أعرب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عن قلقه البالغ إزاء تزايد عمليات الهدم التي تستهدف المعالم التراثية في القاهرة التاريخية. وأكد المركز أن هذه الأفعال تمثل اعتداءً سافرًا على الهوية الثقافية والتاريخية لمصر، وتشويهاً للذاكرة الجماعية للشعب المصري.
وأشار المركز إلى أن عمليات الهدم هذه تتم تحت ذريعة مشروعات التنمية، إلا أنها في الواقع تهدف إلى طمس هوية الأحياء القديمة والاستيلاء على أراضيها. وأكد أن هذه الأعمال مخالفة للقانون وتتعارض مع المبادئ الأساسية لحماية التراث.
ولقد كشف تقرير صادر عن المركز أن العديد من الجهات المسؤولة عن الحفاظ على التراث هي نفسها المتورطة في عمليات الهدم، مما يثير تساؤلات حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الأفعال.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك، رفض محكمة القضاء الإداري دعوى قدمها المركز لوقف هدم المقابر الأثرية في منطقة السيدة عائشة، بحجة انتفاء المصلحة. هذا الحكم يتناقض مع الأحكام السابقة التي أكدت على حق المواطنين في حماية التراث.
ومع استمرار أعمال الهدم، أكد المركز أن مسؤولية حماية هذا التراث الثمين تتعقد عندما تُغلق “العدالة” أبوابها أمام مطالبات إنقاذه.
قضت محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى التي رفعها المركز نيابةً عن مجموعة من أساتذة واستشاريي الحفاظ على التراث العمراني، بشأن وقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن توفير الحماية اللازمة للمقابر والمباني الأثرية وذات الطراز المعماري المتميز في منطقة جبانات القاهرة التاريخية.
يظهر حكم المحكمة تعقيدًا في التفاعل بين المؤسسات الحكومية والتزاماتها تجاه حماية التراث، مما يثير القلق من أن غياب الحماية القضائية المناسبة قد يؤدي إلى تفاقم الانتهاكات بحق هذا التراث.
وإذ يؤكد المركز استمراره في المطالبة بالحماية اللازمة للمواقع التراثية والأثرية، فإنه يشدد على أن تجاهل المصلحة العامة في قضايا الحفاظ على التراث يعد انتهاكًا للمبادئ الأساسية المنصوص عليها في الدستور، الذي يُلزم جهات الدولة بحماية الآثار ورعاية مناطقها.
دعا المركز جميع الجهات المعنية إلى الالتزام بمسؤولياتها تجاه حماية التراث المصري، مشيرًا إلى أن وقف التعدي على الهوية الثقافية والتاريخية ليست مجرد واجب قانوني، بل التزام أخلاقي يعكس قيمة التراث الذي نعتز به جميعًا.
كما يشدد على ضرورة وضع خطط عمرانية تأخذ بعين الاعتبار الحفاظ على المعالم التراثية، بإدماجها بشكل متناغم في السياق الحضاري، لضمان حمايتها من التهديدات الناجمة عن خطط التنمية غير المدروسة، مع تفعيل التشريعات المتعلقة بحماية الآثار وضمان تنفيذ العقوبات على المخالفين، حتى وإن كانوا من الجهات المختصة ذاتها.