يتعدى الصراع في السودان الزعيمين البرهان وحميدتي إلى حلفاء في المنطقة والعالم، فمن هي الأطراف الخارجية الداعمة ولأي من الطرفين تنحاز.
لا ينحصر الصراع الدائر في السودان منذ السبت، بين قوتين عسكريتين بقيادة عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي)، بل ويحاول كل طرف استخدام شبكة حلفاء نسجها خلال الأعوام الماضية من سياسيين واقتصاديين ودبلوماسيين للحصول على دعم.
ولطالما اجتذب موقع السودان الاستراتيجي المطلّ على البحر الأحمر وثراء موارده الطبيعية الساعين إلى كسب وتقوية مصالح أو نفوذ في المنطقة، ويعتبر السودان ثالث منتج للذهب في أفريقيا. وتأتي الاستثمارات الروسية والإماراتية من بين الأمثلة على ذلك، إذ يستثمر البلدان في قطاع الموانئ، وفي التعدين والذهب، الذي تسيطر عليه بشكل كبير قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. في 2021، نفذ قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع معا انقلابا أطاح بالمدنيين من السلطة الانتقالية التي بدأت بين العسكر وقادة الحركة الاحتجاجية ضد الرئيس السابق عمر البشير بعد سقوطه عام 2019. لكن لكل منهما شبكة من العلاقات والحلفاء كونها منذ سنوات خلال توليهما مسؤوليات مختلفة حتى في عهد البشير، ولكل منهما موارده المالية الخاصة.
ويملك حميدتي ورقة اقتصادية قوية، إذ تدير قواته، وفق مركز أبحاث المجلس الأوروبي حول العلاقات الخارجية، العديد من مناجم الذهب في البلاد.
وتؤكد الولايات المتحدة أن قوات “فاغنر” وهي الذراع المسلح لروسيا في دول أفريقية عديدة، وتعمل في السودان التي تتواجد فيها منذ 2017 مع قوات الدعم السريع في تلك المناجم للاستحواذ على مواردها. و”كانت قوات فاغنر تعمل في السودان بعيدا عن الأضواء في لأن حاجة البلاد إلى مساعدة أمنية كانت أقل مما هي عليه في مالي أو جمهورية أفريقيا الوسطى” حسب المؤرخ الفرنسي والباحث في معهد العلوم السياسية بباريس رولان مارشال.
وتعد الإمارات أكبر مشتر للذهب المنتج بشكل رسمي في السودان. على الرغم من هذه الروابط بين الإمارات وحميدتي، يقول خبير في الشأن الخليجي فضل التحفظ على هويته، إن أفضل وصف لموقف أبو ظبي في النزاع هو “البراغماتية التي تصل إلى مستوى اللامبالاة”. ويضيف لوكالة الأنباء الفرنسية “إذا استمرت الحرب، فهذا ليس بالضرورة أمرا سيئا من وجهة نظر روسية أو إماراتية”. وِيشير إلى أن الوضع الحالي “يتيح لدولة الإمارات الاحتفاظ بنفوذها، وهو ما قد لا يكون متاحا في ظل وجود سلطة ذات هيكلية واضحة وجيش لا منازع له”. ويسعى حميدتي منذ أن وصل إلى السلطة، إلى تعزيز علاقاته في المنطقة وعلى المستوى الدولي.
في السودان، برز قبل ذلك بسبب دوره على رأس قوات الجنجويد في دارفور إلى جانب قوات عمر البشير. ويقول الباحث بمعهد “ريفت فالي” إريك ريفز لوكالة الأنباء الفرنسية “البرهان وحميدتي حاربا الحوثيين”، في إشارة إلى إرسالهما قوات للمشاركة في قوات التحالف بقيادة السعودية الداعم للحكومة في اليمن عام 2015 واستخدام القائدين العسكريين مشاركتهما لتعزيز صورتهما في المنطقة. لكنه يرى أن دول الخليج من جهتها “ستختار المنتصر، وسوف تنتظر لذلك حتى تتضح الصورة تماما”.
