قف قليلا و خذ نفسا عميقا و انس تماما خزعبلات إعلام النظام و طنطناته الوطنية الجوفاء ، و أغلق أذنيك أمام تصريحات مسؤولي السلطة و الحكومة التي تنز تنصلا من المسؤولية و هروبا من الاعتراف بالخطأ و تهرول لإلصاق كل الخراب الذي تشهده مصر بكل و أي أحد باستثناء النظام الحاكم و حكومته .
بعدما تفعل ذلك افتح صورة لخريطة مصر على جوجل ، و اسأل نفسك بصدق : أين نحن ؟
نحن هذه تعني مصر .
مصر التي يحتكرها النظام و أجهزته و مسؤولوه و حكومته و كذابو زفته و الراقصون في حضرته و الطبالون في زفته . أولئك جميعا يرون مصر هي ” هم ” و ليس ” نحن ” عموم المصريين الذين ننزف كمدا و هما و ألما جراء سياسات النظام التي أودت بنا في قلب متاهة كالحة قاحلة .
في السودان ، مصر غائبة بإرادة نظامها الحاكم ، الذي أهدر مكامن قوتها ، و أهمل نفوذها الإقليمي بالانسحاق أمام الخليج و تبنى أجندته حتى صارت مصر العظيمة العريقة ظلا لطوال العمر أصحاب ” الرز ” !!
اشتعل السودان بحرب أهلية مصغرة ، تقف وراءها الإمارات التي كانت دوما الكفيل الأهم للنظام ،و التي صارت الآن عدوه اللدود ، الذي لا يقدر النظام على التذمر من الفخاخ التي ينصبها له ، لأن الإمارات مع السعودية و باقي الخليج هم الأوصياء الآن على الاقتصاد المصري بموجب اتفاق قرض صندوق النقد الدولي الأخير لمصر !
اشتعل السودان بتلك الحرب الأهلية المصغرة، حيث تقف الإمارات وراء حميدتي تاجر الإبل لص الذهب عراب الخراب ، بينما استولت أمريكا على التعامل مع الوضع هناك سياسيا من خلال المبادرة التي طرحتها مع السعودية لحل الأزمة .
في المقابل ، تقف مصر عاجزة عن التدخل بوضوح في ملف هو الأخطر على أمنها القومي و المائي و عمقها الاستراتيجي و امتدادها الإقليمي !
بل إن الإعلام المصري لا يجرؤ على مجرد التلميح أن الإمارات تحارب مصر في السودان و تستهدف أمنها !
تجدر الإشارة هنا إلى أن مصر خسرت التأثير في ملف السودان مبكرا جدا منذ الأيام الأولى للإطاحة بالرئيس السوداني السابق عمر البشير عندما أشرف واحد من ألد خصوم مصر و هو آبي احمد ، الحبشي ، على الاتفاق الموقع في أغسطس 2019 بين القوى المدنية و الجيش السوداني !
و قبل السودان ، هناك ملفات أخرى أفلتت من قبضة مصر بعدما لعبت فيها أدوارا محورية طول العقود الماضية مثل الملف الفلسطيني الذي استولت عليه قطر و السعودية و مؤخرا دخلت الجزائر على الخط .
و مع ضياع ملف فلسطين من يدي مصر ، ضاع الملف الليبي الذي باتت تسيطر عليه قوى أخرى مثل قطر و الإمارات و فرنسا و إيطاليا و طبعا روسيا و الولايات المتحدة !!
لكن كيف نتساءل عن دور مصر خارج حدودها و هي تخسر حتى ماء نيلها الذي فرط فيه النظام بتوقيعه اتفاقية إطارية مع اثيوبيا و السودان في العام 2015 ؟
السؤال الآن : أين كانت مصر بينما ينفلت كل شيء من يديها ؟
الإجابة باختصار هي أن مصر كانت حبيسة طموح آثم بلا أرجل و لا أيد و لا موارد ، لدى نظامها الحاكم ، بأن يسجل نفسه في التاريخ مؤسسا لجمهورية جديدة !
جمهورية وهمية غير موجودة إلا في خياله ، مدينة حتى النخاع ، اقترضت لتنشيء أطول برج و أكبر مسجد و أضخم كنيسة ، فقط لتغطي قزامة مستقرة في وعي النظام الذي قزم معه مصر من أجل حفنة أحلام .
جمهورية قوامها الرعب و الاعتقال بلا حساب لكل من لا يمسك الصاجات و يرقص في ” مولد ” النظام ، و لكل من لا يتقافز بوضاعة في سيركه المنصوب !
جمهورية استدانت من الشرق و الغرب من أجل ” منظرة كذابة ” ثم وجدت نفسها مضطرة لبيع ثيابها و أصولها لكي تأكل !
جمهورية غير موجودة ، باعت ثم باعت ، حتى زهد النخاسون الذين نصبو الفخ للنظام بـ ” الرز ” منذ أيامه الأولى ، في شراء أصولها ، انتظارا للحظة الانهيار التي يرون أنها قادمة و وقتها ستؤول إليهم مصر بمن عليها !!
مصر و المصريون ضحايا أوهام نظام ” يمسك الهواء بيديه ” على رأي عبدالحليم حافظ !
القادم صعب .
و النظام ليس لديه شيء يقدمه سوى الخراب .
و لا حول ولا قوة إلا بالله .
( حسن خالد : صحفي مصري ، من فريق ” المنشر ” )