اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 2712 الذي يدعو إلى إقامة هُدن وممرات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة والإفراج الفوري وبدون شروط عن كل الرهائن.
اُعتمد القرار، في المجلس المكون من 15 عضوا، بتأييد 12 عضوا وامتناع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والمملكة المتحدة عن التصويت.
وكانت هذه هي المحاولة الخامسة في المجلس لاعتماد مشروع قرار حول التصعيد في غزة وإسرائيل منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ولم يتمكن المجلس في المرات السابقة من اعتماد أي من مشاريع القرارات التي طرحت عليه إما لاستخدام الفيتو أو عدم الحصول على العدد الكافي من الأصوات.
مالطة رئيسة مجموعة المجلس للأطفال والصراعات المسلحة، قدمت مشروع القرار الذي يدعو إلى إقامة هُدن وممرات إنسانية عاجلة ممتدة في جميع أنحاء قطاع غزة لعدد كاف من الأيام لتمكين الوكالات الإنسانية الأممية وشركائها من الوصول الكامل والعاجل ودون عوائق لتقديم المساعدة الإنسانية وتيسير توفير السلع والخدمات الأساسية المهمة لرفاه المدنيين وخاصة الأطفال في جميع أنحاء قطاع غزة.
وفي هذا الصدد أشار القرار إلى أن تلك الهدن الإنسانية ستُمكن من “إجراء الإصلاحات العاجلة في البنية التحتية الأساسية وجهود الإنقاذ والإنعاش العاجلة بما في ذلك للأطفال المفقودين” في المباني المتضررة والمدمرة بما يشمل الإجلاء الطبي للأطفال المرضى أو الجرحى ومقدمي الرعاية.
ويدعو القرار إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس وغيرها من الجماعات، ولا سيما الأطفال، فضلا عن ضمان الوصول الفوري للمساعدات الإنسانية.
ويهيب القرار بجميع الأطراف الامتناع عن حرمان السكان المدنيين في غزة من الخدمات الأساسية والمساعدة الإنسانية اللازمة لبقائهم على قيد الحياة بما يتفق مع القانون الدولي الإنساني. ويرحب بالعملية الأولية لتوفير الإمدادات الإنسانية للمدنيين في قطاع غزة وإن كانت محدودة، ويدعو إلى توفير هذه الإمدادات لتلبية الاحتياجات للسكان المدنيين وخاصة الأطفال.
ويطالب القرار جميع الأطراف بالامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
ويشدد على أهمية آليات التنسيق والإخطار الإنساني وتفادي التضارب، لحماية جميع العاملين الطبيين والإنسانيين والمركبات والمواقع الإنسانية والبنية التحتية الحيوية، بما فيها مرافق الأمم المتحدة، والمساعدة في تسهيل تنقل قوافل المساعدة والمرضى وخاصة الأطفال المرضى والجرحى ومقدمي الرعاية لهم.
قالت فانيسا فرايزر، مندوبة مالطة الدائمة لدى الأمم المتحدة، – قبل التصويت- إن مشروع القرار “يسعى إلى بث الأمل في هذه الساعة المظلمة. ويهدف إلى ضمان فترة راحة من الكابوس الحالي في غزة وإعطاء الأمل لأسر جميع الضحايا”.
وأضافت أنه يركز بشكل خاص على محنة الأطفال المحاصرين في منطقة الحرب، وأولئك الذين يتم احتجازهم رهائن. وأوضحت أن التدابير التي يشملها القرار ستكفل إمكانية الوصول الآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية.
وأضافت أن القرار كذلك “يسهل التوفير المستمر والكافي ودون عوائق للسلع والخدمات الأساسية المهمة لرفاه المدنيين، وخاصة الأطفال”، فضلا عن إتاحة الفرصة لبذل جهود الإنقاذ والتعافي العاجلة.
