أكد محمد عصام العروسي، المدير العام لمركز “منظورات للدراسات الجيو-سياسية” في الرباط، أن الجماعات المسلحة في منطقة شمال إفريقيا نشأت نتيجة حواضن فكرية وأيديولوجية ساهمت في نشر الفكر القتالي والعنف. وأوضح العروسي أن مشروعية استخدام العنف هي مسألة محصورة في الدول القُطرية وفقًا لعلماء السياسة، مشيرًا إلى أن غياب الاستقرار السياسي في المنطقة قد ساهم في تأجيج العنف والصراعات.
في مداخلته خلال ندوة أكاديمية نظمتها “أكاديمية العلاقات الدولية” بالتعاون مع “الأكاديمية الدولية للعلوم الأمنية” في بريطانيا، تناول العروسي الأسباب التي دفعت الحركات المسلحة لتبني سلوكيات حربية تماثلية، قائلًا: “الحضور الغربي في شمال إفريقيا كان له دور كبير في تأجيج الصراعات، خاصة في منطقة الساحل وجنوب الصحراء”. وأضاف أن العمليات العسكرية الفرنسية مثل “عملية برخان” والاغتيالات التي استهدفت قيادات تنظيمات إرهابية بارزة مثل بن لادن والبغدادي والظواهري لم تُساهم في الحد من انتشار الجماعات المسلحة في المنطقة.
الارتباط بين الوهابية والجهاديين في شمال إفريقيا
وتطرق العروسي إلى تأثير الوهابية في المملكة العربية السعودية على نشأة الأفكار السلفية في شمال إفريقيا، مؤكدًا أن “التحالف بين السعودية وأمريكا ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان أسهم في إنتاج نوع من الجهاديين الذين عادوا إلى بلدانهم وشنوا حروبًا ضدها”. كما لفت إلى أن السلفية الجهادية تتبنى فلسفة تتجاوز الحدود القُطرية وتسعى للوصول إلى “العولمة المضادة” التي تتناقض مع العولمة الغربية الحديثة.
نجاح المغرب في مواجهة الفكر السلفي الجهادي
وأكد العروسي أن المغرب تمكن من مواجهة التهديدات السلفية الجهادية عبر سياسة أمنية متكاملة، معتمدًا على برامج مراجعة الأفكار داخل السجون، مثل برنامج “مصالحة”. وقال إن المغرب نجح في تفكيك أكثر من 200 خلية إرهابية حتى عام 2023، ما جعله من أقل الدول في المنطقة عرضة للمخاطر الإرهابية مقارنة ببقية دول شمال إفريقيا.
التحديات الأمنية في شمال إفريقيا
رغم النجاحات الأمنية في بعض دول المنطقة، أكد العروسي أن خطر الجماعات المسلحة لا يزال قائمًا، خصوصًا في المناطق الحدودية مثل الساحل وجنوب الصحراء. وأشار إلى تزايد أنشطة جماعة “نصرة الإسلام والمسلمين” في مالي، التابعة لتنظيم القاعدة، وأضاف أن عدم التنسيق بين الاستراتيجيات الإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب يساهم في تفاقم الوضع الأمني في شمال إفريقيا. كما أشار إلى أن وجود الجماعات المسلحة في مناطق مثل الجنوب الليبي وتونس، فضلًا عن تدفق مقاتلين من شرق إفريقيا، يزيد من تعقيد التحديات الأمنية.
الاستقرار في بعض الدول المركزية
وفي الختام، أكد العروسي أن دولًا مركزية في شمال إفريقيا، مثل المغرب والجزائر وتونس، استطاعت تحقيق قدر من الاستقرار الأمني وتقليص فرص استخدام الجماعات المسلحة للعنف. إلا أن التحديات ما زالت قائمة، خاصة في ظل الأزمة السودانية وتدهور الأوضاع الأمنية في بعض دول الجوار، ما يستدعي تكثيف الجهود الأمنية والرفع من الوعي بمصادر وأسباب النزاعات في المنطقة.