.
أشار الخبير في شؤون الخليج والطاقة سايمون هندرسون إلى أن الحاجة لمصر من أجل نقل الغاز من حقول فلسطين المحتلة التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي إلى أوروبا يمكن أن تتضاءل أو حتى تزول.
وأضاف هندرسون في مقال لمعهد واشنطن للدراسات، أن الاحتلال يخطط لتصدير الغاز عبر سفينة الغاز الطبيعي المسال.
وقال هندرسون إن الحرب في أوكرانيا غيرت معالم السوق الدولية للغاز الطبيعي، حيث شهدت أوروبا ارتفاعاً في الأسعار والطلب على حد سواء. ويُعتبر تبريد الغاز لتسييله عملية باهظة الثمن، ما يعني أن الجدوى التجارية للسوق تستوجب منها عادةً أن تتضمن مسافات أطول بكثير من تلك التي يمكن الوصول إليها عبر خط الأنابيب. من هنا جاء قرار شركة “شيفرون” وغيرها من الشركات التي تستغل حقل “ليفياثان” البحري والأكبر في “إسرائيل”، بالمضي قدماً في دراسة هندسية أولية، وهي الخطوة التالية بعد تقييم جدوى إنتاج الغاز الطبيعي المسال.
ويوضح هندرسون أن السوق الراهنة للغاز “الإسرائيلي” تقتصر على مصر، حيث يتم استخدام الغاز لتوليد الكهرباء في البلاد، ما يحرر الغاز المصري للتصدير في سوق أكثر ربحية، بالإضافة إلى كميات صغيرة نسبياً يتم ضخها بالأنابيب إلى الأردن.
لكنّ الكونسورتيوم المؤلف من شركة “شيفرون” التي تدير حقل “ليفياثان”، وشركتين إسرائيليتين (هما “نيوميد إنيرجي” و”راشيو إنيرجيز”) تملكان فعلياً الحصة الكبرى من الترخيص، تسعيان، وفق هندرسون، إلى اتخاذ قراراته لأسباب تجارية، إلا أن احتمال تصدير الغاز الطبيعي المسال، له أيضاً أبعاد جيوسياسية مهمة. فالاعتماد على طريق تصدير رئيسي واحد (مصر) أمر محفوف بالمخاطر، لا سيما أن خيارات التصدير هذه تنطوي على التزامات تمتد لعدة سنوات. وتُعتبر صادرات الغاز الطبيعي المسال مرغوبة لأن الناقلات لا تعبر الحدود السيادية ويمكنها الإبحار إلى أي منطقة في العالم.
كما أن أي مشروع إسرائيلي للغاز الطبيعي المسال، بوصفه الحالي، سيتطلب تخصيص مليارات الدولارات لبناء سفينة خاصة لا يوجد منها حتى الآن إلا أقل من ستة في جميع أنحاء العالم.
وبموازاة ذلك، فإنه يجب توسيع الإنتاج في حقل “ليفياثان” ليشمل عدداً أكبر من خطوط الأنابيب الممتدة في قاع البحر، من الحقل الواقع على بعد يزيد على الـ120 كيلومتراً من الشاطئ، إلى منصة الإنتاج التي تبعد ثمانية كيلومترات أو نحو ذلك عن البحر من زخرون يعقوب، جنوبي مدينة حيفا المحتلة.
ومن المفترض إرساء سفينة الغاز الطبيعي المسال بالقرب من المنصة، ووضع الناقلات بجانبها لتحميل الغاز قبل انتقالها إلى وجهات في أوروبا أو آسيا.
ويكشف هندرسون أن كونسورتيوم “ليفياثان” يضغط على مصر لتغيير شروط صفقاتها الحالية، التي تمنح الإيرادات للشركات على أساس السعر المحلي المنخفض فقط. وقد طلبت الشركات من مصر قبول صفقة “رسوم المرور”، ما يعني أنه سيتم تسييل غاز “ليفياثان” مقابل رسوم في مصنع “إدكو” للغاز الطبيعي المسال الذي تديره شركة “شل” في دلتا النيل، ثم يتم تصديره للبيع بأسعار دولية أفضل بكثير من تلك الموجودة في مصر.
ولربما كان أحد العوامل الذي استحث قرار دراسة خيار الغاز الطبيعي المسال عن كثب هو الاتفاق الذي تم التوصل إليه خلال تشرين الأول/ أكتوبر 2022 بوساطة أمريكية بشأن الحدود البحرية بين الاحتلال ولبنان، وهو اتفاق وافق عليه أساساً حزب الله اللبناني. لكن التهديد الذي تمثله صواريخ حزب الله لم يختفِ بل هو خامد، وربما يفسر ذلك السبب الذي يدفع إلى وضع سفينة الغاز الطبيعي المسال بالقرب من منصة “ليفياثان” المحمية أساساً بواسطة الوحدات البحرية الإسرائيلية المضادة للصواريخ.
وعلى صعيد الطلب الأوروبي بشكل إجمالي، يقول هندرسون إن الغاز الطبيعي المسال الإسرائيلي لن يُحدث سوى فارق بسيط. فالكمية التي تتم مناقشتها هي 9 مليارات متر مكعب إضافية سنوياً، في حين أن إجمالي الطلب الأوروبي كان يناهز الـ400 مليار متر مكعب سنوياً حتى وقت نشوب الأزمة.
في المقابل، إذا اكتسبت فكرة الغاز الطبيعي المسال زخماً، فسيخيب أمل اليونان وقبرص اللتين تدعمان اقتراحاً لإنشاء خط أنابيب تحت البحر يربط الاحتلال الإسرائيلي بجزيرة كريت ويصل منها إلى البر الرئيسي الأوروبي، علماً بأن واشنطن سبق أن تخلت عن هذه الفكرة لأسباب تتعلق بالتكلفة والتطبيق العملي. ومع ذلك، فإن من المرجح أن تضاف الضغوط الدبلوماسية من اليونان وقبرص وربما أيضاً “الاتحاد الأوروبي” إلى التحديات الهندسية والتجارية التي تواجه خطط الغاز الطبيعي المسال.