ما نشهده اليوم في العالم العربي ليس مجرد تصاعد في التوترات العسكرية والسياسية، بل هو فصل جديد من صراع قديم، يُعاد تشكيله بوجوه جديدة وأدوات أكثر تعقيدًا. إذا لم نكن حذرين، فقد نجد أنفسنا على أعتاب كارثة إقليمية. الحديث هنا عن حزب الله وإسرائيل، ولكن في الحقيقة المسألة أوسع من مجرد صراع بين طرفين. هناك أبعاد دولية، إقليمية، وحتى اجتماعية داخلية قد تدفع الجميع نحو حافة الهاوية.
بداية، دعونا نكون واضحين. حزب الله ليس مجرد حسن نصر الله وخطاباته المليئة بالشعارات. حزب الله كيان معقد له قراراته الداخلية التي تُتخذ بعد الكثير من الحسابات الدقيقة. قرار واحد قد يشعل المنطقة أو يُخمد النيران المشتعلة. والمفارقة الكبرى هنا أن حزب الله، رغم قوته العسكرية التي يمتلكها، حتى لو لم يستخدمها، يعيش في أضعف مراحله، سواء على المستوى الشعبي أو السياسي داخل لبنان. التنظيم الذي كان يومًا ما رمزًا للمقاومة أصبح اليوم في مواجهة مجتمع لبناني ممزق بين الخوف والاحتياج، وبين رفض ممارسات الحزب واحتياجاته الإنسانية.
على الجهة الأخرى، إسرائيل تستغل هذا الوضع بكل مهارة. حتى الآن، نجحت عسكريًا في غزة وجنوب لبنان، ولا أحد يمكنه إنكار ذلك. لكن الأهم هو أن إسرائيل تسعى لتحقيق مكاسب سياسية كبرى من خلال توريط الولايات المتحدة في هذا الصراع. قد يبدو هذا السيناريو خيالياً للبعض، ولكن إذا نظرنا بعمق إلى التباينات القائمة بين واشنطن وتل أبيب، سنفهم أن إسرائيل تريد من هذا التورط الأمريكي تحقيق مكسب استراتيجي هائل.
أين يقف حزب الله في هذا المشهد؟
ربما يسأل البعض: لماذا لم يرد حزب الله بشكل قوي على خسائره؟ الإجابة بسيطة ومعقدة في الوقت ذاته. لبنان، كدولة، تسعى للحفاظ على دعم دولي مهم من 12 دولة تتضامن مع الشعب اللبناني في المحافل الدولية. وهذا الدعم يمنح لبنان مكاسب سياسية لا يمكن تجاهلها. حزب الله، رغم كل شيء، لا يريد أن يخسر هذا التضامن، لأنه يعرف جيدًا أن خسرانه سيجعل هذه الدول جزءًا من الحرب ضده.
والأمر هنا ليس مجرد لعبة سياسية على الساحة الدولية، بل هي معركة داخلية أيضًا. المجتمعات اللبنانية ليست موحدة خلف حزب الله. بالعكس، هناك انقسامات حادة داخل لبنان، بعضها اقتصادي، والبعض الآخر اجتماعي وديني. هذه الانقسامات تجعل الوضع الداخلي للبنان أكثر هشاشة وتعقيدًا. وبينما يعاني الكثيرون في الشوارع من الفوضى والاحتياج، يشعر البعض الآخر في منازلهم بالخوف من أن تتحول بلادهم إلى “غزة جديدة” بسبب ممارسات الحزب.
ولا يمكن أن نتجاهل الدور الإيراني في هذا المشهد. إيران تلعب دورًا مزدوجًا هنا، فهي لا تريد الانجرار إلى حرب شاملة مع إسرائيل أو الولايات المتحدة، لكنها أيضًا لا تريد التخلي عن حزب الله. إيران، كعادتها، تلعب على الحبل الرفيع بين التصعيد والتهدئة، وتسعى لتحسين شروط التفاوض مع الولايات المتحدة في ملف العقوبات والاتفاق النووي.
وهذا يأخذنا إلى سؤال أساسي: هل يستطيع حزب الله مواصلة هذه اللعبة المعقدة؟
هل تنتهي اللعبة؟
المنطقة في لحظة حساسة جدًا، والمشهد أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح. حزب الله قد يجد نفسه في مواجهة أكبر من قدراته، ليس فقط بسبب الضغط الإسرائيلي، ولكن أيضًا بسبب الضغوط الداخلية والدولية. وإذا لم يتغير المشهد قريبًا، فإن إسرائيل قد تحقق أكبر انتصار عسكري وسياسي في تاريخها على حساب لبنان وحزب الله.السؤال هنا: هل حزب الله على استعداد للتضحية بكل ما بناه داخليًا وخارجيًا في سبيل المواجهة العسكرية؟ أم أن الحزب سيلعب ورقته الأخيرة للخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر؟