وجه حميدتي الشكر لإيطاليا خلال مقابلة تلفزيونية بعد نحو عام من انقلاب 2021، باعتبارها الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي تعاونت مع قواته لمدة عامين في “التدريب من الناحية الفنية”. وقد يكون اهتمام إيطاليا هذا متصلا بنشأة حميدتي في إقليم دارفور في غرب البلاد المتاخم لدولتي ليبيا وتشاد، وهو يملك نفوذا واسعا في المنطقة، ما يتيح إمكانية التعاون معه في محاولة الحد من الهجرة غير القانونية عبر البحر المتوسط نحو إيطاليا ودول أوروبية أخرى. ويرى ريفز أن حميدتي قد يحاول “استغلال علاقته بتشاد وسلطته في دارفور لتأمين خط إمداد” لقواته في النزاع الحالي.
في المقابل، قد يعول البرهان على دعم دولي منبثق من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، على ما أشارت وسائل إعلام إسرائيلية. وعقب انضمامه إلى “اتفاقات أبراهام”، حصل السودان على مساعدات مالية أمريكية تلت سنوات طويلة ظل فيها على لائحة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب ومعزولا من جانب المجتمع الدولي.
وقد تكون هناك ورقة أخرى مصرية في يد البرهان الذي تخرج من الكلية الحربية المصرية، ويمكن أن يسعى للحصول على دعم القاهرة، الجار الكبير المؤثر. وتقول الباحثة بمعهد الشرق الأوسط ميريت مبروك إن بين مصر والسودان “حدودا بطول 1200 كلم، ونهرا مشتركا، ومخاوف أمنية متبادلة”. وتتابع “كانت هناك بالفعل تداعيات على مصر”، جراء الصراع الدائر عندما “أسرت” قوات الدعم السريع عددا من الجنود المصريين كانوا في تدريب مشترك مع القوات السودانية في قاعدة مروي في شمال البلاد.
وأعلن لاحقا الجيش السوداني الخميس أنه تم إجلاء 177 عسكريا مصريا على متن أربع طائرات، في حين أكدت قوات الدعم السريع من جهتها أنها سلمت 27 آخرين إلى الصليب الأحمر الدولي. وكان الجيش السوداني قد أعلن ليل الأربعاء الخميس أن هؤلاء العسكريين كانوا “محتجزين لدى قوات الدعم السريع”. ثم أصدر بعد ظهر الخميس بيانا اعتذر فيه عن كلمة “محتجزين” التي وردت بالخطأ ويؤكد أنهم “كانوا متواجدين بمدينة مروي بشمال السودان لكن لم يتم أسرهم” من قبل قوات الدعم السريع.
بالنسبة للباحث المتخصص في شؤون السودان بجامعة السوربون كليمان دييه “يبدو أن وجود الجنود المصريين في مروي كان القشة التي قصمت ظهر البعير”. ويوضح لوكالة الأنباء الفرنسية أن “حميدتي شعر بالتهديد من مصر”، لا سيما بعد أن استضافت القاهرة قبل أسابيع حوارا بين سياسيين مؤيدين للجيش. ويتهم الباحث مصر بأنها حاولت “إفشال التحول الديمقراطي” في السودان، بينما كانت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ودول غربية وخليجية تدفع في اتجاه التوقيع على اتفاق لإعادة المدنيين إلى السلطة.
وتبقى إثيوبيا التي تبني سد النهضة على نهر النيل، من الدول التي يمكن أن يكون لها تأثير في النزاع. وتعتبر القاهرة السد تهديدا لمصدرها الرئيسي من المياه، بينما ترتبط إثيوبيا بعلاقات جيدة مع الجار السوداني وطرفيه المتنازعين. ويقول ريفز “آخر شيء يريده الإثيوبيون هو تنفير الجنرالات الذين سيشاركون في المفاوضات النهائية حول السد”. في حين يستبعد بعض المراقبين هذه الفرضية معتبرين أن ملف السد حسم تقريبا.
وفي ليبيا المتاخمة لإقليم دارفور، نفت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية (قوات شرق ليبيا) التي يقودها خليفة حفتر الخميس تقديم الدعم لطرف ضد الآخر من طرفي النزاع الدائر في السودان. وقال أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي في بيان “تنفي القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية نفيا قاطعا… تقديم الدعم لطرف ضد الطرف الآخر في السودان”. وأضاف أن القوات المسلحة الليبية “تقوم حاليا بإجراء الاتصالات العاجلة مع الأطراف المعنية”، وأكد استعداد هذه القوات “للقيام بدور الوساطة بين الأشقاء في السودان لوقف القتال”.