منذ عقود ظل تطوير القطاع الصناعي في مصر على “رأس أولويات” الحكومات المتلاحقة كما كانت تُعلن، حيث المزيد من الخطط التي تأمل من خلالها في إحلال الواردات بالسلع المنتجة محليا، وذلك في سبيل الهدف الأكبر المتمثل في تخفيف الضغط على موارد البلاد من العملات الأجنبية.
وتحدث وزير الصناعة والنقل المصري، كامل الوزير، مؤخرا في مقابلة تلفزيونية عما أسماه “صناعة الدولار” في مصر، من خلال تطوير القطاع الصناعي، إذ يقول: “النهاردة لما نطور الصناعة ونزود إنتاجنا من الصناعة، فاحنا هنصنع الدولار”، ويشير إلى أن “هذا سيسهم في تراجع سعر صرف الدولار إلى 25 جنيها بدلا من 50 جنيها” على حد قوله.
ويوضح في مقابلة بثتها قناة “إكسترا نيوز” المحلية، الثلاثاء، أن الحكومة الجديدة، لديها خطة “عاجلة” لمدة 3 سنوات لتطوير القطاع الصناعي، بهدف استبدال الواردات السلعية بالإنتاج المحلي، مما يوفر للدولة المزيد من العملة الصعبة.
ومنذ أكثر من 3 أعوام وحتى مارس الماضي، كانت مصر تعاني نقصا حادا في العملات الأجنبية بسبب ما يقول مسؤولون إنه يرجع إلى “الأزمات العالمية.. من جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا وصولا إلى الحرب في قطاع غزة”، الأمر الذي أدى إلى أزمة اقتصادية خانقة مع تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
لكن منذ مارس الماضي، تحسنت التدفقات الدولارية إلى البلاد مع سماح البنك المركزي في السادس من الشهر ذاته، بانخفاض الجنيه بأكثر من 60 بالمئة، على خلفية الاتفاق مع صندوق سيادي تابع لحكومة أبوظبي، على ضخ استثمارات بنحو 35 مليار دولار، لتنمية منطقة “رأس الحكمة”، وكذلك الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، على استئناف برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم التوافق بشأنه في ديسمبر 2022.
ومع ذلك، يرى خبراء الاقتصاد أن الحديث عن استهداف سعر صرف للدولار في السوق المصرية لا يجب أن يقترن بخطط تطوير الصناعة في البلاد، حيث يقول الخبير الاقتصادي، محمد فؤاد، إن “استهداف سعر صرف للعملة المحلية ليس بالهدف المهم اقتصاديا، إذ إن المرساة النقدية لأي دولة هي معدلات التضخم وليست أسعار الصرف”.
ويضيف لموقع “الحرة” أن “الحديث عن تخفيض سعر صرف الدولار أمام الجنيه ليس إنجازا اقتصاديا، وليس أمرا من المفترض أن يتمحور الحديث حوله في الوقت الراهن، خصوصا مع إعلان البنك المركزي قبل أكثر من 4 أشهر استهداف التضخم فقط بالتزامن مع تعويم الجنيه”.
ويتابع فؤاد، وهو برلماني سابق، أن “سعر صرف الدولار إشكالية طاغية في مصر على مدار 25 و30 عاما الماضية، حيث استخدم هدف خفض سعر الصرف كمقياس لنجاح أي مرحلة اقتصادية، خصوصا مع ربط ذلك بتطوير القطاع الصناعي. لكن في الحقيقة قوة العملة ليست مقياسا على النجاح”.
ويؤكد الخبير الاقتصادي على أن “خطط تطوير الصناعة المحلية يجب أن تستند على زيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي للبلاد خلال المرحلة المقبلة، من المستوى الحالي الذي يدور حول 16 بالمئة”.
وتراجعت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي خلال العقدين الماضيين إلى 16 بالمئة حسب بيانات وزارة التخطيط المصرية، من 26.4 بالمئة في عام 2003، وفقا لتقرير الاقتصادي العربي الموحد لعام 2004 الصادر عن صندوق النقد العربي.
وفي تقرير سابق قبل أكثر من عام، تكشفت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية أن أداء القطاع الصناعي بالبلاد، جاء دون المستوى المأمول خلال العام المالي قبل الماضي 2022\2023، حيث سجل معدل نمو سالب عند 3.4 بالمئة، بسبب وجود طاقات إنتاجية معطلة نتيجة صعوبة تدبير النقد الأجنبي بالقدر الكافي لاستيراد مكونات ومستلزمات الإنتاج الوسيطة من الخارج، وتأخر عمليات الإفراج الجمركي عن هذه المكونات الأجنبية.
وحسب الخبراء الذين تحدثوا مع موقع “الحرة” فإن مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج تُشكل النسبة الأكبر من مكون الصناعة المحلية في مصر بما يتراوح بين 50 و70 بالمئة”.
فيما يذكر وزير الصناعة والتجارة السابق، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية، عام 2022، أن مستلزمات الإنتاج تمثل 56 بالمئة من إجمالي الواردات.
وخلال التسعة أشهر الأولى من العام المالي الماضي 2023\2024، بلغ حجم واردات إلى مصر نحو 52.9 مليار دولار، فيما بلغت الصادرات 24.1 مليار دولار، حيث سجل ميزان المدفوعات عجزا بنحو 28.8 مليار دولار، حسب بيانات البنك المركزي.