تشهد الساحة الليبية تصعيداً جديداً في الصراع السياسي، وذلك على خلفية قرار المجلس الرئاسي بإقالة الصديق الكبير من منصب محافظ مصرف ليبيا المركزي وتعيين محمد عبدالسلام الشكري خلفاً له. هذا القرار أثار حفيظة المجلس الأعلى للدولة الذي اعتبره “منعدماً ولا قيمة له ولا يعتد به”، مستنداً في ذلك إلى مجموعة من الأسانيد القانونية والسياسية.
خلاف عميق:
يعود جوهر الخلاف بين المجلسين إلى الاختلاف حول الصلاحيات المتعلقة بتعيين محافظ مصرف ليبيا المركزي. فبينما يرى المجلس الرئاسي أن له الحق في اتخاذ هذا القرار، يصر المجلس الأعلى للدولة على أن هذا الأمر يتطلب توافقاً بين المجلسين، استناداً إلى نصوص واضحة في الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي.
أبعاد الصراع:
يتجاوز هذا الصراع الإطار القانوني الضيق، ليشمل أبعاداً سياسية واقتصادية أوسع. فمصرف ليبيا المركزي يعتبر مؤسسة حيوية للاقتصاد الليبي، وتعيين محافظ جديد له يعني التحكم في السياسة النقدية للدولة، وهو ما يثير مخاوف من تداعيات اقتصادية محتملة.
القرارات الأخيرة بشأن إدارة مصرف ليبيا المركزي وتطورات الوضع
في 12 أغسطس الجاري، صدرت قرارات هامة تتعلق بإدارة مصرف ليبيا المركزي، تمثلت في قرارين رئيسيين.
القرار الأول، برقم 19، تضمن تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي. تجدر الإشارة إلى أن مجلس النواب قد ألغى في وقت سابق من الأسبوع الماضي قرار تعيين محمد عبدالسلام الشكري محافظًا للمصرف، الذي كان قد صدر في 2018.
القرار الثاني، برقم 20، نص على تشكيل مجلس إدارة جديد للمصرف المركزي، حيث يواصل المجلس الجديد مهامه إلى حين التوصل إلى توافق بشأن مجلس إدارة دائم وفقًا لخارطة الطريق للحل الشامل واتفاق بوزنيقة. كما يلزم المجلس الجديد بالامتثال للنظم والتشريعات المعمول بها وتنفيذ الترتيبات المالية الطارئة والموقتة.
في تطور لاحق، أعلن المجلس الرئاسي في يوم الأحد 18 أغسطس عن اتخاذه قرارًا بالإجماع بشأن انتخاب محافظ جديد للمصرف المركزي وتشكيل مجلس إدارة جديد. وتهدف هذه الخطوة إلى ضمان استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية في البلاد وتعزيز قدرة المصرف المركزي على أداء مهامه بكفاءة وفعالية، لضمان استمرارية تقديم الخدمات المالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
هذا الإعلان جاء بعد يومين فقط من قرار مجلس النواب بإيقاف العمل بالقرار رقم (3) الصادر في العام 2018، والذي كان قد عين محمد عبدالسلام الشكري محافظًا لمصرف ليبيا المركزي. وأكد مجلس النواب استمرار العمل بقرار هيئة رئاسة المجلس رقم (25) لسنة 2023، والذي يفوض الصديق عمر الكبير كمحافظ للمصرف ومرعي مفتاح رحيل البرعصي كنائب له.
من جهة أخرى، أكد المجلس الأعلى للدولة استمرارية الصديق الكبير كمحافظ للمصرف المركزي إلى حين البت في المناصب السيادية. وقد اعتبر المجلس قرار المجلس الرئاسي بتسمية محمد عبدالسلام الشكري محافظًا جديدًا قرارًا “منعدمًا” ولا قيمة له، مستندًا إلى أحكام الإعلان الدستوري والاتفاق السياسي والتفاهمات السياسية بين مجلسي النواب والدولة في أبوزنيقة، بالإضافة إلى قرارات مجلس الأمن الدولي.
وأشار مجلس الدولة إلى أن تعيين محافظ المصرف المركزي يتطلب توافقًا بين مجلسي النواب والدولة وفقًا للمادة 15 من الاتفاق السياسي الليبي، وأن قرار المجلس الرئاسي لا يتوافق مع هذه المادة. كما أكد المجلس الأعلى للدولة أن المادة الثانية من مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي تمنح المجلس الرئاسي صلاحيات تنفيذية محددة، ولا تشمل تعيين أو إقالة شاغلي المناصب السيادية مثل محافظ المصرف المركزي.
مخاوف من التصعيد:
يشعر المراقبون بالقلق من أن هذا الخلاف قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد في الأزمة الليبية، خاصة وأن كلا المجلسين يتمتع بدعم عسكري. كما أن التدخلات الخارجية في الشأن الليبي قد تزيد من تعقيد الأزمة.
مواقف دولية:
تتابع المجتمع الدولي باهتمام تطورات الأزمة الليبية، وتدعو الأطراف الليبية إلى الحوار والتفاهم من أجل التوصل إلى حل سلمي. وقد أصدر مجلس الأمن الدولي عدة قرارات تدعو إلى توحيد المؤسسات الليبية، بما في ذلك مصرف ليبيا المركزي.
يبدو أن حل هذا الخلاف لن يكون سهلاً، ويتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة. وتبقى الحاجة ماسة إلى توافق وطني بين الليبيين لإنهاء الأزمة المستمرة منذ سنوات.