تعمل الحكومة الصينية على تصوير الطعام التقليدي للإيغور على أنه “قذر”، حيث ينظر الحزب الشيوعي الصيني إلى العديد من جوانب حياة الإيغور على أنها “متخلفة” وفق تقرير لمجلة “فورين بوليسي”.
وتسعى سلطات بكين إلى إعادة تشكيل التعبير الثقافي لهذه الأقلية بطريقة تعزز مجموعة من أذواق وعادات مسموح بها رسميًا كمعيار للنظافة، بتنظيم دورات لتغيير نمط تحضير الأطباق بل وتغييرها.
ويروج المسؤولون الصينيون فكرة أن المطبخ الإيغوري “لا طعم له”، ويعكس العقليات البسيطة والدينية لأولئك الذين يستهلكونه، بينما الحقيقة هي أن الطعام الذي يتم إعداده وتقديمه في منازل ومطاعم الإيغور “متنوع مثل المجتمعات التي تسكن واحات حوضي تاريم وجونجار” وفق تقرير المجلة.
أطباق متنوعة
وتجد في مطبخ الإيغور أطباقا متنوعة وشهيرة، مثل طبق اليخنة المغطاة بالعجين والتي تسمى “موري يابميسي”.
واليخنة هي طبق طعام مؤلف من مكونات غذائية مثل الخضار واللحوم مغلية ويقدم مع المرق.
ومن أبرز مكونات أطباق “مطبخ الإيغور”، نجد القمح والأرز والذرة والذرة الرفيعة واللحوم الحلال والفواكه والخضروات التي تتحمل المناخات القاحلة، والتي يتم تتبيلها بمختلف أنواع الفلفل والبصل والكمون.
وتوفر موسوعة طعام الإيغور، المنشورة في أورومتشي، عاصمة منطقة شينجيانغ الإيغورية ذاتية الحكم، عام 2007 وصفات لأكثر من 1800 طبق مختلف.
تقول مقدمة المجلد: “يحظى المطبخ الإيغوري بالتقدير محليًا وخارجيًا بسبب أصنافه العديدة وتقنيات الإعداد المعقدة والدقيقة والجودة العالية والفوائد الغذائية والطبية”.
لكن المناخ السياسي في شينجيانغ تغير بشكل كبير منذ عام 2007، عندما نُشرت موسوعة طعام الإيغور لأول مرة.
ولم تعد بكين تشيد بالفوائد الغذائية أو الطبية لمطبخ الإيغور. وبدلاً من ذلك، يعد إدخال “المطبخ الصيني” إلى مجتمعات الإيغور جزءًا أساسيًا من “عمل الاستقرار” الشامل للدولة.
وبالإضافة إلى آليات السيطرة القمعية والعنيفة في كثير من الأحيان المفروضة على المنطقة في السنوات الأخيرة – بما في ذلك السجن الجماعي، وتحديد النسل، والقمع الديني – تحاول بكين الآن إعادة تشكيل ثقافة الإيغور نفسها.
و تقوم حملة “زيارة الشعب وإفادة الناس وجمع قلوب الناس معًا” (فانغويجو)، التي يشار إليها أحيانًا باسم حملة “أن نصبح عائلة”، بإرسال موظفي الحكومة، إلى “العيش والدراسة والعمل” مع الإيغور في جميع أنحاء شينجيانغ.
وبحسب أرقام عام 2018، زار 56 ألف فريق عمل أكثر من 380 مليون شخص في السنوات الأربع الأولى من الحملة.
والآن، في مرحلته الثالثة (2021 إلى الوقت الحاضر)، لا يعمل هؤلاء العمال كعيون وآذان الحكومة فحسب، حيث يبلغون عن أي اتجاهات “متطرفة” بين السكان، ولكن أيضًا كناقلين للثقافة “الصحية”.
