أشعل الصراع على المصرف المركزي فتيل أزمة متعددة الأبعاد تهدد بتقويض أركان الدولة الليبية، حيث تزايدت المخاطر الأمنية وتدهورت الأوضاع المعيشية، مما يهدد باندلاع صراع أوسع نطاقًا ويدفع بالبلاد نحو مزيد من الانقسام والفوضى.
تعليق عمل موظفي مصرف ليبيا المركزي
أكد مصرف ليبيا المركزي، في بيان رسمي صدر اليوم الجمعة، استمرار تعليق عمل موظفيه إلى حين إلغاء القرارات التي أصدرها المجلس الرئاسي بشأن تسمية محافظ جديد ومجلس إدارة جديد للمصرف.
وقد استثنى المصرف من هذا التعليق المهام المرتبطة بالمنظومات والخدمات الإلكترونية، وذلك حرصًا منه على استمرارية الخدمات المصرفية الأساسية.
\وجاءت هذه الخطوة على خلفية محاولة إجبار محافظ البنك، الصديق الكبير، على تسليم مهامه إلى محمد الشكري، الذي عينه المجلس الرئاسي خلفاً له بناءً على انتخابه من قبل مجلس النواب في عام 2018.
وفي سياق متصل، نفى المصرف بشكل قاطع ما يتداول على صفحات التواصل الاجتماعي بشأن صدور تصريح رقم 2 من لجنة التسليم والتسلم المكلفة من المجلس الرئاسي، معتبرا أن هذه القرارات صادرة عن غير ذي صفة وباطلة ومخالفة للقانون.
يستند الصديق الكبير إلى قرار مجلس النواب الذي صوَّت بالإجماع في جلسته الرسمية بمقره في بنغازي على إلغاء تكليف محمد الشكري واستمرار الصديق الكبير ونائبه مرعي البرعصي في منصبيهما، مع توجيه دعوة لتشكيل إدارة جديدة للبنك خلال عشرة أيام. ومع ذلك، يعبّر البعض عن تحفظاتهم بشأن الجلسة التي أصدرت هذا القرار، مشيرين إلى عدم توافر النصاب القانوني الكافي.
أضافت محكمة جالو إلى تعقيد الوضع عندما قضت بوقف قرارات المجلس الرئاسي المتعلقة بإقالة محافظ المصرف المركزي وتشكيل مجلس إدارة جديد. وفي تطور إضافي، دعت لجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب الصديق الكبير إلى نقل مقر المصرف إلى بنغازي لضمان استمرارية العمل المالي وحماية مصالح الليبيين.
حرب مصرف ليبيا المركزي
يعود سبب هذا التعليق إلى الخلاف القائم بين مصرف ليبيا المركزي والمجلس الرئاسي حول إجراءات تعيين محافظ جديد ومجلس إدارة جديد للمصرف، حيث يرى المصرف أن هذه الإجراءات مخالفة للقانون ولا تتوافق مع الأطر القانونية المنظمة لعمل المصرف المركزي.
وأعربت بعثة الأمم المتحدة عن قلقها البالغ إزاء التهديدات المتزايدة لاستقرار ليبيا، لا سيما الصراع على قيادة المصرف المركزي وتعبئة الفصائل المسلحة.
وحذرت البعثة من أن هذه التطورات قد تؤدي إلى اندلاع مواجهات مسلحة واسعة النطاق، مما يعرض حياة المدنيين للخطر ويعيق جهود إعادة إعمار البلاد. ودعت البعثة جميع الأطراف الليبية إلى التحلي بروح المسؤولية والعودة إلى الحوار السلمي، كما ناشدت المجتمع الدولي إلى تقديم الدعم اللازم لجهود الأمم المتحدة في هذا الصدد.”
مجلس النواب يرفض قرارات الرئاسي
وأكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح رفضه التام لقرار المجلس الرئاسي بتعيين محمد الشكري محافظًا للمصرف المركزي، معتبرا هذا الإجراء محاولة لـ”نهب المال العام”. وأشار صالح إلى أن مجلس النواب مصر على بقاء الصديق الكبير في منصبه حفاظًا على أموال الشعب الليبي واستكمال عملية توحيد المصرف المركزي.
السفارة الأمريكية تدخل على الخط
من جانبها أعربت سفارة الولايات المتحدة عن قلقها البالغ إزاء التطورات الأخيرة المتعلقة بمصرف ليبيا المركزي، محذرة من أن اللجوء إلى القوة لحل هذه الأزمة سيكون له تداعيات خطيرة على سلامة هذه المؤسسة الحيوية واستقرار البلاد، فضلاً عن تأثيرات سلبية على العلاقات الاقتصادية الدولية لليبيا.
ودعت السفارة جميع الأطراف إلى التحلي بالمسؤولية والعمل على تهدئة الأوضاع واللجوء إلى الحوار البناء للتوصل إلى حلول سلمية وعادلة.
قلق الأمم المتحدة من أزمة المصرفي الليبي
كما حثت ستيفاني خوري، القائمة بأعمال بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، خلال اجتماعها مع رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، على ضرورة حل أزمة مصرف ليبيا المركزي من خلال الحوار. جاء ذلك في تغريدة نشرتها على حسابها الشخصي على منصة «إكس».
في إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي، أوضحت خوري أن جهود تغيير محافظ المصرف، الصديق الكبير، كانت مدفوعة بانطباع لدى القيادات السياسية والأمنية في غرب ليبيا بأن المصرف يركز على تسهيل الإنفاق في الشرق بدلاً من الغرب.
وأشارت إلى أن هذه الخطوة جاءت بعد أشهر من محاولات وضع ميزانية موحدة، واعتماد إضافي من قبل مجلس النواب قدمته الحكومة التي يرأسها أسامة حماد بشكل أحادي، وهو ما قوبل بانتقادات من بعض الأطراف في الغرب الليبي.
كما ناقشت خوري مع جيريمي برنت، القائم بأعمال السفارة الأميركية، التحديات الراهنة التي تواجه ليبيا، بما في ذلك الانقسام المؤسسي. وشددت على أهمية نزاهة المؤسسات ومساءلتها، وأكدت ضرورة الالتزام بالحوار لحل جميع القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية.
المجلس الجديد:
في ظل هذه الأوضاع، أعلن المجلس الجديد للإدارة الذي شكله المجلس الرئاسي عن تشكيل لجنة للتحقيق في ما وصفه بالممارسات الجسيمة التي ارتكبتها الإدارة السابقة. جاء هذا الإعلان بعد محاولة المجلس تسلم مهامه دون اتباع إجراءات التسليم المعمول بها. من جانبه، عقد الصديق الكبير اجتماعاً مساء الثلاثاء بمقر البنك مع بعض مسؤولي البنك، حيث ناقش توسيع نطاق خدمات الدفع الإلكتروني.
من المتوقع أن يؤثر هذا التعليق على سير العمل في المصرف المركزي، وقد يؤدي إلى بعض الاضطرابات في القطاع المصرفي الليبي. ومع ذلك، فإن استمرار عمل المنظومات والخدمات الإلكترونية من شأنه أن يخفف من حدة هذه الآثار.
يبقى الوضع في ليبيا متأزمًا، والخلافات السياسية تؤثر بشكل مباشر على عمل المؤسسات الحيوية مثل مصرف ليبيا المركزي. ومن المتوقع أن يستمر هذا الوضع إلى حين التوصل إلى حل سياسي شامل للأزمة الليبية.