لم يندمل بعد جرح تونس من الاتهامات الموجهة إلى نظامها بالعنصرية بالرغم من الإجراءات المتخذة لمصلحة المهاجرين، حتى قرر البنك الدولي تعليق مناقشات الشراكة معها مؤقتا، وهو قرار تتباين وجهات نظر خبراء الاقتصاد حول تداعياته على الوضع الاقتصادي للبلاد.
وعلّق البنك الدولي إلى إشعار آخر مناقشات الشراكة والتعاون المستقبلي مع تونس للفترة بين 2023 و2027، بعد الاعتداءات التي شهدتها ضد مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، في أعقاب خطاب ندد فيه الرئيس قيس سعيّد بقدوم جحافل من المهاجرين غير النظاميين.
وعبّر رئيس البنك ديفيد مالباس في مذكرة بعثها إلى الموظفين الأحد الماضي عن قلق البنك الدولي من تصاعد الاعتداءات ضد هؤلاء المهاجرين بدوافع عنصرية، موضحا أن البنك الدولي علق في الوقت الراهن المناقشات بشكل مؤقت بشأن إطار الشراكة مع تونس.
وحول تبعات قرار البنك الدولي على الوضع الاقتصادي المتأزم أصلا في تونس، يقول الخبير الاقتصادي عز الدين السعيدان إن قرار البنك الدولي لتعليق مناقشات التعاون المستقبلي للفترة بين 2023 و2027 سيزيد أكثر في تعقيد وتأزم الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد.
ويوضح أن البنك الدولي كان من المفترض أن يناقش ملف مشاريع التعاون المستقبلي مع تونس للفترة 2023 و2027 في اجتماع محدد يوم 21 من الشهر الجاري، لكنه ارتأى ألا ينظر في هذا الملف في ذلك التاريخ على خلفية موقفه الرافض للعنصرية والتمييز.
ويضيف السعيدان أن هناك تعليقا وقتيا لتعاون البنك الدولي مع تونس، “وهذا يزيد من تعقيد الأمور”، موضحا أن تعليق النظر في مناقشة مشاريع التعاون وتمويلها سيحرم البلاد من موارد إضافية لدفع عجلة التنمية، علما أن تدخلات البنك الدولي في تونس تخص مكافحة الفقر ودفع التنمية.
ومن أبرز تأثيرات قرار البنك الدولي لتعليق تعاونه بشكل مؤقت مع تونس الرسائل السلبية التي ستلتقطها عدد من الجهات المانحة، والتي تربط موقفها لإقراض تونس على أساس مواقف صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهو ما قد يحرم تونس من تمويلات بالعملة الصعبة.
ويقول السعيدان إن تونس تحتاج العام الجاري، وفق تقديرات موازنة 2023، إلى قروض إضافية تقدر بنحو 25 مليار دينار (7.9 مليارات دولار)، منها حوالي 15 مليار دينار (4 مليارات دولار) قروض خارجية بالعملة الصعبة لتمويل نفقاتها ووارداتها وتسديد ديونها بالعملة الأجنبية.
وبما أن تونس لم تحصل بعد على موافقة صندوق النقد الدولي للانطلاق في صرف القسط الأول من قرض إجمالي بقيمة 1.9 مليار دولار، إضافة إلى التعليق المؤقت للبنك الدولي لمناقشات الشراكة المستقبلية إلى عام 2027، فإنها ستعاني من أزمة مالية مربكة كثيرا.
ولم يحدد صندوق النقد موعدا لمناقشة طلب تونس للحصول على قسط أول من ذلك القرض الذي يتيح لها إمكانية الحصول على قروض أخرى بالعملة الصعبة من مؤسسات دولية أو في إطار تعاون ثنائي بين الدول، ما يزيد المخاوف من تذبذب توريد السلع الضرورية.
وتعاني مؤسسات عمومية عدة كديوان التجارة والصيدلية المركزية من صعوبات في تزويد السوق المحلية بالمواد الأساسية والأدوية الضرورية، والسبب الرئيسي هو فقدان المزودين الأجانب ثقتهم بتلك المؤسسات التي ترزح تحت وطأة نقص الموارد من العملة الصعبة.
من جهة أخرى، نفى السعيدان صحة الأخبار المتداولة حول إمكانية تعليق تعاون البنك الدولي مع تونس نهائيا، مشيرا إلى أن البنك الدولي لاحظ في مذكرته الداخلية توجه تونس لاتخاذ إجراءات إيجابية بخصوص وضعية المهاجرين غير النظاميين.
وأكد أن العلاقات بين البنك الدولي وتونس ستبقى متواصلة بالرغم من التعليق الوقتي لمناقشات الشراكة والتعاون المستقبلي للفترة بين 2023 و2027، موضحا أن ميثاق البنك الدولي ينص على مكافحة العنصرية والتمييز العنصري بجميع أشكالهما وسياقاتهما.