بينما تشير تقديرات المنظمات الحقوقية داخل و خارج مصر إلى أن عدد معتقلي الرأي في البلاد يتجاوز 60 ألف معتقل على الأقل ، تشير الأرقام أيضا إلى أن ” الأمن الجنائي ” في البلاد يأتي في مرتبة متأخرة على أجندة أولويات النظام الحاكم .
فقد زادت معدلات و نوعيات الجرائم في الشارع المصري على نحو بات يطرح تساؤلات عديدة حول مدى جدية النظام و أجهزته الأمنية في ضبط الأمن الجنائي بنفس الجدية المتعلقة بالأمن السياسي .
و تحتل مصر المرتبة الثالثة عربيا من حيث معدلات الجريمة ، وفق مؤشر ” نامبيو ” العالمي لقياس معدلات الجرائم .
بينما تحتل الترتيب 24 عالميا في نفس المؤشر .
كما تقول الأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية المصرية خلال العام 2022 أن عدد جرائم القتل العمد زاد بنسبة 130%، كما زادت جرائم السرقة بالإكراه بنسبة 350%.
و بحسب الأرقام الحكومية المصرية أيضا فإن مصر بها 92 ألف بلطجى .
كما ارتفع عدد ” المسجلين خطر ” بنسبة 55%.
و انتشرت في مصر خلال العامين الماضيين جرائم نوعية مارسها المواطنون ضد بعضهم بعضا في شوارع مصر على نحو غير معهود في الشارع المصري .
ففي نوفمبر 2021 قام شاب مصري في محافظة الإسماعيلية بذبح مواطن آخر على مرأى و مسمع من مئات المواطنين في وضح النهار .
و استمرت الجريمة لأكثر نصف ساعة و لم تتدخل الشرطة ، إلى أن تمكن القاتل من فصل رأس الضحية عن جسده ثم سار بها مسافة طويلة مشهرا سكينا ، و خلال سيره اعتدى بالسكين على أحد المارة ، كل ذلك حدث في غياب تام للشرطة ، إلى أن تمكن بعض المارة من الإمساك بالقاتل و بعد ذلك جاء أفراد الأمن !!
و في يونيو 2022 قام شاب مصري بذبح طالبة جامعية كان يلاحقها عاطفيا في الشارع أمام المارة في مدينة المنصورة ، و كالعادة جاءت الشرطة متأخرة ، و هي قضية شغلت الرأي العام المصري .
و في محافظة الفيوم ، يوم 3 مارس الجاري ، قام مواطن بقتل جاره مستخدما ” فأسا ” بينما كان القتيل جالسا أمام منزله .
كل تلك الجرائم تؤكد أن الشارع المصري يشهد تحولات نوعية في اتجاه العنف المجتمعي ، في ظل غياب لأجهزة الأمن ، الحاضرة بقوة دائما في الأحداث السياسية .
و فيما يتعلق بنوعيات أخرى من الجرائم ، تقول الأرقام الصادرة عن جهات دولية عديدة ، أن تجارة المخدرات في مصر تنامت على نحو ملحوظ و زاد حجمها سنويا عن 45 مليار دولار .
و يعد هذا الرقم من الضخامة بحيث أنه كان يعادل 400 مليار جنيه عام 2015 ما يمثل أكثر من 50% من موازنة مصر للعام 2014/2015 .
وفيما يتعلق بنوعيات أخرى من الجرائم هي جرائم ” الفساد ” بأنواعها المختلفة ، تقول الأرقام الصادرة عن جهات دولية عدة أن الفساد في مصر تزايد على نحو ملحوظ خلال الأعوام الماضية .
فقد ذكر المؤشر السنوي لمنظمة الشفافية الدولية ، في نسخته الصادرة عام 2022 ، أن مصر احتلت مرتبة متأخرة جدا بين دول العالم في مكافحة الفساد ، و حلت في الترتيب 117 عالميا من بين 180 دولة .
اللافت للنظر في كل تلك الأرقام المتعلقة بأنواع متباينة من الجرائم ، هو أنها تؤكد أن الواقع في مصر يسير عكس ما يعلنه النظام المصري دائما على لسان مسؤوليه المختلفين .
فتزايد حجم تجارة المخدرات في مصر يأتي عكس ما أعلنه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤخرا من أن الدولة تشن هجمات كبيرة ضد تجارة المخدرات .
و بالفعل قامت السلطات المصرية بضبط أكثر من 93 ألف قضية مخدرات خلال العام 2022 غير أن الواقع الذي تعكسه أرقام تلك التجارة الممنوعة ، تؤكد أن كل القضايا المضبوطة لا تمثل شيئا بالمقارنة لحجم الواقع .
كما يتباهى النظام المصري دائما بأنها يحارب الفساد ، غير أن ترتيب مصر عالميا في مؤشر محاربة الفساد ، يؤكد أن الأمور في الحقيقة هي عكس ما يعلنه النظام .
و في 14 فبراير الماضي أفرجت السلطات المصرية عن المستشار ” هشام جنينة ” الرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات ، و هو أعلى جهة رقابية مصرية ، بعد سنوات قضاها في السجن بسبب تصريحات سياسية أيد فيها الفريق سامي عنان القائد الأسبق لأركان الجيش المصري ، عندما اعتزم الأخير الترشح لانتخابات الرئاسة .
و كان جنينة قبل إقالته من منصبه قد أطلق تصريحات مرعبة حول حجم الفساد في مصر تحدث فيها حول دور جهات مصرية رسمية رفيعة في ممارسة ألوان من الفساد .
جنينة صرح وقتها أن الفساد في مصر يهدر على البلاد سنويا اكثر من 600 مليار جنيه ، في بلد يمر بأزمة اقتصادية طاحنة و تتزايد ديونه شهريا لسد عجز الموانة العامة .
و تعد ديون مصر هي المعضلة الأكبر التى تواجه النظام المصري حيث تزيد عن 155.5 مليار دولار بحسب أرقام رسمية مصرية صادرة في مارس 2022 .
كل تلك التفاصيل تطرح تساؤلات حول جدية النظام المصري في محاربة أنواع الجرائم المختلفة جنائيا وماليا ، بنفس الجدية التي يحارب بها الآراء السياسية المعارضة له .