وشددت على أن نص القرار يؤكد على الوضع الهش الخاص للأطفال، ويدعو إلى إطلاق سراح الرهائن بشكل آمن وغير مشروط، وخاصة الأطفال الذين تحتجزهم حماس والجماعات الأخرى. وقالت إن هذه أيضا ضرورة إنسانية واضحة لا يمكن تجاهلها. وشددت على أن القانون الدولي الإنساني يوفر حماية عامة للأطفال باعتبارهم أشخاصا لا يشاركون في الأعمال العدائية.
وأشارت إلى أن الأطفال يعانون بشكل غير متناسب في هذا الصراع، مضيفة أنه “لا يمكننا أن نغض الطرف عن معاناتهم في هذه الفترة”.
قالت السفيرة لانا زكي نسيبة الممثلة الدائمة لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة إن مسألة حماية الأطفال كانت بمثابة النجم القطبي الذي استرشد به مجلس الأمن في نهجه بشأن مشروع القرار.
وشددت على ضرورة عدم التقليل من أهمية العناصر الأساسية لهذا القرار وما تعنيه عمليا بالنسبة للناس في غزة، “من أجل الأطفال وغيرهم من الفلسطينيين الذين يلتمسون الأمان من الأعمال القتالية، ومن أجل الأطفال الإسرائيليين وغيرهم ممن لا يزالون محتجزين رهائن، ومن أجل العاملين في المجال الإنساني والطبي التابعين للأمم المتحدة الذين يخاطرون بحياتهم للمساعدة في تخفيف المعاناة الإنسانية الهائلة على الأرض”.
وقالت إن القرار هو أيضا ما ظلت تطالب به الجهات الإنسانية الفاعلة باستمرار باعتباره الحد الأدنى الذي يمكنها من القيام بعملها المنقذ للحياة.
وأضافت: “ويعني القرار توفير وقت ومساحة كافيين في الوقت الفعلي لعمليات البحث والإنقاذ بهدف إنقاذ هؤلاء الأطفال المدفونين تحت الأنقاض، بما في ذلك 1,500 طفل تم الإبلاغ عن فقدهم هناك. وهذا يعني أنه يمكن توصيل الوقود والغذاء والمياه والأدوية والسلع الأساسية الأخرى على نطاق واسع”.
ووصفت القرار بأنه بمثابة خطوة أولى ومهمة ومتأخرة من جانب المجلس. وقالت إنه يعد القرار الأول الذي يعتمده مجلس الأمن حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي منذ عام 2016.
وشددت على الحاجة الملحة لحماية المدنيين وخاصة الأطفال، وضرورة أن توقف إسرائيل الهجمات على المدنيين والأعيان المدنية.
وأشارت إلى أعمال العنف في الضفة الغربية ومقتل نحو 200 فلسطيني منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر وشددت على ضرورة وقف ذلك وأن تحاسب إسرائيل مرتكبي تلك الهجمات.
الولايات المتحدة الأمريكية
قالت ليندا توماس غرينفيلد السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة إن العالم راقب بإحباط وقلق عجز مجلس الأمن عن التحدث علنا بشأن هذه المسألة الملحة المتعلقة بالسلام والأمن الدوليين.
وأضافت أن الكثير من الناس فقدوا الأمل بإمكانية أن يتحدث المجلس بشأن هذا الصراع. ولكنها قالت إن المجلس تبنى قرارا اليوم “لأن معظمنا عمل بشكل بناء وبحسن نية من أجل اعتماد القرار”.
وبرغم إبداء خيبة أملها لأن مشروع القرار “لا يتضمن إدانة لحماس، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي نتبنى فيها قرارا يذكر كلمة حماس”.
وأعلنت تأييدها الكامل لدعوة القرار إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن الذين تحتجزهم حماس والجماعات الأخرى.
وأعربت ليندا توماس غرينفيلد عن أملها في أن تساعد الهُدن الإنسانية الأمم المتحدة والشركاء في المجال الإنساني في توصيل المساعدات وتمكين المرور الآمن للمدنيين الفارين من العنف.
