في آب/ أغسطس الماضي ومع حدة نقص الدولار الأمريكي، واتساع تعاملات السوق الموازية لصرف العملات الأجنبية، وعجز البنوك عن توفير الدولار للإفراج عن البضائع المستوردة بالموانئ، وارتفاع معدلات التضخم والفائدة، تم تعيين حسن عبد الله كمحافظ جديد للبنك المركزي المصري أملا في الخروج من تلك المشاكل التي استمرت منذ الربع الأول من العام الماضي مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ورفع الفائدة الأمريكية وخروج قدر كبير من الأموال الساخنة.
وبالفعل قام المحافظ الجديد ببعض الإجراءات لامتصاص السيولة سعيا لخفض التضخم، حيث رفع سعر الفائدة ثلاث مرات بما مجموعة نسبة 7 في المائة، وأعاد العمل بنظام مستندات التحصيل لتمويل الواردات السلعية الذي تسبب إلغاءه في صعوبات بالاستيراد.
كما خفض سعر صرف الجنيه أمام الدولار أكثر من مرة، والتزم بتحقيق مرونة سعر الصرف التي طلبها صندوق النقد الدولي، خلال اتفاقه مع مصر على قرض جديد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وسعى للحفاظ على احتياطيات النقد الأجنبي.
لكنه منذ منتصف آذار/ مارس الماضي أعاد تثبيت سعر الصرف إداريا كما فعل المحافظ السابق له، وهو الإجراء الذي ثبت فشله خلال السنوات الماضية، وكانت النتيجة تزايد الفارق بين السعر الرسمي للدولار والسعر في السوق الموازية، ووجود سعر أعلى لدى تجار الذهب، وسعر آخر حسب عقود الصرف الآجلة للجنيه أمام الدولار.
الحكومة لم تنفذ شيئا من برنامج بيع حصص من الشركات للحصول على الدولار، مع عودة مشكلة صعوبة الإفراج عن البضائع المستوردة بالموانئ، وصعوبات تدبير الدولار لتحويل أرباح الشركات الأجنبية العاملة بمصر، وعودة تأخر مستحقات شركات البترول العاملة في بمصر لدى الحكومة المصرية
وهذا الأمر تسبب في تكالب المصريين على التخلص من الجنيه، وتحويله إلى دولار أو ذهب أو أصول أخرى كالعقار أو الحبوب أو السلع المعمرة وغيرها، وكان من المفترض أن يكون موعد منح الصندوق لمصر القسط الثاني من قرضه لها في منتصف آذار/ مارس الماضي، على أن يسبق ذلك زيارة لخبراء الصندوق لمصر للإطلاع على تنفيذها للإجراءات المتفق عليها، لكن الزيادة لم تتم ولم يتم تحديد موعدها، خاصة وأن الحكومة لم تنفذ شيئا من برنامج بيع حصص من الشركات للحصول على الدولار، مع عودة مشكلة صعوبة الإفراج عن البضائع المستوردة بالموانئ، وصعوبات تدبير الدولار لتحويل أرباح الشركات الأجنبية العاملة بمصر، وعودة تأخر مستحقات شركات البترول العاملة في بمصر لدى الحكومة المصرية.
وواكب ذلك إحجام بعض الصناديق السيادية الخليجية عن الشراء للحصص الشركات، انتظارا لخفض جديد لسعر صرف الجنيه المصري لدفع قيمة أقل، وكذلك الخلاف حول عُملة البيع للأصول، حيث تطلب بعض الجهات أن تكون الجنيه بينما تريد السلطات المصرية أن تكون الدولار، كما ترددت أخبار عن خلاف سعودي مصري وإعلان السعودية عدم الاستمرار في تمويل مصر إلا بعد إجراء إصلاحات واضحة، وتمهل الصندوق القطري في الشراء بعد خلاف حول الحصص المتاحة للبيع وطلبه حصصا أكبر.
وتسبب فارق سعر الصرف بين السوقين الرسمية والموازية في انخفاض تحويلات المصريين في الخارج عبر القنوات الرسمية، وهي التي تشكل جانبا كبيرا من موارد النقد الأجنبي، الأمر الذي دفع وكالتي التصنيف موديز وفيتش إلى خفض التصنيف الائتماني لمصر، وتعديل الوكالات الثلاث، موديز وفيتش واستاندر آند بور، النظرة المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، كما توقعت بيوت خبرة أجنبية انخفاضا بسعر صرف الجنيه، وحذر بعضها من السقوط في دوامة استمرار خفض الجنيه أمام الدولار.
سبب فارق سعر الصرف بين السوقين الرسمية والموازية في انخفاض تحويلات المصريين في الخارج عبر القنوات الرسمية، وهي التي تشكل جانبا كبيرا من موارد النقد الأجنبي، الأمر الذي دفع وكالتي التصنيف موديز وفيتش إلى خفض التصنيف الائتماني لمصر، وتعديل الوكالات الثلاث، موديز وفيتش واستاندر آند بور، النظرة المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، كما توقعت بيوت خبرة أجنبية انخفاضا بسعر صرف الجنيه
وهكذا يمكن القول إنه بعد مرور ثمانية أشهر ونصف على تولى المحافظ في الثامن عشر من آب/ أغسطس الماضي، فقد تدهورت الأمور بصورة أكبر مما كانت عليه وقت توليه، حيث كان العجز بين الأصول والالتزامات بالعملات الأجنبية في الجهاز المصرفي قد بلغ 19.4 مليار دولار في الشهر السابق لتوليه، بينما زاد إلى 24.5 مليار دولار في آذار / مارس الماضي.
