في ظل ما تشهده السجون في #مصر من ارتفاع معدلات الانتحار، ترى الدكتورة نهى قاسم، طبيبة الصحة النفسية، مؤسس ورئيس مجلس إدارة جمعية سكينة للصحة النفسية و الدعم النفسي، أن تقييد حرية السجين و تغييبه عن مجتمعه و علاقاته الطبيعية و تعرضه للإهانة الجسدية أو اللفظية وحرمانه من الحياة الآدمية، يزيد من دوافع الانتحار داخل السجن.
مصر: سجين سياسي يواجه الموت في سجن القناطر
وأضاف الدكتورة نهى قاسم أنه بالإضافة إلى العوامل السابقة فإن تزداد عوامل الخطورة للإصابة بالاضطرابات النفسية المختلفة مثل اضطراب الاكتئاب و اضطرابات القلق بأنواعها ويزداد تفاقم الموجود منها، وتنعدم أسباب العلاج و التعافي منها.
وقالت مؤسس ورئيس مجلس إدارة جمعية سكينة للصحة النفسية و الدعم النفسي إنه لابد من تغيير الوضع داخل السجون بتوفير عوامل الوقاية النفسية، و توفير أسباب الحياة الآدمية داخل السجون مثل التعرض للشمس، والتهوية بأماكن مفتوحة بانتظام، وفرصة لممارسة الرياضة، وتناول الطعام والشرب بانتظام وللارتقاء بالعقل عن طريق توفير الكتب و التعليم.
مصر: تقرير حقوقي يرصد محاولا انتحار المعتقلين في سجن بدر: تدمير نفسى ممنهج
وأيضا فرص لممارسة الهوايات المختلفة ولاستخدام الوقت بشكل يناسب السجين، والحفاظ على زيارات مع العائلة و الفراد المجتمع بشكل جيد و بانتظام، الاطلاع على أخبار المجتمع و توفير فرص لمتابعة الحياة الخارجية مثل التليفزيون و الجرائد، وفقا لـ قاسم”.
وشددت رئيس مجلس إدارة جمعية سكينة للصحة النفسية والدعم النفسي على أن أهمية وجود أطباء نفسيين بانتظام للتشخيص المبكر والعلاج داخل السجون في مصر قبل تفاقم الحالات و تصل لمضاعفات شديد الْخَطَر مثل الانتحار، حَسَبَ ما نشرته الشبكة المصرية لحقوق الإنسان.
وحول تأثير العزلة الشعورية والبعد عن العائلة شكل انعكاسات سلبية شديد الْخَطَر على المعتقلين في ظل استمرار الأجهزة الأمنية في سياسة منع الزيارات عن عدد كبير من السجناء السياسيين، قالت “قاسم” إن الإنسان كائن اجتماعي يحتاج للتواصل مع الأخريين ليحقق بعض من احتياجاته النفسية وما ينتج العزل عن العائلة من أثار نفسية كثيرة وغير قابلة للحصر، حيث تنعدم الكثير من المداخلات الشعورية والحسية التي تسمح للإنسان بالسكينة والاستقرار النفسى والارتباط بالواقع والتمييز بين الواقع والخيال وقد ينتج عنها اضطرابات مختلفة مثل الاكتئاب والقلق وكرب ما يعد الصدمة واحيانا يصل الأمر إلى الإصابة بالفصام …… أو اضطراب ثنائي القطبين.
مصر: وفاة السجين السياسي سعد خضر بسجن برج العرب
وحول ارتباط بين الحالة النفسية والصحة العامة للمعتقل، وهل يمكن أن يظهر ذلك على هيئة أمراض وتدهور في حالته الصحية؟ ، أجابت “قاسم” إنه بالتأكيد هناك عَلاقة قوية بين الصحة النفسية والصحة العامة للإنسان و الصحة النفسية، فعندما تنخفض الصحة النفسية و تعتل الحالة المزاجية للإنسان يحدث تغير في المواد الناقلة العصبية، و بالتالي يحدث تغير في نسب الهرمونات في الدم (مثل هرمون الابينفرين) مما ينتج عنه تغير في تمدد الاوعية الدموية و انقباضها في الأجهزة المختلفة في الجسم مما قد يسبب اضرابات في ضغط الدم و نسبة السكر في الدم و الجلطات.