ورغم أن هذا القرار يشكل خطوة إلى الأمام، إلا أن السفيرة الأمريكية قالت إن اعتماده وحده لن ينقذ الأرواح، “ولهذا السبب، عمل الرئيس بايدن والوزير بلينكن، منذ البداية، بشكل شامل مع الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الأخرى جنبا إلى جنب مع شركائنا الإقليميين، للاستجابة لهذه الأزمة لإنقاذ الأرواح. ويتعين علينا جميعا أن ندعم الجهود البطولية التي تبذلها الأمم المتحدة وغيرها من الجهات العاملة في المجال الإنساني في غزة”.
وشددت أيضا على ضرورة البدء في استشراف المستقبل وإرساء الأساس لسلام مستدام يضع أصوات الشعب الفلسطيني وتطلعاته في قلب عملية الحكم في مرحلة ما بعد الأزمة في غزة.
قبل التصويت على مشروع القرار، الذي اعتمده المجلس، اقترح السفير الروسي لدى الأمم المتحدة إضافة تعديل شفهي يدعو إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية.
وبطرح التعديل للتصويت، أيده 5 أعضاء فقط واعترضت عليه الولايات المتحدة الأمريكية وامتنع 9 أعضاء عن التصويت. وبذلك لم يُعتمد لعدم حصوله على العدد الكافي من الأصوات.
وأعرب السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا عن “خيبة الأمل” لعدم تبني التعديل الذي اقترحته روسيا.
وأضاف “لدينا مخاوف جدية بشأن عدم تنفيذ أحكام هذا القرار على أرض الواقع”.
وتساءل عمن سيوافق على الهُدن الإنسانية، ومن سيراقبها ويتحقق منها، وما هي العواقب المترتبة على عدم الالتزام بها.
ونبه إلى أن “الوثيقة (القرار) التي اعتمدناها لن تساهم في تخطي الأزمة الإنسانية التي يعيشها قطاع غزة ويعاني منها سكانه”.
وأضاف أنه سيتعين على المجلس أن يتخذ قرارا بشأن الخطوات الإضافية لمتابعة تنفيذ القرار بما في ذلك إذا ما كان سيتم إرسال مراقبين لمنطقة الصراع، وما هي الجهة الأممية التي ستشارك في هذا الأمر. وأكد أن الأولوية المطلقة هي اعتماد مُخرج قوي من مجلس الأمن تتضمن دعوة لا لبس فيها لوقف فوري لإطلاق النار.
وأوضح أنه لا يسع بلاده إلا الاستجابة للنداءات، بما في ذلك النداءات من قبل بلدان المنطقة إلى مجلس الأمن لتبني نوع ما من القرارات الإنسانية، مضيفا أن هذا هو السبب الوحيد الذي “جعلنا نختار تجاهل أوجه القصور العديدة في نص مشروع القرار”، في إشارة إلى امتناعه فقط عن التصويت وعدم استخدام حق الفيتو ضد مشروع القرار.
وأشار السفير الروسي إلى أن أبرز أوجه القصور هذه هو عدم وجود دعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، مؤكدا أن أي عمل إنساني يتطلب الوقف الفوري للقتال.
قال رياض منصور، المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة إن القرار الذي تبناه المجلس اليوم، “لم يدن قتل إسرائيل لـ 11 ألف فلسطيني، أغلبهم من المدنيين، ومن بينهم 5000 طفل فلسطيني. ولم يدن الهجمات العشوائية التي تشنها إسرائيل”.
وأضاف أن القرار كذلك لم يدن “الاعتداء على المستشفيات والمدارس، وقيام إسرائيل بقتل موظفي الأمم المتحدة والصحفيين والعاملين في المجال الإنساني والأطباء وفرق الإنقاذ”.
