عقدت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب يومي 14 و15 نوفمبر2023 ، مراجعتها الدورية لسجل مصر الحقوقي فيما يتعلق بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية، ضمن فعاليات الدورة لـ 78 للجنة، وسط نفى ممثلو الحكومة المصرية من الانتقادات الأممية.
ورغم أن مصر لم تشارك في مثل هذه المراجعة منذ 20 عامًا، تعمد ممثلو الحكومة المصرية تجنب تقديم إجابات ملموسة على الأسئلة والحالات التي أثارها واستعرضها أعضاء لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب خلال المراجعة.
إذ تطرقت أسئلة وملاحظات أعضاء لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب إلى ممارسات منها؛ انتشار الاحتجاز التعسفي دون تهمة وغياب الضمانات القانونية، فضلًا عن استخدام الاحتجاز المطول قبل المحاكمة (الحبس الاحتياطي)، والإخفاء القسري، والتعذيب، وغيرها من الانتهاكات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية.
وبحسب لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، استجابت السلطات المصرية على مدى السنوات الخمس الماضية لـ 317 حالة فقط أثارها فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري وغير الطوعي، في حين تلقت اللجنة تقارير عن 4000 حالة إخفاء قسري خلال الفترة نفسها.
كما أشارت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب إلى ممارسة (التدوير) والتي تعني ضمان احتجاز الأفراد احتياطيًا لفترات تتجاوز الحد القانوني للحبس الاحتياطي المقرر بعامين، من خلال إضافتهم لقضايا جديدة متطابقة.
وكذلك طلبت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب من الحكومة المصرية تقديم معلومات حول سوء المعاملة ومحاولات الانتحار المتعددة في مجمع سجون بدر المُنشأ حديثًا، وغالبًا ما تستشهد به الحكومة المصرية كمؤشر على التقدم المزعوم في سجلها في مجال حقوق الإنسان.
وأثناء مناقشة تشريعات مكافحة الإرهاب في مصر، طلبت اللجنة من الحكومة المصرية الرد على بيان أدلت به المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان، أعربت فيه عن قلقها الشديد من «إساءة توظيف قوانين مكافحة الإرهاب والأمن القومي لتجريم عمل المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر».
كانت لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب قد أشارت في تقريرها السابق عام 2017 إلى «تناقض خطير بين القانون والممارسة» في مصر، وطلبت أثناء جلسة العام الحالي من الحكومة المصرية تقديم معلومات وبيانات تفصيلية في ردودها.
إلا أن ردود الوفد المصري ركزت على سرد التحسن المزعوم في التشريعات المصرية، كما تضمنت تصريحات غير صحيحة، منها عدم وجود مختفيين قسريًا في مصر، وأن حالات التعذيب والوفاة أثناء الاحتجاز يتم التحقيق فبها بشكل وافي من جانب سلطات يدعي الوفد استقلاليتها.
وتمثل هذه الردود الإنكار المتواصل للطبيعة المنهجية لأزمة حقوق الإنسان في مصر، على نحو يعكس افتقار واضح لنية المشاركة البناءة والتعاون المثمر مع اللجنة، وغياب الرغبة في إحراز أي تقدم حقيقي بشأن حالة حقوق الإنسان في مصر.
جدير بالذكر أنه قبيل هذه الجلسة، قدمت مجموعة من المنظمات الحقوقية المصرية والدولية للجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة تقريرًا موازيًا حول ممارسات التعذيب المستمرة في مصر، كما طالبت اللجنة بالإقرار أن التعذيب في مصر ممارسة ممنهجة تصل حد جريمة ضد الإنسانية.
وبرت مظمات حقوقية عن شكرها لاهتمام اللجنة وتطرق أعضائها لبعض المعلومات الواردة فيه أثناء جلسة المراجعة، فإننا نعتقد أن ردود الحكومة المصرية تتطلب من اللجنة تعليق ونقد علني، يفند ضعف حجتها فيما يتعلق بالتقدم المزعوم الذي تدعيه السلطات المصرية.
وعلى الجانب الآخر ينبغي أن تدرك الحكومة المصرية أن الإصلاح الحقيقي وحده هو الذي سيفي بالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الإنسان. وفي هذا السياق نكرر دعوتنا للجنة مناهضة التعذيب لإقرار أن التعذيب في مصر ممارسة ممنهجة تصل حد جريمة ضد الإنسانية.
المنظمات الموقعة: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ولجنة العدالة، والمفوضية المصرية لحقوق الإنسان، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، مركز النديم.