لم تكتف حكومة الدكتور مصطفى مدبولي بإعلان وزير الثقافة، أحمد حنفي، وقف عمليات الهدم في منطقة مقابر الإمام الشافعي مؤقتًا لحين التنسيق مع الجهات المعنية ودراسة موقف الأضرحة والمقابر المطلوب إزالتها.
بل دفعت رئيس الوزراء مصطفى مدبولي للتأكيد على أن ما حدث من تجاوزات “لن يتكرر مرة أخرى”، وهو ما بدا ظاهريًا أنه انحناء لموجات الغضب التي طالت قطاعات مختلفة جراء الاستمرار في الاعتداء على المناطق التاريخية بشكل مستمر خلال السنوات الماضية.
إحنا آسفين!
وقال مدبولي، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي مع وسائل الإعلام المختلفة: “إن الدولة لن تسمح بالمساس بأي مبنى أثري أو تراثي، وسواء كان الأثر مسجلًا أو غير مسجل لن يتم الاقتراب منه بأي حال من الأحوال”.
وأضاف رئيس الوزراء أن هذه الخطوة جاءت “تجاوبًا مع الشكاوى المقدمة ونتعامل معها، وبالتالي هذه الأحداث لن تتكرر مرة أخرى، وأنه جاء تكليف فوري بإيقاف هدم مقابر الإمام الشافعي”.
وقبل أيام أثار هدم قبة “مدفن مستولد محمد علي باشا” الشهير في مدفن حليم باشا بجبَّانة الإمام الشافعي في القاهرة التاريخية موجة واسعة من الغضب بعد نشر ناشطين ومهتمين بالتراث والآثار صوراً توثق عملية هدم القبة.
وكانت تتميز بطراز معماري فريد ونقوش مميزة، وذلك بعد أيام من هدم مدفن إبراهيم النبراوي، مع مدافن أخرى، وجميعها تتواجد في المقابر التاريخية بوسط القاهرة.
السر عند اليونسكو
وقال مصدر مطلع أن التوجيهات التي جاءت من رئاسة الوزراء تضمنت تجميد العمل بشكل كلي دون أن تحدد موعداً للعودة، وفي حال جرى التفكير في استكمال مخططات تطوير تلك المنطقة فإنه لن يتم قبل إجراء انتخابات منظمة اليونسكو التي يترشح على رئاستها وزير السياحة والآثار الأسبق خالد العناني، العام المقبل.
مشيراً إلى أن عملية توثيق المقابر التاريخية في تلك المنطقة يشغل اهتمام الباحثين الأثريين، بما يساهم في التأثير على مواقف الحكومة ودفعها لتطوير المنطقة كمزار سياحي وليس لإقامة طرق وجسور وفنادق كما هو مخطط لها.
تكرّر الحديث عن عمليات هدم تطال مباني أثرية في منطقة مقابر الإمام الشافعي وسط القاهرة بحجة بناء مشاريع مرورية لتطوير المنطقة عمرانيًا.
انتقادات واسعة طالت هذه العمليات في بلدٍ يشتهر بالمباني التاريخية والمقابر القديمة، في ظل قرارات هدم عددٍ من الأضرحة والقباب التي تحمل قيمة تاريخية.
كيف تغير مشاريع التطوير معالم مقابر الإمام الشافعي؟ وما أثرها على هذه المعالم التاريخية؟منذ عام 1979، سجّلت منظمة اليونسكو منطقة القاهرة التاريخية كموقع تراثٍ عالميّ.
ورغم أن هذا التصنيف شمل منطقة مقابر الإمام الشافعي، إلا أنه لم يحمها من التعرض للتلف بسبب المياه الجوفية التي تشكل تهديدًا على أساسات الكثير منها، كما باتت المنطقة منعزلة وملاذ لممارسات غير قانونية.
وتضمُّ هذه المنطقة عددًا كبيرًا من مقابر فقهاء ووزراء وأدباء عاشوا في عصورٍ سابقة، خلال مشاريع التطوير الحالية تعرضت بعض هذه المقابر للهدم رغم المكانة الكبيرة لأصحابها في تاريخ مصر، آخرها مقبرة أحد قادة الثورة العرابية محمود سامي البارودي، وقبة “نام شاز قادين” مستولدة محمد علي، إحدى جواري محمد علي اللائي أنجبن منه أولادًا، وأم محمد عبدالحليم باشا ابنه الثاني.
وبنَى هذه القبة الأمير محمد عبدالحليم فوق ضريح أمه خلال إقامته في مصر حيث كان الأحق بوراثة العرش بعد الخديوِ إسماعيل حتى نجح الأخير في تغيير نظام ولاية العهد وأسنده إلى أكبر أبنائه، الأمر الذي دفع محمد عبدالحليم للهرب إلى تركيا وعاش فيها حتى مات ودُفن بها.وفي 2019، بدأ الحديث عن إزالة أجزاء من مقابر الإمام الشافعي لأول مرة بمبرر تنفيذ أعمال توسعة أحد الطرق في هذه المنطقة.
وحتى الآن، لم يتم الإعلان عن التفاصيل الكاملة لهذا المشروع في ظل تغيرها أكثر مرة، وعدم توفر خرائط رسمية تكشف مسارات الطرق والجسور المزمع إنشاؤها في المناطق التي ستُزال المقابر منها.
ويصف رئيس قطاع الآثار المصرية بوزارة الآثار السابق، يوسف خليفة، المنطقة بأنها “متحف مفتوح”، موضحًا أن “كل قبة وكل شاهد تقع في هذه المنطقة تمثّل قيمة كبرى وتملك طُرز معمارية لن نستطيع تعويضها مرة أخرى”، معتبرا أن إزالتها “جريمة”.
ومن جانبه، يوضح الباحث في الآثار الإسلامية معاذ لافي، أن بداية المشروع كانت عبر التخطيط لعمل سلسلة من الطرق والجسور لتيسير المرور في المنطقة وربطها بمحاور مرورية أخرى.
وبجانب هذه المشاريع، سيجري بناء عددٍ من الميادين لإحداث عملية “تطوير” كبرى في المنطقة بأسرها.
أما الباحث في التراث، ميشيل حنا، فيرى أن تصنيف هذه المنشآت كمقابر “لا يجعلها هدفًا سهلاً يُمكن هدمه دون عوائق”، مضيفا “الأهرامات نفسها وأغلب ما بقي لنا من الفراعنة بُنيت كمقابر”.
ويعتبر حنا أن “عشق المصريين لبناء مقابر ذات طرازات معمارية مميزة يرجع إلى اهتمامه القديم جدًا إلى الحياة الأخرى، وأن يكون له ضريح فاخر يُدفن فيه، عادة يتوارثها المصريون حتى اليوم”.
وخلال حديثه أكد ميشيل أن القبة بمقابر الإمام الشافعي يتجاوز عمره 160 عامًا، ورغم ذلك لم يجر تصنيفها كأثر بسبب تقاعس المسؤولين في وزارة الآثار”، على حد قوله.