وشدد منصور على أن مجلس الأمن كان ينبغي أن يدعو إلى وقف إطلاق النار منذ وقت طويل، وكان يجب عليه أن يدعو إلى وقف إطلاق النار الآن.
وأضاف “كان ينبغي له (المجلس) أن يستجيب لنداء الأمم المتحدة وكل منظمة إنسانية على وجه الأرض تدعو إلى وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية. وكان يتعين عليه على الأقل أن يكرر دعوة الجمعية العامة إلى هدنة إنسانية فورية ودائمة ومستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية”.
وأشار أيضا إلى أن مجلس الأمن كان يجب عليه أن يقتنع بأنه لا يوجد حل عسكري، “خاصة الذي يعتمد على ارتكاب الفظائع”، وأن يأتي بحلول سياسية متقدمة.
وقال إنه في اللحظة التي “تتوقف فيها القنابل سنرى النتائج” بما في ذلك إنقاذ الأرواح، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، وإنقاذ الآلاف تحت الأنقاض بمن فيهم الأطفال الفلسطينيون، فضلا عن السماح بإطلاق سراح الأشخاص رهن الاحتجاز.
وتحدث منصور عما وصفه بخطة الحكومة الإسرائيلية الحالية قائلا “خطتها هي استمرار سلب وتشريد وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه”.
وأضاف أن “مثل هذه المخططات” لا تحرم الشعب الفلسطيني فحسب من حقوقه، بل تحرم المنطقة أيضا من أي فرصة للسلام والأمن المشتركين.
وختم كلمته بالقول “هناك واقع بديل يكون فيه الفلسطينيون أحرارا ولا يُقتل فيه أي فلسطيني أو إسرائيلي. لقد حان الوقت لهذا الواقع كي يسود”.
نائب الممثل الدائم لإسرائيل لدى الأمم المتحدة بريت جوناثان ميلر قال إن قرار المجلس اليوم منفصل عما يحدث على أرض الواقع.
وبرغم إشادته بالدعوة إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن إلا أنه أعرب عن الأسف لأن “هذا القرار لن يجد آذانا صاغية عندما يتعلق الأمر بحماس”.
وقال إن مجلس الأمن اجتمع حول هذه المسألة تقريبا عشر مرات “ولم ينجح بعد في إدانة مجزرة 7 تشرين الأول/أكتوبر التي ارتكبتها حماس”.
وأوضح نائب الممثل الدائم لإسرائيل أن القرار يركز فقط على الوضع الإنساني في غزة، لكنه لم يتطرق إلى الأسباب التي قادت إلى هذه اللحظة، “الأمر الذي يبدو كما لو أن ما نشهده في غزة حدث من تلقاء نفسه”.
وقال بريت جوناثان ميلر إن إسرائيل تعين عليها أن تتحرك “من أجل الدفاع عن مستقبلنا. مهمة إسرائيل، مثلما قلنا بوضوح من قبل، هي القضاء على قدرات حماس”.
وأوضح أن إسرائيل نفذت بالفعل هدنات إنسانية تكتيكية يومية للسماح للمدنيين في غزة بالإخلاء بشكل مؤقت.
وقال إن إسرائيل وافقت حتى اليوم، على دخول ما يقرب من 1400 شاحنة محملة بآلاف الأطنان من المساعدات، واتهم حماس “بتخزين الغذاء والوقود والإمدادات الطبية…. مما يترك المدنيين في غزة بلا شيء لأسابيع”.
وأضاف أن إسرائيل دعت إلى الإخلاء المؤقت لجميع المستشفيات في شمال غزة من أجل تخفيف الخسائر وحماية حياة المدنيين.
وذكر السفير الإسرائيلي أن قرار مجلس الأمن لا يساهم بأي شيء فيما يتعلق بالوضع على الأرض، مشيرا إلى أن “إعادة الرهائن إلى الوطن” تمثل الأولوية القصوى لإسرائيل، “وستواصل إسرائيل القيام بكل ما يلزم لتحقيق هذا الهدف”.