في تطور لافتٍ بالصراع السوداني المحتدم منذ أبريل الماضي، أربكت حرب الجنرالين في الخرطوم ودارفور، حسابات مزارعي التمور بالسودان، واستبدت بهم مشاعر الحِيرة والقلق، إذ يعجز مزارعو التمور عن تسويق محصولهم الأكثر أهميةً وشهرةً، بعد أن صارت الخرطوم أثراً بعد عينٍ، ‘ثر تدمير وحرق أشهر معالمها وتوقُّـف الأنشطة التجارية وحركة المال والأعمال، بعد اندلاع الحرب واحتدام المعارك والقصف المدفعي والصاروخي والجوي العنيف، كما أضحى سوق التمور الأكثر أهميةً وشهرةً بمدينة أم درمان خارج الخدمة تماماً، وتوقّفت شركات الصناعات الزراعية عن العمل، بعد أن لحق بها التدمير والخراب.
تلك التحولات بالغة التعقيد، أسهمت في ارتفاع المخاوف وتضييق فرص تسويق محصول التُّمور لهذا العام، وبالتالي تهديد الموسم برمته بالفشل الذريع، لا سيما أن التمور تُعد المحصول النقدي الأول بمناطق شمال السودان، حيث بدأ موسم حصاد التمور مطلع سبتمبر الحالي بإنتاجية عالية للغاية هذا الموسم.
ويمثل عدم تسويق محصول التمور الوفير هذا العام، خسارة فادحة وطعنة قاتلة لكافة مزارعي الولاية الشمالية، إذ يشبه موسم حصاد التمور، الأعياد الموسمية التقليدية أو ما يشابه موسم العودة إلى الجذور، حيث يلتئم شمل الأُسر المُمتدة خلاله، كما يُعَـدُ موسم التمور سانحة لتسديد الديون وشراء ملابس جديدة وحتى شراء بيوت والزواج وغيرها.
ففي جزيرة أرتقاشا بشمال السودان التي تبعد حوالي 540 كلم تقريبًا بالاتجاه الشمالي للعاصمة الخرطوم، تتم زراعة أشجار النخيل كتقليد متوارث وثقافة متجذرة منذ أزمان بعيدة هناك، تماماً كالغالبية العظمى من مناطق شمال السودان.
جزيرة أرتقاشا بها عشرات الآلاف من أشجار النخيل، ويعتمد مواطنوها على تسويق التمور بشكل كبير لمقابلة احتياجاتهم الضرورية.
عبداللطيف محمد علي، أحد مزارعي التُّمور بأرتقاشا، يُؤكد لـ”العربية.نت” أنّ الحرب الدائرة حالياً بالخرطوم، أثّـرت بطريقة مباشرة على تسويق محصول التمور لهذا العام، ففي الأعوام الماضية درجوا على تسويق المحصول بالكامل إلى العاصمة، وشحنه إلى مدينة أم درمان، حيث سوق التُّمور الأكثر أهميةً وشُـهرةً بالسودان، ومن هناك يتم شحنه مرة أخرى إلى أسواق غرب البلاد وبالتحديد مناطق كردفان ودارفور ذات الكثافة السكانية العالية.
ويشير عبداللطيف إلى أن هناك مصادفة غريبة هذا العام، تتمثل في الإنتاجية العالية لمحصول التمور لهذا الموسم مُقارنةً بالمواسم السابقة، حيث تدنت إنتاجية المحصول بطريقة لافتة، ويعزو ارتفاع الإنتاجية لخبراء وقاية النباتات التابعين لوزارة الزراعة الذين استخدموا مبيدات حشرية فعّالة لمكافحة الحشرة القشرية، بالإضافة إلى تأخر موسم هطول الأمطار، حيث هطلت الأمطار هذا العام عقب نضوج التُّمور على عكس الأعوام الماضية، وكانت تهطل في بداية الموسم فتتسبّب في إفساد التُّمور قبل النضج والحصاد.