أوضحت ورقة تحليلية أن ما يقرب من ثلث المصريين لم يتمكنوا من توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية، والتي تتمثل في الطعام والمسكن والملبس وخدمات التعليم والصحة والمواصلات أي أن نحو 31 مليون مصري ضحية سياسات التعويم والاستدانة.
وأصدرت المبادرة المصرية ورقة تحليلية بعنوان “كيف يعيش الفقراء في ظل الغلاء: أثر ارتفاع الأسعار وتخفيض الجنيه على حقوق المصريين”، تركز على تأثير موجات الغلاء، التي يمر بها المصريون في السنوات الأخيرة على حياتهم، وخاصة على حياة ومعيشة الفقراء وقدرتهم على تأمين احتياجاتهم الأساسية.
31 مليون مصري يعيشون بأقل من 857 جنيه شهريا للفرد
وبلغت نسبة الواقعين تحت خط الفقر القومي 29.7% (حوالي 31 مليون شخص)، وهم من يعيشون بأقل من 857 جنيه شهريا للفرد، وذلك قبل أزمة كورونا حيث توقف المسح عند مارس 2020 قبل أن يترك الوباء أثره.
مصر : 60% من المصريين تحت خط الفقر
وركزت الورقة التحليلية على موجات التضخم التي توالت تباعًا منذ عام 2016، مع تطبيق أول برنامج لصندوق النقد مع الحكومة المصرية وتواصلت مع أزمتي كوڤيد 19 والحرب الروسية على أوكرانيا، وعودة الصندوق باتفاق قرض جديد وبرنامج جديد نهاية عام 2022.
وتفند الورقة الخطاب الحكومي الذي يلقي باللوم فقط على هذه التطورات العالمية، مستعرضةً عوامل الهشاشة الاقتصادية ونتائج السياسة الاقتصادية، التي تم اتباعها بالاتفاق والتنسيق مع صندوق النقد الدولي.
الدولار يسجل 41 مقابل الجنيه المصري في العقود الآجلة
أعباء وحجم الدين العام وتخفيض سعر العملة
واوضحت الورقة التحليلية أن سياسة الدولة زادت من أعباء وحجم الدين العام، ومزجت بين التقشف وتخفيض الإنفاق العام ورفع أسعار الخدمات العامة وبين تخفيض سعر العملة، مما كان له آثار تضخمية بالغة، كشفت نفسها في صدمات عميقة في الأسعار، قفزت بمعدل التضخم لأسعار المستهلكين لأعلى مستوياته في خمس سنوات في فبراير الماضي، ورفعت معدل التضخم الأساسي لمستوى 40٪، وهو الأعلى في تاريخه.
البنك الدولي يتوقع ارتفاع معدل التضخم في مصر
فقراء مصر في خطر
ورصدت الورقة أيضًا النتائج المباشرة لهذه الأوضاع على حياة المصريين، وبالذات الشرائح الأفقر منهم، ممن ينفقون ما يقرب من نصف دخلهم على الغذاء، وهو البند الذي قاد الارتفاعات السعرية، وذلك بالمقارنة بمستويات معيشتهم قبل بداية الموجة الأخيرة من الغلاء، بدءًا من عام 2022. إذ أن المجموعات الفقيرة تتأثر بتضخم أسعار الغذاء بشكل أكبر من غيرها، ﻷنها تخصص جزءًا أكبر من دخلها المحدود لاستهلاكه.
ويقسم الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء السكان إلى عشرة شرائح بحسب إنفاقهم، لتسهيل المقارنة بين مستوياتهم المعيشية. ويُظهر بحث الدخل والإنفاق والاستهلاك في آخر نسخه قبل ثلاث سنوات أن الشرائح الأكثر فقرًا تنفق نسبة أكبر من الدخل على بنود الطعام والشراب مقارنةً بالفئات الأعلى، حيث توجه الشريحة الأقل دخلًا حوالي 47% من إنفاقها لهذا البند، وتقل النسبة قليلًا في الشريحتين الثانية والثالثة الواقعتين تحت خط الفقر، ولكنها تبقى قريبة من نصف النفقات.
ارتفاع التضخم ومعدل البطالة.. تراجع كبير لنمو الاقتصاد المصري
حلول مواجهة التضخم والديون
وتقترح الورقة مداخل مغايرة للسياسة الحكومية الحالية للتعامل مع الأزمة تتضمن: اتخاذ قرار بتوجيه السياسات نحو إخراج الاقتصاد من مأزق الديون، وتعديل المسار في اتجاه نمو مبني على إنتاج سلع وخدمات حقيقية، بما يمكنه من الخروج من دائرة التضخم وتخفيض العمل، بدون اتخاذ هذا المسار لن تكفي أي سياسات للدعم أو تحسين الأجور في حماية النسبة الغالبة من المصريين من التدهور العنيف في مستوياتهم المعيشية.
طرح بنك ناصر الاجتماعي شهادات ذات عائد22%.. هل اقترب تعويم الجنيه المصري؟
وإعادة الاعتبار للدعم التمويني كأحد المداخل المؤثرة في حماية أعداد كبيرة من الفئات الأكثر هشاشة في الوضع الحالي، خاصة وأن الدعم العيني في صورة سلع يعد أقل تأثرًا بالتضخم المتزايد، مقارنةً بالدعم النقدي أو زيادات الأجور، التي تتآكل قيمتها مع تراجع الجنيه وزيادات الأسعار. وقد تقلصت ميزانية الدعم التمويني بشكل كبير في السنوات الأخيرة كنسبة من الإنفاق العام، وزادت قيمته زيادات طفيفة لا تتناسب مع التضخم.
إذا كانت الدولة تستهدف تخفيف الأزمة عن نسبة كبيرة من السكان فإن تخفيض الضرائب المرتبطة مباشرة بالاستهلاك مثل ضريبة القيمة المضافة يمكن أن يخفف العبء. وطالما الحكومة مستعدة للتخلي عن بعض إيراداتها المتوقعة، كما تفعل بالتأجيل والتجميد المتكرر لضريبة الأرباح الرأسمالية، رغم أنها تفرض بطبيعتها على الشرائح الأغنى وعلى نشاط ريعي، فبإمكانها بدلًا من ذلك تخفيض ضريبة القيمة المضافة التي تنعكس مباشرة على الأحوال المعيشية لكل السكان.