وإذا كان معدل التضخم حسب البنك المركزي بالشهر السابق لتوليه قد بلغت نسبته 15.6 في المائة، فقد زاد إلى 39.5 في المائة بشهر آذار/ مارس الماضي، وبعد أن كانت الفائدة الحقيقية السلبية بنسبة 4.4 في المائة قبل توليه، فقد زادت إلى سالب 21.3 في المائة في آذار/ مارس الماضي، رغم أنه لم يزد النقد المُصدر سوى بقيمة 168 مليون جنيه خلال ثمانية أشهر من تموز/ يوليو إلى شباط/ فبراير الماضي، وقيامه برفع نسبة الاحتياطي الإلزامي من 14 إلى 18 في المائة، كما استمر في ربط ودائع البنوك لدى المركزي.
وإذا كانت احتياطيات النقد الأجنبي قد زادت ما بين تموز/ يوليو وحتى نيسان/ أبريل الماضي بنحو 1.4 مليار دولار، فقد زاد الدين الخارجى خلال النصف الثاني من العام الماضي بقيمة 7.2 مليار دولار، كما زادت مشتريات الأجانب من أذون الخزانة المصرية بقيمة 2.9 مليار دولار خلال سبعة أشهر ما بين تموز/ يوليو وكانون الثاني/ يناير الماضي.
ويظل السؤال لماذا لم ينجح المحافظ في مهمته حتى الآن؟ وتتعدد الإجابات ما بين عدم مسؤوليته عن موارد النقد الأجنبي، التي تتحقق من قبل كافة قطاعات النشاط الاقتصادي، ولكن البعض يقول إن سياسات المركزي الخاصة بتقييد الواردات والتشديد على استخدام البطاقات الائتمانية في الخارج، وتقليل الحد اليومي للسحب النقدي من البنوك، كانت مسؤولة عن تراجع النشاط بالكثير من الشركات، مما أثر على قيمة صادراتها وكذلك على صورة المناخ الاستثماري داخل البلاد.
رأي آخر يرى أن الرجل ظل يعمل لمدة 36 عاما في أحد البنوك وأن العمل بالبنوك يختلف عن العمل في البنك المركزي، ففي البنك تظل مسؤولية الإدارة محصورة في إدارة الأصول والالتزامات لتعظيم الربحية للمساهمين، بينما يختلف الأمر في البنك المركزي الذي يضع السياسة النقدية وينفذها، ويضع نظام سعر الصرف وينفذه.
كما يدير احتياطيات الدولة من العملات الأجنبية والذهب، ويقوم بمتابعة المديونية الخارجية على الحكومة والهيئات العامة والشركات الخاصة، ويدير الأزمات المصرفية، كما يقوم بالإشراف والرقابة على البنوك، ويعمل على تعزيز الشمول المالي، إلى غير ذلك من المهام.
وهي أمور تحتاج إلى وقت للإلمام بها قبل القدرة على اتخاذ قرارات بشأنها، علاوة على الأدوار الخاصة بالتعامل مع المؤسسات الدولية والإقليمية كصندوق النقد الدولي وصندوق النقد العربي ومؤسسات التمويل الإقليمية والعربية، إلى جانب المشكلات الجزئية والفرعية مثل تدبير النقد الأجنبي للإفراج عن أعلاف الدواجن والتي اقتضت العديد من الاجتماعات، وضرورة حضوره الاجتماعات والاحتفالات الرسمية المتعددة لرئيس الدولة لمجرد الحضور الشكلي.
الرجل ليس لديه الحرية الكاملة في اتخاذ القرارات، ففي بداية توليه أقر بأن سبب التضخم بمصر هو نقص المعروض من السلع والخدمات، وليس بسبب الطلب نظرا لحالة الركود الموجودة منذ أكثر من عامين في الأسواق، لكنه بسبب ضغوط الصندوق عاد ليُرجع التضخم إلى عوامل الطلب ولهذا اهتم بسحب السيولة بعدة وسائل
ويرى آخرون أن الرجل ليس لديه الحرية الكاملة في اتخاذ القرارات، ففي بداية توليه أقر بأن سبب التضخم بمصر هو نقص المعروض من السلع والخدمات، وليس بسبب الطلب نظرا لحالة الركود الموجودة منذ أكثر من عامين في الأسواق، لكنه بسبب ضغوط الصندوق عاد ليُرجع التضخم إلى عوامل الطلب ولهذا اهتم بسحب السيولة بعدة وسائل، أيضا التزامه بسعر صرف مرن في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ثم اضطراره إلى تثبيت سعر الصرف منذ حوالي شهرين، مما أفقده المصداقية لدى المتعاملين ولدى بيوت الخبرة الدولية.
ومن هنا جاء تصريحه في الشهر الماضي بواشنطن بأن السوق تحتاج إلى رؤية أمور حقيقية للمضي قدما بعض الوقت، وخطة لمدة عامين أو ثلاثة أعوام، وأنه لا يمكن استعادة الثقة وادارة التوقعات إلا إذا كانت لديك الخطة الكاملة، وهو ما نعمل عليه عن كثب مع الحكومة.
لذا فقد اتجه الرجل لممارسة بعض الهوايات الخاصة، للهروب من حالة الإخفاق في ملفات نقص العملة وسعر الصرف والتضخم وغيرها، وقال مقربون منه أنه يفضل العودة للعمل في البنك العربي الأفريقي الذي عمل به لمدة 36 عاما، مثلما فعل زميله هشام عز العرب الذي اعتذر عن الاستمرار في موقع مستشار محافظ البنك المركزي، مفضلا العودة لرئاسة البنك التجاري الدولي الذي عمل فيه مسبقا لسنوات طويلة
( عربي 21 ).