مصر: تقرير حقوقي يرصد محاولا انتحار المعتقلين في سجن بدر: تدمير نفسى ممنهج
وأيضا يحدث تغيير في هرمون الكورتيزون و الذي يرتبط بشكل أساسي بمناعة الجسم و يسبب امراض الجهاز المناعي و الاورام الخبيثة و يؤدي لاضطرابات شديدة في الجهاز الهضمي بمعنى آن تدهور الحالة النفسية يسبب تفاقم الأمراض المزمنة مثل السكر وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب و يؤدي الى تفاقم الأمراض المعدية و الأورام السرطانية و يؤدي إلى تزايد نسبة الإصابة باضطرابات الجهاز الهضمي و الجلطات و بالتالي يسبب الوفاة.
وأوضحت أن الإخفاء القسري على أسرة المعتقل آثاره صعبة جدا و هو ما نسميه الفقد المعقد بسبب عدم وضوح مصير المختفي هل هو فقد كامل بالموت؟ فيمر الأهل بمراحل الحداد المعتادة حتى يصلوا للتعافي، أو هل هو مازال حيا و معتقل؟ فيتمكنوا من زيارته أو متابعة وضعه القانوني هذه الحالة من الحيرة و عدم وضوح المصير تجعل التعافي مستحيل و يظل الأهل في ألم متجدد مستمر مع التأجيل المستمر لتفاصيل الحياة انتظارا للاطمئنان على مصير المختفي وبالتالي تتوقف حياتهم تقريبا فيزيد من تركيزهم على الألم فينتج عنه تفاقم اثار الضغوط عليهم مثل الأمراض البدنية و النفسية المختلة.
ولفت إلى أن قدرة السجين على التحمل العزلة والسجن، تتفاوت من شخص لآخر ومن وقت لآخر لنفس الإنسان حسب عوامل عدّة منها (العمر، عدد الضغوط السابقة التي تعرض لها الإنسان و كيف تعافى منها، الاستعداد الجيني للأمراض النفسية، وجود علاقات اجتماعية داعمة في حياته، وجود أهداف محددة و روتين و إنجازات صغيرة، وجود معنى و هدف سامي يسعى إليه، التفكير الإيجابي).
وأضافت أن السجين إلى زيادة صلابته النفسية بالمتاح مثل الحرص على معنى كبير وهدف سامي لحياته “بالنسبة لمعتقلي الرأي يكون هذا عامل رئيس في الحفاظ على صلابتهم النفسية و صحتهم النفسية ” و النظر للصورة الأكبراستخدام التفكير الإيجابي و استبدال الأفكار السلبية ببدائل اكثر إيجابية (النظر للنصف الممتلئ من الكوب)، الحفاظ على روتين جيد ليومه مثل ممارسة الرياضة و القراءة و استثماروقته فيما يفيده و تطوير نفسه، الحفاظ على التواصل مع الآخرين و الانخراط في أنشطة اجتماعية، الحرص على متابعة تطورات المجتمع وإخباره بحيث لا يحدث انفصال بينه وبين الواقع إنّ الأوضاع الإنسانية التي يعانى منها المئات من المعتقلين بسجن بدر 3 كارثية وبالغة السوء فى ظل الحصار المميت المستمر لسنوات والتى بدء اجراءته القمعية فى بسجن العقرب 1 واستمرت بنفس الوتيرة والمنهجية والتى تفرضه السلطات المصرية على المعتقلين السياسيين.
انتهاكات جسيمة فى سجن بدر بمصر .. 3 معتقلين حاولوا الانتحار ومرشد الإخوان يضرب عن الطعام
ورصدت الشبكة المصرية من خلال تقريرها الحصار، الانعكاسات والآثار النفسية السلبية شديد الْخَطَر لهذه الانتهاكات على المعتقلين، وقدمت من خلال آراء المختصين رصدا وتحليلا للعوامل النفسية التي من شأنها دفع المعتقل إلى إنهاء حياته، كما قدمت تفسيرا لإقدام العديد من السجناء على نفس الفعل لإنهاء معاناتهم المتواصلة، كما حدث موخرا في سجن بدر 3.
كما رصد الشبكة المصرية لحقوق الإنسان ردود أفعال المعتقلين التي وصلت منحنى شديد الْخَطَر على الإجراءات المتعسفة وغير المقبولة التي تمارس بحقهم، تعيد دق ناقوس الخطر، لاسيما بعد تحول مخاوفنا إلى وقائع ملموسة.
ودعت الشبكة الجميع بتحمل مسؤولياتهم الدستورية والقانونية والإنسانية سواء المسؤليين المصريين أو المجتمع الدولي للوقوف صفا واحدا أمام الانتهاكات شديد الْخَطَر لحقوق السجناء،وتوحيد الجهود لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومنح المعتقلين حقوقهم المشروعة بموجب الدستور والقانون.وإنهاء هذا الملف الكارثي والمستمر لسنوات عديدة.