الحوار الذي دعا إليه أيمن نور رداً على الحوار الوطني بالداخل، ثم إنه فعل ما لم يفعله أحد من تجمع 30 يونيو بإعلان ندمه على المشاركة في إسقاط الرئيس محمد مرسي، وهي شجاعة تليق بشخص مثله حساباته قليلة، ولا يقبل الدنيّة، ويُستفز فيذهب إلى آخر مدى.
وهي عودة لا بد أن تغري من لم يكتب سوى كلمة أو لم ينطق سوى بجملة، وكثيرون في الخارج هم أيضاً خارج الخدمة، فلهم الحق إذا حلموا أن سماحة النظام التي شملت ممدوح حمزة لا بد أن تشملهم.. فماذا فعلوا هم بجانب المعارضة الجذرية لممدوح حمزة؟!
فات هؤلاء أن نقطة قوة ممدوح حمزة هي في تصرفه في الخارج على أنه حر، ثم إنه لا يمكن إنهاء ملفه بالادعاء أنه إخوان، أو أنه متطرف أصولي، ووجوده في الخارج يجعل المجال أمامه فسيحاً، وهم على مقربة من الانتخابات الرئاسية، وخطوته سريعة، فيبدو كمكوك فضائي، تسمع أنه في بيروت، ثم تقرأ أنه في لندن، ثم يسافر صباحاً إلى باريس، ويتناول العشاء في إسطنبول، وظروفه المالية تساعد خطواته، أما وجوده في الداخل فيسهل شل حركته، إن لم يكن بدافع منه، فسوف يكون بضغوط الأصدقاء، ممن يطوفون بالعتبات المقدسة، أقصد أضرحة أهل الحكم!
ولا أعتقد أن قرار عودته فكرة نابعة من النظام، فتيار الرجل الذي يتطوف بالعتبات وجد نفسه في حرج، لأن يكون رمزاً من رموزه في الخارج، فليست معارضة الخارج قاصرة على الإخوان وحدهم، وهم بقربهم من الحكم وأهله يتبنون خطاب السلطة بالطعن في وطنية معارضي الخارج، فماذا يقولون وممدوح حمزة معهم؟!
اللافت أن هذا خطاب توارثوه من عهد السادات (إنهم يهاجمون مصر في الخارج يا ولاد)، واللافت أن المعارضة حينذاك كانت من اليساريين الهاربين في العراق وسوريا وليبيا وفرنسا، لكنهم وهم في جوار الحكم يتبنون خطابه الذي كان موجهاً لهم ولرموزهم ولسادتهم!
وإذ سعوا لعودة ممدوح حمزة، فلرمزيته، لكن هناك من دائرتهم من هم في الخارج لكنهم ليسوا بالحضور الطاغي. لا أتحدث عن علاء الأسواني فقط، لكني أتحدث عن المخرج التلفزيوني الناصري علي أبو هميلة، وظني أنهم قاموا بمساع لكنها لم تنجح إلا في حالة ممدوح حمزة، لتصفية هذا الملف، فلا يكون لهم أحد في السجون، أو في الخارج، لتسهيل مهمة من باعوا بالرخيص، وتنازلوا عن حلم الرئاسة مقابل السماح لهم بأن يتطوفوا بالعتبات المقدسة، يبتغون عندها العزة، وذلك انطلاقاً من قاعدة “إذا فاتك الميري تمرغ في ترابه”!
لا انفراجه قادمة، ولا النظام تغير، ولا الحداية تلقي كتاكيتاً. ثم إنها عودة تمكن “الأطراف” من إقامة زفة، تؤكد أن موقفهم من “المركز” لم يكن عبثاً، وأن الخير قادم، والتحول الديمقراطي في الطريق، وذلك بفضل تأييدهم للنظام المستبد، فغيروه من الداخل. ألم تر كيف أنهم ينصبون الأفراح والليالي الملاح لمجرد نجاحهم في الإفراج عن معتقل أو أكثر، وكأنهم يسندون الجبل بظهورهم؟!
المسألة إذاً في هذه الحدود الضيقة، فلا انفراجة قادمة، ولا النظام تغير، ولا الحداية تلقي كتاكيتاً. ثم إنها عودة تمكن “الأطراف” من إقامة زفة، تؤكد أن موقفهم من “المركز” لم يكن عبثاً، وأن الخير قادم، والتحول الديمقراطي في الطريق، وذلك بفضل تأييدهم للنظام المستبد، فغيروه من الداخل. ألم تر كيف أنهم ينصبون الأفراح والليالي الملاح لمجرد نجاحهم في الإفراج عن معتقل أو أكثر، وكأنهم يسندون الجبل بظهورهم؟!
إن الذين يذهب بهم الخيال الجامح بعيداً لا يتعلمون البتة، فلم يتعلموا من درس الخيال العلمي الخاص بالدعوة للحوار الوطني، ولم يقفوا مع أنفسهم ليسألوا أين ذهب الله بحوارهم وقد تركهم في ظلمات لا يبصرون؟ وأين دعوة محمد السادات عن قوائم عودة المعارضين من الخارج، وعن لجنة العفو الرئاسي؟ فما هي حصيلة المفرج عنهم من وقت تأسيسها إلى الآن؟!
من يريد أن يسبح في مياه البطيخ فليفعل، لكن لا يطلب منه منافسته في ذلك، فهذا نظام ليس مؤهلاً لشيء مما في عقولهم، فلنتوقف عن أسئلة من نوعية: ماذا لو دُعيت للحوار الوطني؟ وماذا لو طلبت للعودة لأحضان الوطن الدافئة؟!
فماذا تعني عودة ممدوح حمزة؟.. الحقيقة أنها لا تعني شيئاً مما في رأسك!
فليس على النار هدى!
( عربي 21 )