«لقد أتاحت أنظمة المراقبة الجديدة التي تستخدمها إسرائيل، إمكانية تحديد مواقع (حزب الله) وكوادره؛ لمعرفة أماكن إقامتهم، وأين توجد مكاتبهم، ومع من يتناولون القهوة، وفي أي وقت يذهبون لممارسة الرياضة»، يقول «علي» (اسم مستعار)، وهو قيادي في «حزب الله»، لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.
ويضيف: «(حزب الله) لا يعيش في كوكب آخر». إنه في منطقة الضاحية، التي ركزت عليها إسرائيل أقمار التجسس وطائراتها من دون طيار، وبمجرد أن جمعت الاستخبارات التكنولوجية معلومات عن هذا الهدف أو ذاك، جَنّد الإسرائيليون بَوّابِي المباني التي تعيش فيها أهدافهم أو مَن شربوا معهم قهوتهم.
وفق تقرير «لوفيغارو»، لم يشكّ أحد داخل «حزب الله» في وجود مثل هذه الشبكة التجسسية من جانب إسرائيل، التي تعلمت الدرس من الفشل الجزئي في حربها السابقة ضد الميليشيا الشيعية الموالية لإيران في عام 2006. وعندما وقعت أولى عمليات الاغتيال التي استهدفت كبار قادة «حزب الله»، في يناير (كانون الثاني) الماضي، صدر الأمر من «الحزب» بتخلي عناصره عن الهواتف الجوالة. يقول القيادي علي معلّقاً على هذا القرار: «لكن لم يكن هناك أي فائدة (من القرار). كان لدى الإسرائيليين تسجيل سلوك أولئك الذين أرادوا القضاء عليهم. كان على هؤلاء (القادة في حزب الله) أن يغيروا حياتهم بشكل جذري، لكن ذلك كان مستحيلاً».
تصاعد سحب الدخان من الضاحية الجنوبية لبيروت إثر غارات جوية إسرائيلية عنيفة على معقل «حزب الله» في 19 أكتوبر 2024 (د.ب.أ)
استخفاف «حزب الله» بعدوّه
«هاشم»، وهو مصدر مقرب من الميليشيا الشيعية، يفسر لصحيفة «لوفيغارو» عدم يقظة «حزب الله» لأجهزة البيجر وأجهزة الاتصال اللاسلكي. يقول: «كان من المفترض أن تستمر بطاريات أجهزة الاتصال اللاسلكي، التي تسلّموها (في الحزب) عام 2018، لمدة شهر، لكن البطاريات أصبحت فارغة بعد أسبوع فقط من الاستخدام. لم يتنبّه أحد إلى أن ذاك الأمر كان غريباً». وأضاف: «كما هي الحال مع أجهزة الاستدعاء، كانت بطاريات الليثيوم الخاصة بتلك الأجهزة تستمر وقتاً أقل من المتوقع، ومرة أخرى، لم يعتقد أحد أن بعض البطاريات كانت مليئة بالمتفجرات. لقد مسح (الحزب) الأجهزة ضوئياً، لكن لم يكن من الممكن اكتشاف المتفجرات».
وفتح تحقيق داخلي بالتنسيق مع فريق من «الحرس الثوري» الإيراني. بالإضافة إلى استجواب مئات الأشخاص المشتبه في تقديمهم معلومات إلى «الموساد»، وكانت إحدى الأولويات هي تعلم درس «الإمداد الكارثي».
مروحية هجومية إسرائيلية من طراز «أباتشي» تطلق صاروخاً باتجاه جنوب لبنان وسط اشتباكات مستمرة بين «حزب الله» وإسرائيل… وفق ما شوهدت من قرب مستوطنة عين يعقوب شمال إسرائيل يوم 21 أكتوبر 2024 (رويترز)
وينتقد كثير من الشيعة، من القاعدة الاجتماعية لجماعة «حزب الله»، الآن «الحزب» الذي، بدلاً من أن يوفر لهم الحماية، دمّر بشكل غير مباشر وجودهم، وفق «لوفيغارو».
«لقد أعادونا 40 سنة إلى الوراء»، يقول «محمد» غاضباً، وهو أحد الوجهاء من جنوب البلاد؛ حيث الدمار الإسرائيلي كبير جداً.
وأضاف: «على (حزب الله) أن يعود إلى حظيرة الدولة. يجب أن نغلق مدارسهم، حتى لا يفرضوا الشادور على الفتيات»، وهو زي نسائي تقليدي إيراني الأصل. واستكمل «محمد» حديثه مندداً بتصرفات مسؤولي «حزب الله» التنفيذيين بشكل يومي على الأرض: «عندما تكون معهم، فأنت الملك، وتتلقى راتباً، ولكن في المقابل، يجب عليك تنفيذ أوامرهم، ويجب أن تمنحهم هذا الطفل أو ذاك. لكن إذا لم تكن معهم، فأنت مكروه».
ويتذكر محمد كلاماً سمعه من أحد أعضاء «حزب الله»، ويقول: «منذ نحو شهر ونصف، تفاخر أحد أعضاء (الحزب) أمامي بأنه سيحتل قريباً شاليهاً بأحد الكيبوتزات في إسرائيل. لقد جعلهم حسن نصر الله يحلمون».
عناصر من «الحرس الثوري» الإيراني في طهران يوم 15 أكتوبر 2024 خلال تشييع الجنرال في «الحرس» عباس نيلفروشان الذي قُتل بغارة جوية إسرائيلية على بيروت أواخر سبتمبر الماضي (أ.ب)
ضباط إيرانيون يملأون الفراغ
وإذا كانت الحرب في سوريا قد سمحت لجماعة «حزب الله» بتعزيز قدراته القتالية بين عامي 2012 و2020، «فقد أدت أيضاً هذه الحرب إلى مفاقمة نقاط ضعفه. لقد جنّدت إسرائيل كثيراً من المعارضين السوريين الذين لجأوا إلى جنوب لبنان، وهم يعارضون بشدة (حزب الله) الذي حاربهم في الداخل لإنقاذ بشار الأسد»، وفق محمد.
علاوة على ذلك، فإن «حقيقة أن إسرائيل تمكنت في اليوم التالي من التأكيد على مقتل نصر الله بالفعل، تعني أن (الموساد) لديه مصادر بشرية ليست بعيدة عنه»؛ يضيف مصدر أمني. كما أن إفلاس البنوك اللبنانية؛ التي شهدت خسارة كثير من ممولي «حزب الله» كثيراً من الأموال، فتح ثغرات اندفع إليها التجسس الإسرائيلي، وفق «لوفيغارو».