دروس الطبخ الصينية
تعتبر دروس الطبخ نقطة محورية في ورش العمل المنزلية التي باشرتها الحكومة الصينية تجاه العائلات الإيغورية.
تروج هذه السياسية لفكرة أن “الأنظمة الغذائية في جنوب شينجيانغ رتيبة”، لذلك يقدم الموفدون من بكين “تعليمات عملية” حول إعداد الوجبات والتوجيه لتنمية العادات الغذائية “العلمية والصحية”.
وفي إحدى الفعاليات في مقاطعة كوناشهر، تلقن أعضاء “اتحاد نساء شينجيانغ” النساء المحليات “عادات الأكل الصحية”، والتي تبدأ بأطعمة الإفطار مثل فطائر البصل الأخضر، وأعواد العجين المقلية، والزلابية، واللفائف المطبوخة على البخار، والأطباق الباردة، ومجموعة متنوعة من السلطات والحساء – ومختلف الأطباق التي، على الرغم من أنها قد لا تكون جميعها صحية في الواقع، إلا أنها توجد عادةً في أكشاك الإفطار في جميع أنحاء مدن وسط وشرق الصين.
لكن دروس الطبخ لا تهدف فقط في الواقع لتعليم الإيغور كيفية تغذية أجسادهم بشكل أفضل.
والغذاء والطريقة التي يتم بها استهلاكه في الصين يشكلان أدوات مهمة يتم من خلالها إنشاء الهويات الاجتماعية والثقافية والحفاظ عليها.
وتدريب الإيغور على إعداد المأكولات “الصينية” يعمل أيضًا على خلق بيئة أكثر ملاءمة لموفدي بكين الذين يتم إرسالهم “للعيش والدراسة والعمل” في المنطقة – والذين، على الرغم من رغبتهم في أن يغير الإيغور عاداتهم الغذائية، لم تكن لديهم أي نية للتغيير.
يذكر أن تقريرا لوكالة أنباء شينخوا في الأول من نوفمبر 2023، إلى أن أكثر من 7 ملايين سائح زاروا المنطقة في عام 2023 وحده.
وأشار ليو تشيوان، نائب مدير إدارة الثقافة والسياحة في شينجيانغ، إلى “المطبخ المحلي الشهير” باعتباره أحد القوى الدافعة الرئيسية وراء هذه الأعداد المرتفعة.
كيف يفسر هذا التناقض؟
تعتبر بكين أن طعام الإيغور مقبول طالما تم الاستيلاء عليه وإعادة تسميته كغذاء عام “لشينجيانغ”.
وأطلقت أسرة تشينغ على المنطقة اسم “شينجيانغ”، والذي يعني “الإقليم الجديد”، في عام 1884.
وتحت رعاية هذا اللقب الغامض، سعت الدولة الصينية الحديثة إلى استيعاب الثقافات المحلية المتميزة، ليس فقط الإيغور ولكن أيضا الكازاخستانية والأوزبكية، والتحول إلى هوية “شينجيانغ” الأوسع، والتي تشكل في حد ذاتها جزءاً مما يسميه الحزب الشيوعي الصيني “الأمة الصينية”، أو تشونغهوا مينزو، وهي الهوية الجماعية التي تعترف بالتنوع السكاني في الصين ولكنها تصر على وحدتهم.
وهكذا تصف وسائل الإعلام الرسمية خبز النان مثلا، وهو الغذاء الأساسي للإيغور، بأنه يتقاسم تاريخًا طويلًا مع الناس من جميع الأعراق في شينجيانغ، مما يعني أنه جزء أساسي من الثقافة الصينية الأوسع وليس تركيًا أو ينتمي إلى آسيا الوسطى بالتالي حكر على الإيغور.
في الوقت نفسه، تحاول بكين إزالة الأطعمة الأصلية من منازل الإيغور بينما تقدم نفس الأطباق مثل “طعام شينجيانغ” غير العرقي للسياح على أنه طبق صيني.